الأهرامات : معجزة مصر الخالدة حيث ظلّت أهرامات الجيزة على مدار أكثر من أربعة آلاف عامٍ تُذهل الجميع بِما تحمله في طيّاتها من الأسرار.

استطاع ملوك مصر القدماء -خوفو، خفرع ومنقرع- بناء مقابرهم العظيمة حتّى آخر لبنة.

نظرة إلى تاريخ الأهرامات

تُعتَبَر (أميليا بلانفورد إدواردز- Amelia Blanford Edwards) واحدةً من أكثر السائحين الأوربيين زيارةً لمشاهدة عجائب مصر في نهايات القرن التاسع عشر.

في كتابها الذي صدر عام 1877 (ألف ميل بعيدًا عن النيل – Thousand Miles Up the Nile)، عندما كتبت عن الرحلة المثيرة إلى حافة الصحراء، وصولًا إلى: «الهرم الأكبر، الذي يقف شامخًا في جلاله وعظمته التي تُشعِرُ المرء بضآلته…تأثيره مفاجىء وساحر، إنّه يسدّ عليك الأفق والسماء، ثمّ يحجب عنك الأهرامات الأخرى، إنّه يحجب عنك كلّ شيء، ثمّ يلقي في روعك الرعب والدهشة».

ربّما لم يتغير الأمر مع سائحي العصر الحديث فالكلمات ذاتها ستصف الإثارة التي تنتاب المرء لرؤية الأهرامات العظيمة.

إنّها تحفة معماريّة، قديمة إلى حدٍّ مذهل، لدرجة يصعب فيها التصوّر أنّ هضبة الأهرامات كانت قبل 4600 سنة عبارةً عن بريّة مهجورة تغطيها الكثبان الرمليّة، حيث تقع القبور تحت الشمس المصريّة الحارقة.

بالإضافة إلى أبو الهول -الأحجية الصعبة- وعدد من المقابر والمعابد.

تقع الأهرامات الأساسيّة في الجيزة: خوفو (في الأصل كان طوله 481 قدمًا -146.6 أمتار-، والاسم الهليني له شوبوس-خوبوس، كما يُعرف الهرم أيضًا بالهرم الأعظم/الأكبر)، وهرم خفرع (471 قدمًا -143.5 أمتار-)، ومنقرع (213 قدمًا -65 مترًا-).

نجمت الأهرامات عن الاحتياجات المعقّدة للأسرة الرابعة المصريّة، وهي تُعتبَر انتصارًا لأحد أجرأ المشاريع الهندسيّة وأكثرها إبداعًا في تاريخ البشرية.

لقد حكم ملوك الأسرة الرابعة مصر في الفترة ما بين 2575 إلى 2465 قبل الميلاد.

متوّجةً العصر الذهبيّ للدولة القديمة، وكانت مدينة ممفيس -منف أو من نفر- الأنيقة الواقعة على النيل مركز قوّتها، على بعد حوالي 15 ميلًا جنوب الجيزة.

حكم خوفو الملك الثاني للأسرة، خلال فترةٍ من السلام النسبيّ في مصر، على الرغم من تصوير المؤرخ اليونانيّ هيرودوت له ولابنه فيما بعد بأنّه قاسٍ ومتعجرف.

شَرَع المهندسون المعماريون والمهندسون من حاشية خوفو في مشروعٍ يتسامى عن أيّ بناءٍ آخر في العصر البرونزيّ.

الانتهاء من استكماله غيّر من شكل هضبة الأهرامات القديمة تمامًا.

لقد اختارها خوفو -بشكلٍ ما- ليبعد نفسه عن الأهرامات الرائعة التي بناها والده سنفرو في دهشور، وهي مقبرة أخرى بالقرب من منف.

العديد من العوامل الأخرى جعلت من البناء موقعًا مثاليًا، إذ سمح الارتفاع العالي للهضبة برؤيةٍ أوسع للهرم.

كان قريبًا من هليوبوليس -مركز عبادة إله الشمس رع-، وبما أنّ الجيزة احتوت بعض المقابر بالفعل، أصبحت هذه البقعة مقدسةً ومناسبةً لمقبرة الفرعون صاحب المكانة التي لم يشهد مثلها أو يتفوّق عليها أحد من قبل.

بعد وفاة خوفو، حكم ابنه دجيدف رع لفترةٍ وجيزةٍ وبدأ العمل على بناء مقبرةٍ بمنطقة أبو رواش والتي لم ينته من بنائها أبدًا.

قام الملك التالي، شقيقه خفرع، ببناء هرمٍ -بالإضافة إلى تمثال أبو الهول العظيم، كما يدّعي بعض العلماء- في الجيزة.

تابع الجيل التالي النمط ذاته: بنى با أف رع -ابن ريدجيف رع- مقبرته خارج الجيزة، بينما بنى منقرع -ابن خفرع- مقبرته في الجيزة.

اتبع كلّ ملك بعض القواعد البسيطة عند إنشاء بناءه في الجيزة ما أدّى إلى التناغم بين المجموعات الثلاث الجنائزيّة على الهضبة: فواجهة معبد خفرع العالية تتماشى مع الوجهة الغربية لهرم خوفو، وتتماشى واجهة معبد منقرع العالية مع الوجهة الغربيّة لهرم خفرع.

في الوقت ذاته، يشير الخطّ الوهميّ الذي يجمع تقريبًا بين الزوايا الجنوبيّة للأهرامات الثلاثة باتجاه معبد رع في هيليوبوليس.

العلماء يكتشفون الأسرار القديمة لعلم الفلك التي ساعدت في بناء الأهرامات

من بنى الأهرامات؟

زعم هيرودوت أنّ الهرم الأكبر -الذي يقدّر اليوم بأكثر من ستّة ملايين طنٍّ من الحجر- بُنِيَ بواسطة العبيد. ولكن كما يُعرَفُ الآن نُفِّذَ هذا المبنى بواسطة العمّال المصريين لقاء أجر.

تبدو فكرة بناء الآثار المصريّة على يَدَي عبيد -مثل مأساة العبيد العبريين التي رواها الكتاب المقدّس في سفر الخروج- رائجةً في العالم القديم.

من شأن مشاريع البناء الضخمة هذه أن تترك دليلًا أثريًا، لذلك وسط إثارةٍ هائلةٍ عام 1999 بدأ علماء الآثار باكتشاف القرية التي سكنها العمال الذين قاموا ببناء أهرامات خفرع ومنقرع، لحق هذا اكتشاف مقبرة العمال في عام 1990، والتي قُسِّمَت إلى أجزاء علويّة وسفليّة وفقًا لرتبة المُتوفى.

تُعتَبَر كلٌّ من قرية ومقبرة العمال -بالنسبة لعلماء الآثار- منجمًا للبيانات القيّمة حول الظروف التي بُنِيَت فيها الأهرامات الأصغر في الجيزة، وتعطي هذه البيانات بدورها فرضيّةً مقنعةً حول كيفيّة بناء هرم خوفو.

تبيّن دراسة عظام العمّال أنّ العمل كان قاصمًا للظهر، ربّما بالمعنى الحَرْفَي.

مع ذلك، كان العمّال أبعد ما يكون عن وصف العبيد، فهم من الموظفين المدنيين المُميزين والمستفيدين من العديد من الامتيازات التي يغبطهم عليها الآخرون.

تُظهر الدراسات التي أُجريَت على قرية العمال أنّهم كانوا يتمتعون بنظامٍ غذائيّ غنيّ بالبروتين، ربّما لم يُسمَع به من قَبل بين باقي سكان وادي النيل.

وتُشير الدلائل على أنّ الكسور والتشوهات في الجزوع تمتلك شكلًا صحيًا ما يقدّم دليلًا قويًا على تقديم الرعاية الطبيّة الكافية لهم.

بُتِرَت ساق أحد الهياكل العظميّة في المقبرة بدقةٍ، إذ يقدّر الخبراء أنّ المريض عاش مدّة 20 عامًا بعد العملية.

بالإضافة إلى ذلك، مكّن اكتشاف قرية العمّال علماء الآثار من فضح زعمٍ آخر من ادعاءات هيرودوت المزيفة وهو أنّ 100000 شخصٍ قاموا ببناء هرم خوفو. في الواقع، يبدو أنّ سعة القرية القصوى تصل إلى 20000 شخص، ربّما كُرّس نصفهم فقط للبناء على مدار الوقت.

الأدلة على بناة الأهرامات

تتطلب التحديات الهائلة لبناء هيكلٍ كهذا، وتنظيم آلاف العمال بكفاءة، تخطيطًا دقيقًا.

ضبط المخطّطون حساب عدد الكتل المطلوبة لبناء هرمٍ بالتدرج المطلوب -في حالة خوفو، فإنّ زاوية التقاء الجوانب مع الأرض هي 52 درجةً- هذا النوع من المشاكل الرياضيّة مسجل في البرديات الرياضيّة المصريّة، والتي برع فيها المهندسون المدنيون المصريّون.

تمكّن العلماء من جمع الحقائق حول الحياة في موقع البناء الهائل بفضل الكتابة على الجدران والنقوش في الموقع، وتشير القطع التي عُثِرَ عليها -والتي احتوت تواريخ من جميع الفصول في التقويم المصريّ- إلى أنّ الأهرامات بُنِيَت على مدار السنة وليس فقط عندما كان نهر النيل في حالة فيضان.

هناك أنواع عديدة من الأهرامات ولم تُبنى جميعها بنفس الطريقة.

استُخدِمَ أصغر نوع من الحجارة في أوّل هرم مصريّ في التاريخ -وهو هرم زوسر المدرّج في سقارة، والذي بُنِيَ قبل هرم خوفو بقرن- إذ استُخدِمَ (الطوبbricks) في البناء.

لكن مع تقدّم البناء، أصبح المهندسون أكثر ثقةً واستخدموا كتلًا أكبر، أكبرُها في الجيزة -وزنها ثلاثة أطنان- واستُخدِمَت لبناء هرم خفرع.

الكثير من الأعمال الحجريّة في أهرامات الجيزة جاءت من محجرٍ يقع بالكاد على بعد نصف ميلٍ إلى الجنوب من الهرم الأكبر لخوفو.

بينما عبر الحجر الجيريّ الأبيض -والذي شكّل الغلاف الخارجيّ- ذات يومٍ رحلةً أطول إلى الجيزة، حُرِّك بالقوارب على طول نهر النيل من محجر طره على بعد ثمانية أميال.

من داخل الأهرامات

اكتشف الباحث (هنري شيفريه – Henri Chevrier) عندما كان يعمل في الكرنك في ثلاثينيات القرن العشرين، أنّ كتلةً من خمسة أطنانٍ يمكن جرّها أفقيًا على طول مسارٍ طينيّ رطب بواسطة ستة رجال فقط.

وتماشيًا مع ما أظهرته الصور الموجودة في المقابر فقد سحبت الثيران كتلًا من هذا الحجم في بعض الأحيان. صوّرت زخرفة بعض المقابر المنحدرات التي رُفِعَت على هيكل الهرم، كما أنّ هناك أدلّة أثريّة لمثل هذه المنحدرات في الجيزة نفسها.

ساعدت هندسة الهرم في التغلب على المشكلة اللوجيستيّة المتمثلة في رفع الأحجار الضخمة، إذ يتركّز 40٪ من حجم الهرم في الثلث السفليّ.

ومع ذلك، كان رفع الكتل الحجريّة بواسطة المنحدر إلى مكانٍ أعلى من ثلث البناء الأدنى تحدّيًا كبيرًا، ولا تزال طريقة حلّ المصريين للمشكلة غير معروفة تمامًا.

تمثّل أحد الحلول باستخدام بنية الدرج/السلم الداخليّة للمبنى -المرئيّة اليوم، إذ اختفت حجارة الغلاف الخارجيّ منذ مدّة طويلة- فيمكن حينها رفع الكتل بنسبٍ ضئيلةٍ في وقتٍ واحدٍ، بنفس الطريقة التي يمكن بها للجسم الثقيل أن يتحرر من ثقله باستخدام سور الدرج أو السلم.

كانت الصفوف المكوّنة لهرم خوفو أعلى من قدمين بقليل -0.6 أمتار تقريبًا- في المتوسط.

لذا من المحتمل إمكانية استخدام الروافع لرفع الكتل الكبيرة إلى مكانها بمساعدة القوّة البشريّة الكافية، وهكذا حتّى يكتمل البناء في شكل القمة أو المعروف باسم الهرم، والذي يعتقد المؤرخون أنّه قد وُضِعَ في مكانه في حفلٍ رسميّ.

منذ فترةٍ طويلةٍ أُزيلَت قمّة هرم خوفو، ولكن يُعتَقَد أنّها تكوّنَت من حجر طره الأبيض.

استُخدِمَ في هذا المشروع ما يصل إلى مليونين ونصف كتلةٍ حجريّة، ما يجعله واحدًا من أثقل المباني على هذا الكوكب، كما أنّه الوحيد من عجائب الدنيا السبع في العالم القديم والذي لا يزال قائمًا.

اقرأ ايضًا:

اكتشاف السر: لماذا الأهرامات مرصوفة بهذا الشكل الفريد؟

ملحقات

الجدول الزمنيّ: الآباء والأبناء

حوالي 2550 قبل الميلاد
بدأ خوفو -ثاني ملوك الأسرة المصريّة الرابعة- العمل على هرمه. عند اكتماله، بلغ طول المقبرة الضخمة 481 قدمًا -146.6 أمتار-، وهو أكبر هرم على الإطلاق.
حوالي 2530 قبل الميلاد
دجيدف رع  -ابن خوفو- تولّى السلطة لبضع سنوات فقط. بدأ في بناء هرمٍ شمالي الجيزة في أبو رواش، لكنّه لم ينه البناء.
حوالي 2520 قبل الميلاد
قام خفرع  -وهو ابن آخر لخوفو- بإلحاق الهرم الثاني في الجيزة. على الرغم من كونه أصغر قليلًا من هرم خوفو، إلّا أنّه يقع على أرض مرتفعة، ما يجعله يبدو أطول.
حوالي 2490 قبل الميلاد
يضع منقرع  هرمه إلى جوار أهرامات جدّه ووالده.
لاحقًا ستُنهَب جميع محتويات المقابر الثلاثة.

إيمحوتب إله البناء عند قدماء المصريين

كان إمحوتب أحد العقول القياديّة في الأسرة الثالثة، ليس فقط لكونه مهندس أوّل هرمٍ بُنِيَ على الإطلاق -وهو هرم سقارة المدرج- بل لأنّه بالإضافة إلى ذلك شغل مناصب رفيعةً في جميع مجالات المجتمع المصريّ منها الدينيّ والسياسيّ والاقتصاديّ والفنيّ.

كما بنى هرم خليفة زوسر، سـِخـِم خـِت. قُدِّسَ في وقتٍ لاحقٍ بمثابة كونه إلهًا للطبّ في جميع أنحاء مصر في العصور المتأخرة.

إيمحوتب إله البناء عند قدماء المصريين

حم-إيونو المهندس الجليل

ليس معروفًا من قام بتصميم الهرم الأكبر، لكنّ الرجل المسؤول عن الإشراف على بناءه المعقّد كان حم-إيونو -ابن أخت خوفو- وهو موظّف حكوميّ كبير عمِل بمثابة وزيرٍ للملك. على الرغم من الغموض المحيط بالجيزة، فإنّ حم-إيونو نفسه كان رجلًا من لحمٍ ودم، كما يظهر من التمثال الواقعيّ والحقيقيّ الذي وُجِدَ في مقبرته -في المقبرة الغربيّة في الجيزة-.

حم-إيونو المهندس الجليل

مطاردة لوجه الملك

أمر ببناء أحد أكبر المعالم الأثريّة في العالم، والذي يحمل اسمه بعد 4500 سنة من حكمه.

يظهر اسمه على الوثائق وعلى النقوش القليلة التي لا تزال على مدخل المجمع الجنائزيّ.

حتّى قبل بضع سنوات، لم يكن هناك سوى تمثيل صغيرٌ واحدٌ لخوفو، الرجل الذي بنى الهرم الأكبر في الجيزة، تمثال نُحِتَ من العاج على ارتفاع ثلاث بوصاتٍ فقط، تُعتَبَر هذه القطعة الأثريّة –في مفارقة مثيرةٍ للسخرية- القطعة الأصغر التي اكتُشِفَت على الإطلاق من منحوتات الملوك المصريين.

ومع ذلك، اقترح بعض المتخصصين مؤخرًا احتمال تصوير زوجٍ من الحجر الجيريّ والحجر الجرانيتيّ من الدولة القديمة صورة خوفو -وهي نظريّة تنازع عليها مؤرّخون آخرون-.

كما أنّ هناك فرضيّةً أخرى ربّما تعطي خوفو الدعم الأكبر، إذ أنّه وفقًا لخبير الجيزة (راينر ستدلان – Rainer Stadelmann)، فإنّ وجه تمثال أبو الهول العظيم في الجيزة ليس خفرع -كما جادل بعض العلماء- لكنّه خوفو نفسه، في شكلٍ إلهيّ يحمي هرمه.


  • ترجمة : مصطفى العدوي
  • تدقيق: آية فحماوي
  • تحرير: حسام صفاء
  • المصدر