هل يمكننا العيش على المريخ ؟ يبدو أن الجميع مهتم بالمريخ هذه الأيام. إذ ترغب ناسا في إرسال بشر إلى الكوكب الأحمر بحلول عام 2030، أما سبيس إكس فتريد الوصول إلى هناك في وقت أقرب، مع وجود خطط لإرسال البشر إلى هناك بحلول عام 2024. إن المريخ موضوع مفضل في هوليوود، إذ تحاول أفلام مثل “The Martian” و “Life” استكشاف ما قد نجده على الكوكب الأحمر عندما نصل أخيرًا إلى جارنا الفضائي. لكن معظم هذه الأفلام لا تعالج السؤال الأهم وهو أنه كيف يمكننا البقاء على المدى الطويل بعد وصولنا إلى هناك؟

إن غلاف كوكب المريخ يتشكل في الغالب من ثنائي أكسيد الكربون، سطح الكوكب شديد البرودة لدرجة أنه لا يمكنه دعم حياة البشر، كما أن جاذبية الكوكب لا تمثل سوى 38٪ من جاذبية كوكب الأرض. بالإضافة إلى ذلك، يعادل الضغط الجوي على سطح المريخ 1٪ تقريبًا من الضغط الجوي على الأرض عند مستوى سطح البحر. وهذا يجعل النزول على السطح صعبًا، إذ ليست هناك مقاومة تبطئ من حركة المركبة النازلة.

إذن، كيف ستصل ناسا إلى هناك؟ وكيف يمكننا البقاء على قيد الحياة في مثل هذه الظروف؟

أفكار عن طريقة الهبوط

إن الرحلة للمريخ هي الخطوة الأولى فقط، فعندما تكون الأرض والمريخ في أقرب موضع لبعضهما البعض، تستغرق الرحلة 260 يومًا فقط. وعندما نصل إلى هناك، يصبح التحدي هو الهبوط على سطح الكوكب. فما نوع نظام الهبوط الذي سيضمن هبوط رواد الفضاء بأمان على السطح؟

العيش على المريخ ، حقيقة أم خيال الكوكب الأحمر البشر الحياة على النريخ سطح الكوكب الغلاف الجوي الماء البقاء على قيد الحياة

العيش على المريخ ، حقيقة أم خيال ؟

في عام 2007، نظر العلماء في عدة حلول ممكنة لإيصال رواد الفضاء إلى السطح. كانت إحدى الأفكار هي نظام هبوط له أرجل مستوحى من المركبات القمرية. يمكن أن يوفر هذا النظام خيار الهبوط والإقلاع من الكوكب الأحمر.

فكرة أخرى، كانت باستخدام نظام يُدعىSky-Crane Landing، والذي يستخدم منظومة دفع ثفاث لتثبيت النظام في الهواء، من ثم إنزال المركبة والرواد بشكل مشابه للإنزال العسكري من مروحية.

يمكن لهذا النظام إنزال الحمولة والانطلاق مرة أخرى. أما التصميم الثالث الذي نوقش هو نظام يُدعى نظام هبوط كيس الهواء؛ يعتمد على حقيبة هوائية تهبط المعدات عليها. ولكن هذا الخيار ليس الأفضل لإنزال الأشخاص.

بعد العديد من السنوات، أصبحت لدى العلماء أفكار إضافية عن كيفية إرسال بعثات مأهولة إلى المريخ. وعندما سئل ريتشارد ماكجواير ديفي الابن، المدير المساعد للعلوم والاستكشاف وأحد قادة دراسة مواقع الإنزال البشرية في المريخ التي قامت بها وكالة ناسا، عن الطرق المذكورة أعلاه قال: «إن مركبة الهبوط ثقيلة للغاية لدرجة أن العديد من التقنيات لن تعمل، مثل الوسائد الهوائية، وأنظمة (Sky-Crane) والمظلات. في الواقع، لإبطاء هذه المركبات سنعتمد بشكل كبير على الدافعات النفاثة».

مساكن بنيت لتبقى

تدرس وكالة ناسا نوع المسكن الذي سنحتاجه من أجل العيش على المريخ. كما بدأت ست شركات بتصميم النماذج الأولية المحتملة للمساكن في عام 2016. ومن المرجح أن تتشارك كل هذه المساكن ببعض الصفات، إذ يجب أن تكون مدعمة ذاتيًا ومغلقة ضد الغلاف الجوي الرقيق، وقادرة على دعم الحياة لفترات طويلة دون دعم من الأرض.

للحصول على فكرة عما يمكن توقعه، لنأخذ محطة الفضاء الدولية كمثال، إذ قال ديفيس: «لقد علمتنا محطة الفضاء الدولية حقًا كمية هائلة من المعلومات عما نحتاجه للسكن في الفضاء. سنحتاج إلى أشياء مثل أنظمة التحكم في البيئة وأنظمة دعم الحياة (ECLSS)، وأنظمة الطاقة، وقواعد إرساء، وأقفال هوائية حتى يتمكن الطاقم من المشي في الفضاء لإصلاح الأشياء التي تكسر أو لإضافة ميزات جديدة».

طرح ديفيس أيضًا سؤالًا مثيرًا للاهتمام: ما مقدار المساحة المطلوبة لكل فرد من أعضاء الطاقم؟

هل يمكنك أن تتخيل قضاء أشهر في مكان واحد، محاطًا بنفس الجدران يومًا بعد يوم؟ إلى أي مدى سيكون عليهم الحفاظ على رهاب الاحتجاز؟ «في أيام مهمات المكوك الفضائي، دامت البعثات 7-15 يومًا ولم يكن هناك الكثير من المساحة لكل فرد من أعضاء الطاقم. أما في محطة فضائية، حيث يمكث أفراد الطاقم لمدة أطول (عادةً 6 أشهر)، وجدنا أن أفراد الطاقم يحتاجون إلى مساحة أكبر».

استنادًا إلى هذا، من الممكن أن تتطلب القواعد الصالحة للحياة على سطح المريخ مساحة أكبر لكل فرد. يقوم الخيال العلمي أيضًا بعمل رائع يساعد الجمهور على تخيل ما ستبدو عليه هذه المهمة المستقبلية. يصور الفيلم “The Martian” هذا النوع من المساكن الذي تدرسه ناسا.

النمو

إن إبقاء المواد الغذائية والأدوية مخزنة على المريخ هي أفضل طريقة لجعل المسكن دائمًا، ولكن مع وجود غلاف جوي رقيق وانخفاض أشعة الشمس، قد يكون من الصعب جعل أي شيء ينمو. لذا؛ ابتُكرت أوراق اصطناعية مصممة للعمل في ظروف قاسية، والتي يمكنها أن تقدم حلًا أوليًا.

يمكن لهذه الأوراق المصنوعة من السيليكون أن تأخذ القليل من أشعة الشمس وتحولها إلى طاقة كافية لتغذية التفاعلات الكيميائية اللازمة لصنع الدواء والمركبات الأخرى.

قال الباحث الرائد تيم نويل، الأستاذ المساعد في جامعة ايندهوفن للتكنولوجيا: «يحصد الجهاز الطاقة الشمسية ويعيد بثها بطول موجي مفيد للتفاعل المطلوب».

استصلاح المريخ

عندما تفكر في رواد الفضاء على سطح المريخ ، ما الذي يتبادر إلى ذهنك؟ هل تصورت كوكبًا أحمر يتحول إلى اللون الأخضر مع الوقت؟ للأسف، تلك الأيام في المستقبل البعيد جدًا، هذا إن حدثت أصلًا. وأثناء المقابلة، أوضح ديفيس أن كلمة تأريض المريخ توحي بأن البشر سيحولون كوكبًا -مثل المريخ- إلى كوكب يشبه الأرض. ولكن في الحقيقة، فهي تعني تغيير البشر لبيئتهم لجعلها أكثر دعمًا لحاجاتهم. ماذا يعني هذا؟

سوف تشمل الرحلات القليلة الأولى إلى المريخ فقط الأساسيات. أحد أهداف ناسا الأولى هو تعلم كيفية العيش على المريخ. وبما أنه يختلف اختلافًا كبيرًا عن الأرض، فإن أساسيات البقاء ستكون مهارات مهمة بالنسبة لرواد الفضاء. «من المحتمل أن تشمل القاعدة الأولية مسكنًا ومختبرًا للعلوم. وستكون هذه الوحدات شبيهة بالمحطة الفضائية، ولكن ستكون هناك اختلافات». ومن الأمثلة على هذه الاختلافات التي ذكرها ديفيس هي منع الغبار السام من الدخول إلى المسكن والمختبر. الحياة الميكروبية هي تهديد آخر لرواد الفضاء.

بعد تأسيس قاعدة ناسا بشكل جيد وتعلّم رواد الفضاء أساسيات البقاء، ستصبح الأمور أكثر إثارة للاهتمام. يقول ديفيس: «نظرًا إلى أن تكلفة إرسال الأشياء من الأرض إلى المريخ مرتفعة جدًا، سنرغب في الزراعة على سطح المريخ». مثل هكذا مزارع ستكون عمليًا بيوتًا بلاستيكية لحماية النباتات من البيئة المريخية الصعبة. إذ إن تربة المريخ ليست مثل التربة على الأرض. فهي تفتقر إلى المواد العضوية (المواد البيولوجية المتحللة التي تحتاجها النباتات). ولكن -ومن حسن الحظ- فهي تحتوي على المعادن التي تحتاجها. وقال ديفيس إن فريقه يسمي هذه التربة بالريغولث (الثرى) وهي تحتاج إلى التطهير من بعض المواد السامة. ويمكن لعلماء ناسا إنجاز المهمة.

إن تنقية التربة السامة ليست الشيء الوحيد الذي سيحتاج إليه رواد الفضاء لزراعة النباتات. إذ سيحتاجون أيضًا إلى استخدام المياه من قطبي المريخ الجليديين. وقال ديفيس: «يتوقع الكثيرون أن تكون أول قاعدة بشرية متاخمة لمستودعات الجليد هذه البالغة من العمر مليار عام، حتى يتمكن البشر بسهولة من إنتاج كميات المياه التي يحتاجون إليها للقيام بالأنشطة المستهلكة للماء مثل الزراعة». لكن لا توجد معلومات حتى الآن عن أي القطبين سيكون أكثر فائدة، إذا كان هناك فرق في الأساس.

بالإضافة إلى ذلك، لن تكون هذه المزارع مطابقة تمامًا للبيوت البلاستيكية على الأرض. فبينما تحتاج النباتات إلى ضغط أعلى من الضغط الجوي المريخي للنمو، فإن هذا الضغط لا يجب بالضرورة أن يساوي الضغط على سطح الأرض.

في الواقع، يمكننا رفع ضغط البيوت البلاستيكية بغاز ثنائي أكسيد الكربون، وهو المكون الرئيسي لجو المريخ. وهذا يبدو وكأنه مكسب لكل من العلماء والنباتات. فبدلًا من أن يضطر رواد الفضاء إلى ارتداء بدلات فضائية مرهقة، يمكنهم فقط ارتداء أقنعة واقية من الأكسجين خفيفة الوزن في البيوت الزجاجية. والفكرة الأساسية هي أن الكوكب ليس بحاجة إلى التحول إلى أرض ثانية، ربما في يوم من الأيام سيتم هذا التحول، ولكن في الوقت الحالي، يجب أن يتمكن علماء ناسا من العيش والعمل فيه.

الوقت سيخبرنا

استولى المريخ على خيال البشر لعقود. وهذه الخطط ليست سوى خطوة في عملية تحويل المهمة إلى المريخ من مخططات على ورق إلى بعثة ممولة مع تاريخ الإطلاق. كما أن ناسا ليست الوحيدة التي تنظر إلى المريخ. فقد فكر العلماء والهواة أيضًا بكل شيء بدءًا من قصف الكوكب بأسلحة نووية لجعله قابلًا للسكن إلى إنشاء درع مغناطيسي حول الكوكب.

نأمل أن يكون العيش على المريخ المريخ هو أول خطواتنا في الكون. وبمجرد أن نستعمر النظام الشمسي، سيكون من الأسهل التوسع إلى حزام الكويكبات وما وراءه. توفر جاذبية المريخ المنخفضة المنصة المثالية لبناء وإطلاق مركبات فضائية أخرى عميقة. بعد أن نحصل على موطئ قدم، الشيء الوحيد الذي يعوقنا هو التكنولوجيا.

اقرأ أيضًا:

ترجمة: مهران يوسف
تدقيق: حسام التهامي

المصدر