الإتريوم – Yttrium والذي تمّ اكتشاف في أواخر القرن الثامن عشر، لكن لم يلقَ هذا الفلزّ الفضيّ اللّين استخدامًا على نطاقٍ واسعٍ حتّى العقود الأخيرة الماضية، حين وُظِّف في الكيمياء، والفيزياء، وتقنيات الحاسوب، والطاقة، والطبّ ومجالاتٍ أخرى.

ينتمي الإتريوم للفلزّات الانتقاليّة في الجدول الدوريّ للعناصر، والتي تتضمن عناصر مشهورةً أخرى، كالفضة والحديد، وتتميز هذه الفلّزات بالمتانة والمرونة في الوقت ذاته، لذلك تشيع صناعة الأسلاك الكهربائيّة من بعضها، كالنحاس والنيكل. وتُستخدم الأسلاك والقضبان المصنوعة من الإتريوم في الإلكترونيّات والطاقة الشمسيّة، كما يدخل هذا العنصر في صناعة أجهزة الليزر، والسيراميك، وعدسات الكاميرا، وغيرها الكثير.

يُعتبر هذا الفلزّ أحد عناصر الأرض السبعة عشر النادرة، لكن بعكس ما تُشير إليه هذه التسمية، تتوفر هذه العناصر بكثرةً حول العالم، وتشمل إضافة للإتريوم، السكانديوم، واللانثانيدات الخمسة عشر -وهي فلزّات تتراوح أرقامها الذريّة بين 57 و71-، وأصبحت جزءاً لا غِنى عنه في صناعة الهواتف الذكيّة والتقنيات الأخرى.

اقرأ أيضًا عن عنصر السكانديوم:

معلومات وحقائق حول عنصر السكانديوم

نادرًا ما يُستخدَم الإتريوم بمفرده، وإنّما يشكّل الباحثون مركبات تتضمنه، كأُكسيد الإتريوم والباريوم والنحاس، ويسمى اختصارًا (YBCO)، ولقد ساهم بانطلاق مرحلةٍ جديدةٍ من الأبحاث حول الموصليّة الكهربائيّة الفائقة عند درجات حرارةٍ عالية، كما يُضاف الإتريوم لسبائك الفلزّات ليساهم في تحسين مقاومتها للتآكل والأكسدة.

نوّه (جوزيف غامبوجي – Joseph Gambogi) -وهو اختصاصيّ بالسلع المعدنيّة في المركز الوطنيّ لمعلومات الفلزّات، التابع لوكالة المسح الجيولوجيّ في الولايات المتّحدة الأمريكيّة- : «كالعديد من العناصر، لا يتمّ تداول الإتريوم سواءً كعنصر أو كمركب في الاستخدام العام، وإنّما يُضاف ومركباته لموادٍ أخرى بهدف تحسين خواصها».

أيّد ذلك (ماس سبرامانيان – Mas Subramanian) -وهو أستاذٌ في علوم المواد في جامعة ولاية أوريغون- فقال: «في جميع هذه الحالات، يُساهم الإتريوم في تعزيز ثباتيّة البنى»، كما قام سبرامانيان وزملاؤه في الجامعة المذكورة بدمج الإتريوم مع الإنديوم والمنغنيز لتشكيل صباغ أزرق زاهٍ أطلقوا عليه اسم (أزرق اليِنمن – YinMn Blue)، وعقّب الأستاذ على ذلك: «إنّ المنغنيز هو من منحه لونه، بينما ساعد الإتريوم في تماسك البنية بأكملها».

خواص الإتريوم

  • العدد الذريّ (أيّ عدد البروتونات في النواة): 38
  • الرمز الذريّ (على الجدول الدوريّ للعناصر): Y
  • الوزن الذريّ الوسطيّ: 88.906 غرام / مول
  • الكثافة: 4.47 غرام / سم3
  • الطَور عند درجة حرارة الغرفة: صلب
  • درجة الانصهار: 2,772فهرنهايت (1,522 °م)
  • درجة الغليان: 6,053 فهرنهايت (3,345 °م)

تاريخ اكتشاف وعزل الإتريوم

في عام 1787، اكتشف المُلازم السويديّ (كارل أكسل أرينيوس – Carl Axel Arrhenius) -والذي عمل كيميائيًّا بدوامٍ جزئيّ – صخرةً غريبةً سوداء أثناء استطلاعه لمقلع في (إتربي – Ytterby) -وهي بلدة صغيرة قريبة من العاصمة السويديّة ستوكهولم- فأرسل عينةً منها للكيميائيّ وأخصائيّ المعادن الفنلنديّ (يوهان غادولين – Johan Gadolin) ظنًّا منه أنّه اكتشف فلزًا جديدًا يحتوي على التنغستن، وقام غادولين باستخلاص الإتريوم منه، فسُمّي بعد ذلك “غادولينيت” تكريمًا له، بينما يعود الاسم “إتريوم” لبلدة إتربي.

في عام 1843، درس الكيميائيّ السويديّ كارل (غوستاف موساندر -Carl Gustaf Mosander) عيّنات الإتريوم، واكتشف احتواءَها على ثلاثة أكاسيد، سُميَت حينذاك بـِ (إتريا – yttria)، و(إربيا – erbia)، و(تربيا -terbia)، ولكنّها تُعرف اليوم بأكسيد الإتريوم الأبيض، وأكسيد التربيوم الأصفر، وأكسيد الإربيوم الورديّ، وتمّ تحديد أكسيدٍ رابعٍ -وهو أكسيد الإتربيوم- في عام 1878.

مصادر الإتريوم

على الرغم من اكتشاف الإتريوم في إسكندنافيا، فإنّه يتوفّر أكثر في بلدانٍ أخرى، إذ تُعتبر الصين، وروسيا، والهند، وماليزيا، وأستراليا الدول الرئيسيّة المنتجة لهذا الفلز. وفي نيسان/أبريل عام 2018، اكتشف العلماء ما يظنونه تراكمًا طبيعيًا هائلًا لفلزّات الأرض النادرة -بما فيها الإتريوم- على جزيرةٍ يابانيّةٍ صغيرةٍ تُسمى ميناميتوري.

يمكن العثور على الإتريوم في معظم فلزّات الأرض النادرة، لكنّ لم يوجد له أثر في قشرة الأرض كعنصرٍ قائمٍ بذاته. كما احتوت الصخور القمريّة المجموعة أثناء مهام مركبة أبولو على القمر على الإتريوم. بالإضافة إلى تواجده في جسم الإنسان بكمياتٍ زهيدة، متركّزًا عادةً في الكبد، والكلى والعظام.

استخدامات الإتريوم

تضمنت أجهزة التلفاز في العصر السابق للشاشات المسطحة أنابيب زجاجيّةً كبيرةً للأشعة المهبطيّة (الكاثود)، حيث عُرِضَت الصور على الشاشة وزوّد الإتريوم الممزوج مع عنصر الأوروبيوم اللون الأحمر في الملايين من تلك الأجهزة الملوّنة.

يُضاف أكسيد الإتريوم (إتريا) إلى أكسيد الزركونيوم (زركونيا) لتشكيل سبيكةٍ تحافظ على البنية البلوريّة للزركونيا -والتي تتغيّر عادةً حسب درجة الحرارة-. أشار غامبوجي المذكور آنفًا: «بشكلٍ رئيسيّ، يقوم الإتريوم بحجز البنية المكعبيّة للزركونيا، مُشكلًا نوعًا من الخزف بمتانةٍ عاليةٍ فريدة، كما يُناسب الاستعمال عند درجات حرارة مرتفعة، ويُستخدم في العديد من التطبيقات، من الإلكترونيّات، والأغلفة الحراريّة الحاجزيّة، والمحركات النفاثة، وصولًا للغِرسات الطبية».

كما شاع في سبعينيات القرن العشرين بيع الجارنيت الصنعيّ المكوّن من مركب الإتريوم مع الألمنيوم (YAG) كتقليدٍ للألماس والأحجار الكريمة الأخرى، ولكنّه فسح المجال في النهاية للزركونيا المكعبّة -وفق غامبوجي-. بينما يُستخدم حاليًا بمثابة بلّوراتٍ تُعزز الضوء في أجهزة الليزر الصناعيّة. بالإضافة إلى ذلك، يوظَّف جارنيت الإتريوم مع الحديد في مراشح أجهزة الميكرويف، وفي الرادارات وتقنيات الاتصالات.

وأضاف غامبوجي: «على الرغم من تواجد الإتريوم في العديد من التطبيقات، فإنّ استخداماته الأساسيّة تكمن في الخزفيات والفوسفورات، بينما تُوظَّف كميّات أقلّ منه في علم المعادن، وصقل الزجاج، والإضافات والمواد الحفّازة. كما يتواجد في العديد من التطبيقات الإلكترونيّة، وتُعد حساسات الأكسيجين أهمّها».

يُستخدم الإتريوم بشكلٍ واسعٍ في صناعة الفوسفورات التي تدخل في الهواتف النقالة وشاشات العرض الكبيرة، بالإضافة إلى الإنارة العامّة، ولقد شاع استخدامه في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين في الفوسفورات الحمراء داخل أنابيب التلفاز الملوّن. كما تَستَخدِم الأنابيب المتألقة -الخطيّة والمضغوطة – كميّات أكبر بكثير من الإتريوم من المُستخدَم في مصابيح (اللّيد – LED) -الصمام الثنائيّ الباعث للضوء- في الواط الواحد، عِلمًا أنّ النظير إتريوم -90 النشط إشعاعيًا يُستخدم في المعالجة الشعاعيّة لسرطان الكبد وأنواع أخرى من الأورام.

الأبحاث الحاليّة

أشار سبرامانيان إلى أنّ التعامل مع الإتريوم أسهل منه مع العديد من العناصر الأخرى، كما أنّه أقلّ تكلفةً، على سبيل المثال، يتوجّه الباحثون لاستخدام الإتريوم -بدلًا من البلاتين الأغلى ثمنًا- لتطوير خلايا الوقود. كما أنّ العلماء في جامعة شالمر للتكنولوجيا والجامعة الدنماركيّة التقنيّة يستخدمون الإتريوم وفلزّات الأرض النادرة الأخرى بهيئتها الجسيميّة متناهية الصغر، الأمر الذي قد يُلغي الحاجة لأنواع الوقود الأحفوريّ يومًا ما ويطوّر فعاليّة السيارات التي تعمل على البطاريات.

وتستمر أبحاث الموصليّة الفائقة التي تعتمد على الإتريوم حول العالم، حيث حقّقت تقدّمات مذهلةً في مجال القطارات المغناطيسيّة المعلّقة وتقنية التصوير بالرنين المغناطيسيّ في الرعاية الصحيّة. وفي عام 1987، اتّجه باحثون في جامعة هوستون إلى الإتريوم عند بحثهم عن فلزٍ بإمكانه إتاحة الموصليّة الكهربائيّة الفائقة عند درجات حرارةٍ مرتفعةً.

رغم أنّ الموصليّة الفائقة في درجات الحرارة العالية كانت قد تحدّدت عند درجة ( 420-) فهرنهايت -أو 251-°م- وجد الفيزيائيّ (بول تشو – Paul Chu) وزملاؤه في جامعة هوستون أنّه بإمكان مركبٍ من أكسيد الإتريوم والباريوم والنحاس -يُعرف باسم إتريوم-123 تسهيل الموصليّة الكهربائيّة الفائقة عند درجة حرارة تُقارب 300- فهرنهايت -184.4-°م-، وأنتجوا مادّةً يمكن تبريدها بالنتروجين السائل، ما قد يخفّض تكلفة تطبيقات الموصليّة الفائقة في المستقبل بشكلٍ كبير.

يتعاون سبرامانيان حاليًا مع شركات الطلاء والمواد البلاستيكيّة لتطوير المزيد من الاستخدامات لأزرق الينمن، وتعود معظم إمكانياته لخواص الإتريوم الفريدة. صرّح سبرامانيان: « يُعتَبَر عنصرًا خفيف الوزن، وبالتالي بإمكاننا زيادة الحجم دون الحاجة لإضافة وزنٍ زائد، الأمر المفيد في صناعة الطلاء. إنّ الإتريوم عنصر رائع فعلًا».


  • ترجمة: سارة وقاف.
  • تدقيق: آية فحماوي.
  • المصدر