إحدى هذه الخصائص هي “موصليّتها الفائقة”

أثبت العلماء عمليًّا وجود مركبات يورانيوم غريبة وجديدة، ويتوقّعون أنّ بعضها قد يمتلك موصليّة فائقة في درجة حرارة الغرفة.

إنّ معنى الموصليّة الفائقة هو أن تمتلك المادة القُدرة على نقل الكهرباء دون أيّ مقاومةٍ تذكر، وهي خاصيّة بحث العُلماء سابقًا في أمرها، ولو وُجدت ستكونُ بمثابة ثورةٍ في استخدامنا للطاقة.

ولكن لسوء الحظّ، وجد العُلماء هذه الخاصيّة في بعض المواد فقط، وتحت ظُروفٍ معيّنة، مثل الضغط العالي أو الحرارة الباردة جدًّا.

أمّا عن أفضل مركّبٍ لنقل الكهرباء بمقاومةٍ قليلة فهو أحد مُركّبات الهيدروجين والكبريت النادرة.

والذي وصل إلى حالة الموصلية الفائقة على درجة حرارة -70 درجة سيلسيوس (أو 203 كيلفين).

والآن، يظُنّ الفريقُ الباحث أنّ مركّبات اليورانيوم الجديدة قد تصل إلى حالة الموصليّة الفائقة عند درجة حرارةٍ أقلّ، أو ضغطٍ أقل.

تُعرفُ هذه المركباتُ الجديدة باسم (هيدرات اليورانيوم – Uranuim Hydrides) – والتي تتكوّن بشكل أساسي من اليورانيوم والهيدروجين.

إلى ما قبل الآن، عُرف مثالٌ واحد عن هذه المجموعة من المُركّبات وهو (اليورانيوم ثلاثي الهيدروجين – Uranium Trihydride) وصيغته الكيميائية هي: UH3، وهو الذي استُخدم بشكلٍ أساسيّ في تجارُب صناعة القنبلة النوويّة في فترة أربعينيات القرن الماضي – مشروع مانهاتن.

والآن، أُضيف للمجموعة عدّة مُركّباتٍ أُخرى:
UH5 – UH6 – UH7 – UH8 – UH9 – U2H13 – U2H17

ولتكوين هذه المُركّبات، قام فريقٌ من العُلماء يضُمّ علماء من الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا بوضع مزيجٍ من اليورانيوم والهيدروجين تحت ضغطٍ يُساوي 5 ملايين ضغط جوّي، ما أدّى إلى تشكُّل مجموعة واسعة من مُركبات هيدرات اليورانيوم، والتي لم تُرَ من قبل.

ومع استمرار الباحثين بزيادة الضغط على المزيج، حصلوا في النهاية على 14 مُركّبًا من الهيدروجين واليورانيوم، وبعضُها وُجد في حالاتٍ مُتعددة.

كان اكتشافُهم أكثر من مُجرّد بحثٍ أكاديمي.

إنّ قطع المعدن الكبيرة المُكتشفة خلال البحث قد تؤدّي إلى فكّ لغز الموصليّة الفائقة لبعض المعادن تحت ظُروفٍ مُعيّنة.

ويقولُ الباحث في معهد موسكو للفيزياء والتّكنولوجيا – MIPT، آرتيم أوغانوف: «من الأمور الأكثر إثارة حول نتائجنا، هو أنّ الضغط العالي يُنتجُ مجموعةً كبيرة من الهيدرات، مُعظمُها لا يتمُّ التعامُلُ معه بالكيمياء الكلاسيكية».

ويُكمل: «الأمرُ الآخر هو أنّ هذه المُركّبات من المُمكن الحصول عليها، ومن المُمكن أن تصل إلى مرحلة الموصلية الفائقة تحت ظرف ضغطٍ مُنخفض، ومن المُحتمل أن يكون هذا الضغط هو الضغط الجوّي».

إذن، ما هو المُثير والمُهم حول الموصليّة الفائقة؟

علمنا منذُ أكثر من قرنٍ أنّ بعض المواد تمتلك قابليّة نقل الكهرباء خلالها دون فقدٍ يُذكر للطاقة خلال الطريق.

وبتحويل هذه التقنيّة -الموصليّة الفائقة- إلى تطبيقٍ تكنولوجيّ، فالمُستفيدُ الأول هي الإلكترونيات، لكنّ المُشكلة الأساسيّة هي احتياجها إلى درجة حرارةٍ مُنخفضة، وعندما نقولُ منخفضة نحنُ نقصد أعلى من الصّفر المُطلق ببضعة درجات (الصّفر المُطلق = صفر كيلفين = -273 سيلسيوس).

لكن على ما يبدو، يوجد بصيصُ أمل.

في ثمانينيّات القرن الماضي، لاحظ العلماءُ بعض الإشارات لقُدرة بعض مواد السيراميك على الوصول إلى نفس النتيجة تحت ظُروف حرارةٍ باردة، لكن لا تتطلّب تكاليف عالية لتبريدها لتلك الحرارة.

قبل أربع سنوات، اكتشف علماءٌ من معهد ماكس بلانك للكيمياء بألمانيا قُدرة هيدرات الكبريت (H3S) على الوصول إلى الموصلية الفائقة عند درجة حرارة 203 كيلفين.

قد تتساءل، لم لا نعتمد على النيتروجين السائل؟

تبيّن أنّ النيتروجين السائل، إلى جانب درجة حرارته الباردة، يحتاجُ إلى ضغطٍ يصلُ إلى 1.5 مليون ضغط جوي ليصل إلى حالة  الموصلية الفائقة.

وحتى الآن، لا يزالُ حُلمُ الوصول إلى مواد جديدة قادرة على الوصول إلى حالة الموصلية الفائقة تحت ظروفٍ معقولة موجودًا.

ويوضّح إيفان كروغلوف من معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا: «بعد اكتشاف هيدرات الكبريت، بدأ العلماءُ برحلة بحثٍ شغوفة للوصول إلى مواد فائقة الموصلية، خصوصًا الهيدرات في المواد اللامعدنية».

ويوجد سببٌ مقنع لابتعاد العلماء عن التفكير في هيدرات المواد المعدنية.

ففي مطلع هذا العام، طبّق فيزيائيون من معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا لوغاريثمية مُعيّنة على سلسلة الأكتينيدات (سلسلة العناصر من 89 إلى 103 رقم ذري) لاكتشاف أيٍّ منها قد يستطيع تشكيل مركّبات مع مستقرة مع الهيدروجين.

منذُ ذلك الحين، انصبّ اتجاهُ بحث العلماء نحو اليورانيوم، لشكّهم بأنّ هيدرات اليورانيوم تستطيع أن تكون ذات موصليّةٍ فائقة دون الحاجة إلى ضغطٍ عظيم.

وبالرّغم من أنّ الفكرة تبدو لطيفةً على الورق، إلّا أنّ هذه هي المرة الأولى التي استطاع فيها الفريق إظهار المركّبات التي أوجدوها، والتي تصرّفت كما توقّعوا.

والأهم من ذلك، أنّهم أظهروا اشاراتٍ حول موصليّتها الفائقة تحت ظرف ضغطٍ قليل مُقارنةً بالمُركّبات الأخرى.

ويُضيف كروغلوف: «إنّ دراستنا لهيدرات المعادن تُعتبر هامّةً بأهمّية دراسة اللامعادن، في ظروف الحرارة العالية والموصليّة الفائقة».

ولنكون واضحين، كلُّ ما سبق لا يعني أنّنا اكتشفنا سرّ الموصليّة المُطلقة حتى الآن، ولا حتى بعد وقتٍ طويلٍ من الآن.

فأفضل أداءٍ لهذه المركّبات المكتشفة هو وصولها للموصليّة الفائقة عند درجة حرارة -219 سيلسيوس.

يعتقدُ الفريق أنّ بإمكانهم رفعُ درجة الحرارة المطلوبة للحالة من خلال إضافة موادٍ أُخرى للمركّبات، وخفض الضغط المطلوب أيضًا حتى يصل إلى ما هو معقولٌ ومقدورٌ عليه.

لكنّ الهدف الأساسي، كان وما زال، هو تطويرُ فهمٍ أفضل لكيفيّة وصول المواد إلى حالة الموصليّة المطلقة باختلافها.

مما لا شكّ فيه، أنّها عمليةٌ طويلة من فكّ شيفرة الموصليّة الفائقة، لكنّ النتائج تستحقّ البحث والجُهد المبذول فيه.


  • ترجمة: محمد يامين.
  • تدقيق: جعفر الجزيري.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر