رغم أن البراز لا يعد من المواضيع المحبّبة، علينا احترام وجوده في كل مكان، وسنلقي الضوء هنا على بعض الحقائق الرائعة عن البراز. يوحّد البراز المملكة الحيوانية بأكملها! فهو كما نعلم شيء نملكه جميعًا. نتغوط تقريبًا بمعدل 1.2 كل 24 ساعة، ومع ذلك لا يوجد ما يسمى بـ (المعدل الطبيعي)، إذ يمكن أن يتغوط الأشخاص الطبيعيون في كثير من الأحيان بأكثر أو أقل بكثير من هذا المعدل، وبشكل تقريبي فنحن ننتج حوالي 128 غرامًا من البراز يوميًا.

البراز موجود في كل مكان على الأرض، ويعد عنصرًا أساسيًا في عجلة الحياة؛ إذ يشكل سمادًا لبعض الأحياء أو طعامًا لبعضها الآخر. كما تجاوزت فضلات البشر حدود الغلاف الجوي للأرض متجهة نحو الفضاء، إذ أودع رائد الفضاء (نيل أرمسترونغ – Neil Armstrong) أربعة أكياس من البراز على سطح القمر!

أولًا وقبل كل شيء، تعود أهمية البراز إلى كونه يحمل الفضلات بعيدًا عن أجسامنا، لكن ذلك ليس السبب الوحيد، وهنا في هذا المقال سنناقش أسبابًا أخرى عن أهمية إلقاء المزيد من الاهتمام ببرازنا.

1- ما هو البراز؟

قبل أن نبدأ، يجب علينا تجديد فهمنا عن بنية البراز بالضبط، البراز هو بقايا الطعام التي خمّرتها الجراثيم في المعي، والتي لم تتمكن الأمعاء الصغيرة من هضمها أو امتصاصها، والبراز بمعظمه ماء؛ وكما نعلم جميعًا فإن كمية هذا الماء تختلف بالاعتماد على عوامل عديدة مثل الطعام الحار، ومع ذلك فإن معدل الماء في البراز تقريبًا هو 75%.

المكون الثاني الأكثر أهمية بعد الماء هي (الكتلة البيولوجية الجرثومية – Bacterial Biomass) الحي منها والميت، وتلك الكتلة تشكل حوالي 25-54% من الوزن الجاف للبراز، أما الباقي فهو في الغالب مكونات غير مهضومة من السكريات والألياف والبروتينات والشحوم والخلايا الظهارية الميتة من جدران المجرى الهضمي.

وبالطبع، إن ابتلعت عن طريق الخطأ في أحد المرات شيئًا غير قابل للهضم، فإن ذلك سيظهر في برازك عاجلًا أم آجلًا. يحتوي البراز أيضًا على كميات صغيرة من منتجات الفضلات الأيضية (الاستقلابية)، فعلى سبيل المثال المنتج المنحل من الكريات الحمر و(الصفراء – Bile) الذي يدعى بالـ (ستيركوبيلين – Stercobilin) هو المسؤول عن اللون البني الذي نعرفه جميعًا للبراز، ومع ذلك يمكن للبراز أن يتلون بعدة ألوان تبدأ من الأحمر وحتى الأخضر أو أبعد من ذلك.

2- هل هنالك طريقة أفضل للتغوط؟

إن كنت تقرأ هذا المقال من العالم الغربي فأنت في الغالب تتغوط جالسًا، أما إن كنت في مكان ما في أفريقيا أو آسيا، فإن الاحتمال الأكبر هو أنك تتغوط في وضعية القرفصاء -وهذا بالطبع أمر يعتمد على ثقافة المجتمع- وبحسب دراسة نُشرت عام 2013 فقد يكون للأمر أهمية طبية.

طلب العلماء من 28 شخصًا من المشاركين الأصحاء استخدام مؤقت رقمي لتسجيل الوقت الصافي اللازم للشعور بالإفراغ المريح، وذلك أثناء قضاء الحاجة في ثلاث وضعيات مختلفة.

الوضعيات الثلاث: الجلوس على مرحاض عادي، الجلوس على مرحاض بوعاء منخفض جدًا والقرفصاء.

وبالإضافة إلى تسجيل الوقت، طلب العلماء من المشاركين ملاحظة انطباعهم الشخصي عن حدة الجهد المبذول أثناء التغوط، فكمية الجهد التي يبذلها الشخص أثناء التغوط أمر مهم.

إن الشخص الذي يقوم بالشد كثيرًا، يمكن أن يصاب بضرر في الأنسجة الرخوة نتيجة لتزايد الضغط، والذي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى الإصابة بالبواسير أو (التدلي – Prolapse) وهي حالة يبرز فيها المستقيم خارج فتحة الشرج، أو حتى الإصابة بالدوالي الوريدية المهبلية، كما يمكن أن يزيد أيضًا من المشاكل القلبية الوعائية.

 مراحيض القرفصاء منتشرة في كثير من دول العالم

مراحيض القرفصاء منتشرة في كثير من دول العالم

ووفقًا للباحثين المسؤولين عن الدراسة، فإن المشاركين الـ 28 سجلوا جميعًا انخفاضًا حادًا في الوقت اللازم للشعور بالإفراغ المُريح للأمعاء في وضعية القرفصاء بالمقارنة مع بقية الوضعيات. أما بالنسبة لمقياس الانطباع الشخصي، فقد لاحظ جميع المشاركين أن العملية بدت أسهل في حالة القرفصاء.

وبحسب ما سجله الباحثون، فإن هذا قد يفسر شبه انعدام البواسير والإمساك والفتق الحجابي وداء الرتوج القولوني في الدول الأقل تقدمًا! وبما أن التغوط حدث منتظم في حياتنا، فحتى الفارق الصغير الذي تصنعه القرفصاء أثناء التغوط يجب علينا أخذه بعين الاعتبار.

3- زراعة البراز

على مر السنين زاد الاهتمام بجراثيم الأمعاء، وهي بالطبع مكروبات ضرورية جدًا من أجل الهضم، إلا أنها تلعب أيضًا دورًا مهمًا في الجهاز المناعي وأبعد من ذلك بكثير في جسم الإنسان، فإن ما يسمى بالـ (ميكروبيوم – Microbiome) -وهو مجموعة من المكروبات المتعايشة في جسم الكائن الحي- أصبح من الأهمية الصحية ويطلِق عليه العلماء اسم (العضو البشري المكروبي – Microbial Human Organ)، فعندما نخسر هذه المتطفلات المكروبية سنجد معاناة في صحتنا!

ولذلك فالأشخاص الذين يأخذون جرعات طويلة من المضادات الحيوية يمكن أن يصابوا بـ (التهاب القولون الغشائي الكاذب – Clostridium Difficile Colitis) وهي حالة معدية معوية خطيرة. وبالنسبة لبعض الأفراد، فحتى بعد أخذ جرعات إضافية من المضادات الحيوية التي تعالج التهاب القولون الغشائي الكاذب بشكل فعال، يمكن للمرض أن يعود بعد عدة أسابيع.

يقترح الأطباء عملية نقل براز للأشخاص الذين يعانون من تكرار الإصابة وقد تجاوزوا الـ 65 عامًا من العمر، أو لأولئك الذين يعانون من حالات مزمنة، فيجري الطبيب عملية نقل للبراز من مانح معافى ويزرعه في قولون المريض. تجرى عملية النقل أثناء قيام الطبيب بتنظير القولون، وذلك بتمرير أنبوب طويل خلال القولون، وعندما يُسحب الأنبوب إلى الخلف، فإن عينة البراز المنقول ستبقى، وما إن يحصل ذلك فإن الجراثيم المفيدة في البراز المنقول ستبدأ في استعمار منزلها الجديد.

حاليًا نستخدم زراعة البراز فقط في معالجة الإسهال المرتبط بجرثومة (المطثية العسيرة – Clostridium Difficile)، ومع ذلك فإن الباحثين ما زالوا يدرسون طرق استخدامها على نطاق أوسع يتضمن: التهاب القولون والإمساك و (متلازمة القولون المتهيج – irritable bowel syndrome) و (التصلب المتعدد – multiple sclerosis) و (داء باركنسون – Parkinson’s disease).

أوضحت دراسة قام بها العلماء في يناير من عام 2019 علاجًا ناجحًا لـ (التهاب القولون التقرحي – ulcerative colitis) -نوع يصعب علاجه عادة من الأمراض المعوية- ويعتقد العلماء بأن طريقتهم كانت ناجحة لأنهم عالجوا البراز لاهوائيًا، أي بدون أكسجين. ويبدو أنه سيكون هنالك مستقبل مشرق لعمليات زرع البراز في المستقبل.

4- البراز ومقاومة المضادات الحيوية

على الرغم من أن نقل البراز يساعد بعض الناس في التغلب على الحالات التي يسببها الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية، لكن يمكن للبراز أيضًا أن يلعب دورًا مهمًا في القلق المتزايد بشأن موضوع مقاومة المضادات الحيوية. ينتج مليارات الناس كميات هائلة من البراز يوميًا، وإن المعالجة الآمنة لهذا المستوى من التدفق ما زالت في تحدٍ مستمر.

ويقول المسؤولون عن الدراسة السابقة لعام 2019: «أصبح من الواضح مؤخرًا أن فائض المعالجة من محطات معالجة مياه الصرف الصحي هو واحد من أهم مصادر مقاومة البكتيريا وجينات المقاومة التي تنطلق إلى الطبيعة». إذ وجدت دراستهم أننا نستطيع ربط فيروس خاص بالبكتيريا التي نراها في البراز إلى مقاومة المضادات الحيوية. وأضافوا: «نجد أن وجود الجينات المقاومة يمكن تفسيره إلى حد كبير عن طريق التلوث البرازي».

5- لماذا يُثير البراز اشمئزازنا؟

يثير البراز اشمئزاز الجميع وهذا بالتأكيد يعود لسبب وجيه، ومن المهم جدًا أن نبقى بعيدين عن برازنا على مسافة ذراع على الأقل، فهو يحمل البكتيريا والفطريات والعدوى الطفيلية. على مر الزمن التطوري، ازداد ميل الدماغ البشري إلى كره رائحة البراز، فنحن نتجنبها إلى أبعد الحدود، وتطور الاشمئزاز في الحقيقة موضوع مثير للاهتمام.

تستجيب مختلف الشعوب من جميع أنحاء الكوكب بشكل متشابه لمنبهات القرف مثل البراز، فنحن نبدي جميعًا النفور نفسه وتعبير القرف المعروف أيضًا، والقشعريرة نفسها.

يظهر معظم البشر الاشمئزاز بمختلف الثقافات والمجتمعات

يظهر معظم البشر الاشمئزاز بمختلف الثقافات والمجتمعات

بالمختصر وحّد التطور رد فعلنا السلبي تجاه البراز؛ وذلك لحمياتنا من الأمراض، يشكل القرف جزءًا مما يسمى بـ (الجهاز المناعي السلوكي – Behavioral Immune System)، وتمامًا مثل الجهاز المناعي البدني، يحمينا رد الفعل المشمئز تجاه البراز من مختلف مسببات الأمراض. بشكل عام، تملك جراثيم البراز مرونةً أكبر من الجراثيم التي يمكن أن نجدها في أي مكان آخر، ما يعني أنها تملك القدرة على تحمل ظروف البيئة القاسية خارج الجسم، ما يمنحها القدرة على تمرير العدوى بين البشر.

6- لم تعد رائحة البراز كريهة جدًّا؟

كما تحدثنا في الأعلى، أحد أهم الأسباب التي تجعلنا نشمئز من رائحة البراز هو حمايتنا، ومع ذلك للبراز بكل تأكيد نتانة لاذعة بحد ذاته. تختلف رائحة البراز من شخص لآخر، وذلك بالاعتماد على نظام الحمية الغذائية وما يحدث داخل الجسد، ومع ذلك ستجد بعض المواد الكيميائية المشتركة التي تعطي البراز رائحته المميزة:

  • كبريتيد الميتيل: يعطي رائحة مميزة أيضًا للعديد من الخضار التي نستخدمها في الطهي كالملفوف.
  • الإندول: تُنتجه أنواع محددة من البكتيريا، يوجد أيضًا في (قطران الفحم – Coal Tar)، وحتى بعض روائح الأزهار!
  • السكاتول: وهو منتج متحلل من الحمض الأميني التريبتوفان -وكما هو الحال مع الإندول- يوجد السكاتول في روائح الأزهار.
  • سلفيد الهيدروجين: وهو مركب بلا لون وأكال وسام وقابل للاشتعال وله رائحة البيض المتعفن.

يمكن لبعض الحالات الصحية أن تزيد من رائحة البراز، مثل: (الداء البطني – Celiac Disease) و (داء كرون – Crohn’s Disease) و التهاب القولون التقرحي و (التليّف الكييسي – Cystic Fibrosis).

7- البراز والحيتان والضوضاء والإجهاد!

سنتركك الآن مع حكاية أخيرة تتعلق بالبراز، رغم أنها لا تتعلق مباشرة بالصحة البشرية، تعد مثالًا رائعًا عن كيفية إخبارنا بالقصة بواسطة البراز، وإن كانت قصة حزينة. في عام 2001، كانت مجموعة من الباحثين تدرس الحيتان في خليج (Fundy)، وبشكل خاص كانوا يقيّمون مستوى إجهاد الحيوانات عن طريق قياس (مستقلبات الهرمون البرازية المتعلقة بالإجهاد).

وقد صادف الأمر أنهم كانوا يجمعون المعلومات، في الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001، وهو التاريخ سيىء السمعة الذي نعرفه جميعًا الآن! لاحظ العلماء انخفاضًا واضحًا في مستويات الإجهاد خلال هذا الوقت، لكن لماذا؟ تبين فيما بعد أنه يعود إلى انخفاض حاد في حركة المرور في المحيط، وبالتالي الحد الكبير من الضجة تحت الماء.

واستنتج المسؤولون: «الدليل الأول على أن التعرض لضجيج السفن منخفض التواتر يمكن أن يكون له علاقة بالإجهاد المزمن لدى الحيتان». كما ذكرت مسبقًا، هذه القصة ليس لها علاقة بالصحة البشرية، لكنها تذكرنا بأنه حتى أكثر الوظائف الجسدية التي قد تبدو كريهة يمكنها أن تكشف عن العديد من التفاصيل غير المتوقعة عن العالم حولنا، وحتى داخلنا.

اقرأ أيضًا:

ترجمة: وائل المشنتف
تدقيق: رند عصام

المصدر