الغضبُ شعورٌ شائع ومدمر من الممكن أن يحول الحياة إلى جحيم حي . من الصعب أن نتخيل شخصًا حكيما للغاية مثل دالاي لاما يفقد أعصابه . بالتأمل الدقيق، نستطيع تعلم السيطرة على الغضب و الإهانة بل وحتى طرده بصورةٍ نهائيةٍ من حياتنا.

ناقش الفيلسوف أرسطو الغضبَ بدقةٍ كبيرة. يقول في كتاب Nicomachean Ethics إنَّ الشخص ذا المزاج الجيد قد يصبح غاضبًا، ولكن فقط عندما يتطلب الأمر ذلك. قد يصبح شخصٌ مثل هذا غاضبًا بصورة سريعة للغاية أو قد لا يصبح غاضبًا كفاية، ولكن مع هذا يُمدح لأنه يمتلك مزاجًا جيدًا. يستحق الشخص اللوم إذا ما انحرف بصورةٍ ملحوظةٍ عن المتوسط فيما يخص الغضب، يصبح وقتها شديد الغضب أو مفتقرًا للحيوية. «بالنسبة لكل شيء، من الصعب العثور على الوسط، فقد يصبح أي شخص غاضبًا وهذا أمرٌ سهل أو قد يعطي أو يصرف المال؛ ولكن القيام بهذا الأمر مع الشخص الصحيح للحد الصحيح في الوقت الصحيح مع الدافع الصحيح وبالطريقة الصحيحة، هو أمرٌ لا يملكه الجميع وليس سهلًا مطلقًا؛ ولهذا السبب أصبحت الطيبة صفةً نادرةً، نبيلةً وجديرةً بالثناء».

كل ما تحتاج معرفته عن أسباب الغضب الشديد

في كتاب Rhetoric، يعرِّف أرسطو الغضب على أنه دافعٌ يصاحبه الألم؛ لغرض انتقام واضح عن طريق إهانة الشخص لنفسه أو لأصدقائه. ويقول إنّ ألم الغضب قد تصاحبه متعةٌ مصدرها توقعات الانتقام. أنا لست متأكدًا للغاية حتى إذا ما احتوى الغضب على جزءٍ من المتعة، هذا نوعٌ ضئيل من المتعة يشابه المتعة التي أحصل عليها عندما أقول: «إذا قمتَ بتدمير يومي سأدمرُ يومَكَ» أو «انظر كم أنا كبيرٌ باعتقادي».يقول أرسطو قد يهين الشخص الآخرين لثلاثة أسباب: الاحتقار، الحقد، الوقاحة، وفي أي حالة من هذه الحالات، تكشف الإهانة مشاعر المهين المتمثلة بإنكار أي أهمية للشخص المهان، وقد يشعر أو لا يشعر الشخص المهان بالغضب ولكنه يكون ميّالًا إلى الغضبِ إذا ما كان في محنة.

على سبيل المثال؛ إذا كان في فقرٍ أو حب، أو إذا كان يشعر بعدم الأمان بخصوص موضوع الإهانة أو بنفسه بصورةٍ عامة. من الناحية الأخرى، من غير المرجّح أن يشعر بالغضب إذا كانت الإهانة لا إرادية، غير مقصودة، أو إذا كان الغضب نفسه حدث بسبب غضب، أو إذا اعتذر المُهين أو تواضع أمامه وتصرف على أنه أدنى مرتبةً منه. من غير المرجح أن يشعر الشخص المهان بالغضب إذا كان المهين قد قدّم إحسانًا أكثر من الذي قدّمه المهان، أو إذا كان يحترمه أو يهابه.
حالما يحدث الغضب، من الممكن أن ينتهي مع الشعور بأن الإهانة كانت مستحقّةً، أو مع مرور الوقت، أو مع معاناة المهين، أو عن طريق إعادة توجيهه إلى شخصٍ ثالث. لذا؛ على الرغم من أنّ الناس كانوا أكثر غضبًا نحو أرغوفيليوس مقارنة بكاليسثينس، لكنَّهم عَفَوا عن أرغوفيليوس لأنهم كانوا قد حكموا على بكاليسثينس بالإعدام بالفعل.

لماذا نشعر بالغضب عندما نجوع؟

على الرغم من أن أرسطو قد ظهر قبل أكثر من ألفي عام من ولادة التحليل النفسي، فإنه وضع أصابعه على دفاع الغرور الإزاحي، بتحوّل غضب الناس نحو كاليسثينس بدلًا من أرغوفيليوس. هنالك معنًى في فكرة الغضب الصحيح أو الملائم لأرسطو. قد يخدم الغضب عددًا من الوظائف الحيوية والمهمة، فقد ينهي الغضبُ الخطر الجسدي، العاطفي والاجتماعي، أو قد يفشل في هذا الأمر محركًا الموارد العقلية والجسدية إلى أفعال دفاعيةٍ أو تعويضية.
إذا ما مُورِس الغضب بتروٍّ، قد يؤدي إلى الوصول إلى درجةٍ اجتماعية مرموقة، المنافسة على المناصب، الحرص على الالتزام بالعقود والوعود، بل وحتى إثارة مشاعر إيجابية مثل الاحترام والتعاطف. قد يملك الشخص الذي يستطيع ممارسة الغضبِ بتروٍّ شعورًا جيدًا نحو نفسه مسيطرًا عليها أكثر، ويصبح أكثر تفاؤلًا، وأكثر عرضةً إلى المجازفة التي تؤدي إلى نتائج إيجابية.

من الناحية الأخرى، قد يؤدي الغضب -وعلى وجه الخصوص غير المقيد- إلى انطباعٍ وقراراتٍ سيئة، تصرفاتٍ متهورة، وخسارة المكانة والنية الحسنة.
يقول هوراس: «إن الغضب جنونٌ وقتيّ: سيطر على عقلك، إذ إنه إن لم يمتثل، سيأمر». لذلك، يجب أن يُميَّز نوع الغضب المسوغ، الاستراتيجي، والمتكيف عن النوع الثاني من الغضب (دعنا نطلق عليه الغضب العارم) غير الضروري، غير المعالج، المتهيج، وغير المسيطر عليه. إن وظيفة الغضب العارم هي حماية الغرور المُهدد، مستبدلًا أو مغطيًا نوعًا من الألم بآخر. لكن، حتى الغضب الصحيح أو المناسب ليس ذا فائدة، إذ إنه غضبٌ ضارٌ في النهاية؛ لأنه يتضمن خسارة البصيرة والمنظور.

ما العلاقة بين سرعة الغضب وحجم الدماغ؟

يقوّي الغضب -وعلى الأخص الغضب العارم- (تحيّز المراسلة – correspondence bias)؛ والذي يعني الميل إلى عزو تصرفاتٍ معيّنةٍ إلى عواملٍ نزوعيةٍ (مرتبطةٍ بالشخصية) بدلًا من العوامل الموقفية. على سبيل المثال، إذا نسيتُ تنظيف الصحون، سأملك انطباعًا أنّ ما حدث سببه أنني كنت مشغولًا وشعرت بالتعب على نحوٍ مفاجئٍ (عوامل موقفية)؛ ولكن إذا نسيَتْ إيما تنظيف الصحون، سأملك انطباعًا أن ما حدث سببه أنها كسولة أو غير مسؤولة أو حتى انتقامية (عوامل نزوعية). في الواقع، يقوي الغضب وهمَ أن الناس يمارسون درجةً عاليةً من الإرادة الحرة، في الوقت الذي يكون نشاط الفرد العقلي وتصرفاته محددة من قبل الأحداث السابقة والآثار التراكمية للأحداث السابقة على نمط تفكير وتصرف الفرد.

إيما هي إيما لأنها إيما، وعلى الأقل في المدى القريب، هناك أمور قليلة تستطيع القيام بها بخصوص هذا الأمر. يعني هذا أن الشخص الوحيد الذي يستحق غضبنا بحق هو الشخص الذي يتصرف بحرية، إذ إنه يكرهنا بحرية وبالتالي يمكن أن يستحقه. الغضب حلقة مفرغة تنتج من منظورٍ ضعيفٍ وتجعله أكثر ضعفًا.
لا يعني هذا أن الغضب غير مبررٍ أبدًا، إذ إن إظهار الغضب حتى إذا كان غير مستحقٍ، من الممكن أن يخدم غرضًا استراتيجيًّا نفعيًا، كما هو الحال عندما نتظاهر بالغضب أمام طفلٍ من أجل تشكيل شخصيته.

ولكن إذا كان كل ما نحتاجه هو عرضٌ محسوبٌ للغضب، فسيكونُ الغضبُ الحقيقي الذي يتضمن ألمًا حقيقيًا غير ضروريٍ أبدًا، وسيخدم وجودُه الخيانةَ قحسب، وهو نوع من قلة الفهم. العالم كما هو وسيبقى كذلك، الغضبُ العارم نحو أي شيء لن يؤدي إلى جعل الأمور أفضل. وبفهم هذا سنتمكن من إنهاء الغضبِ الحقيقي والمؤلم والمدمر في حياتنا. ولكن هذا -وبكل تأكيد- يعني أننا قادرون على تقبل العالم كما هو.

ترجمة: سنان حربة تدقيق: سلام طالب

المصدر