إن سرعة الضوء في الفضاء 299783 كم في الثانية، أو 670616629 ميلًا في الساعة. ونظريًا، لا يوجد شيء أسرع من الضوء، إذ إنه يستطيع أن يقطع الأرض سبع مرات ونصف المرة في الثانية الواحدة.

اعتقد العلماء الأوائل أن سرعة الضوء لا يمكن قياسها، فهو يتحرك على الفور دون ملاحظته، ولكن مع مرور الوقت أصبحت عملية قياس تلك الجسيمات التي تتصرف كالموجات أكثر دقة، وبفضل أعمال ألبرت أينشتاين وغيره من العلماء فهمنا سرعة الضوء واستطعنا قياسها بشكل مثالي، بل وتحديد قيمة نظرية رياضية ثابتة لها أطلق عليها الرمز C.

ولا يستطيع أي جسم في الكون لديه كتلة أن يصل لذلك الحد، وسوف نتحدث عن سبب هذا في المقال. ولكن هذا لم يمنع كُتاب الخيال العلمي وبعض العلماء من تخيل بعض الرحلات السريعة والمرعبة حول الكون بسرعة الضوء.

سرعة الضوء، تاريخ النظرية

تُعد أول محاولة معروفة لتحديد سرعة الضوء من العصر اليوناني على يد الفيلسوف أرسطو، والذي كان رأيه خلافًا لرأي فيلسوف آخر (أمبيدوكليس) اعتقد أن الضوء يستغرق وقتًا للانتقال من نقطة إلى أخرى. ولكن أرسطو كان له رأي آخر؛ لأنه كان يعتقد أن الضوء ينتقل من نقطة إلى أخرى فورًا دون أن يستغرق وقتًا.

وفي عام ١٦٦٧ أجرى العالم الإيطالي غاليليو غاليلي تجربة فيزيائية لقياس سرعة الضوء؛ وهي التجربة الأولى من نوعها، فقد أحضر فردين وجعل كلًا منهما على قمة مرتفعة يفصل بينهما أقل من ميل، وحمل كل فرد مصباح إضاءة مغطى بقطعة قماش معتمة، وبعد فترة أزاح أحدهما قطعة القماش عن مصباحه، وبمجرد أن رأى الآخر ضوء المصباح أزاح بدوره قطعة القماش خاصته.

وبملاحظة الفترة الزمنية لاستجابة كل منهما للآخر استطاع أن يحسب سرعة الضوء. وبسبب صغر مسافة القياس التي استعملها غاليليو توصل إلى أن سرعة الضوء تفوق سرعة الصوت بعشر مرات على الأقل.

وفي سبعينيات القرن التاسع عشر استغل عالم الفلك الدنماركي (كارل رومر) كسوف أحد أقمار كوكب المشتري (آيو) لقياس سرعة الضوء. وتُعد تلك المحاولة أول محاولة علمية حقيقية لقياس سرعة الضوء.

وبعد مرور عدة أشهر وعند مرور آيو خلف كوكب المشتري، لاحظ كارل أن الكسوف استغرق وقتًا أطول من الحسابات المتوقعة، ما دفعه للاستنتاج أن الضوء يحتاج إلى وقت لينتقل من آيو إلى كوكب الأرض.

ولكن عند إعادة التجربة مرة أخرى وجد كارل أن الكسوف أصبح متماشيًا مع التوقعات الحسابية التي قد وضعها مسبقًا، فاستنتج أنّه كلما ابتعد كوكب الأرض عن المشتري أثناء دورانهما حول الشمس احتاج الضوء وقتًا أطول لينتقل من المشتري للأرض.

وكلما اقترب الكوكبان من بعضهما تبع الضوء حساباته، وحسب وكالة ناسا لعلوم الفضاء، استنتج كارل أن الضوء يتحرك في الفضاء بسرعة ثابته فيستغرق 10 – 11 دقيقة لينتقل من الشمس للأرض، ويتحرك بسرعة 200000 كم في الثانية. وهي تقديرات مبالغ بها، إذ يستغرق الضوء فعليًا 8 دقائق و19 ثانية لينتقل من الشمس إلى الأرض.

وفي عام 1728، اعتمد الفيزيائي الإنجليزي جيمس برادلي في حساباته على تغير مواقع النجوم بسبب دوران الأرض حول الشمس، واستنتج أن سرعة الضوء 185000 ميل في الثانية (301000 كم في الثانية). وهو استنتاج مخالف للقيمة الصحيحة بمقدار 1%.

أجريت محاولتان في منتصف القرن التاسع عشر أعادتا مشكلتا القياس والرصد مرة أخرى إلى الأرض، فقد أجرى الفيزيائي الفرنسي (هيبوليت فيزيو) تجربة علمية بإرسال شعاع من الضوء حول عجلة مسننة تدور بسرعة ثابتة، ووضع خلف تلك العجلة بمسافة 5 ميل مرآة لتعكس شعاع الضوء بعد مروره على العجلة إلى المصدر الصادر منه الضوء.

ومع تغيير مستمر في سرعة العجلة، يحسب الراصد سرعة الضوء اللازمة للمرور من العجلة والانعكاس على المرآة والعودة مرة أخرى إليه. وأعيدت تلك التجربة بواسطة عالم فرنسي آخر (ليون فوكو) ولكن باستبدال العجلة بمرآة دوارة، وقد جاءت نتائجهما متقاربة للغاية وتختلف عن النتائج الحالية بمقدار 1000 ميل في الثانية.

أعاد البروسي (ألبرت ميتشيلسون) تجربة (ليون فوكو) ولكن على مسافة أكبر وباستخدام عدسات ذات جودة أعلى، وكانت نتائجه قريبة من الصحة إذ توصل إلى أن سرعة الضوء 299910 كم في الثانية. وهي النتيجة التي قُبلت لمدة أربعين عامًا.

ما هي سرعة الضوء في الفضاء تجارب قياس سرعة الضوء التنقل بين الكواكب والنجوم النظرية النسبية نظرية أينشتاين الفوتونات موجة جسيموباستخدام نتائج تلك التجربة حاول عالم الفيزياء والاتصالات الأمريكي (مايكلسون) أن يُعيد التجربة ولكن في الفضاء لإثبات وجود وسط ينتقل خلاله الضوء وهو (الأثير)، ولكن نتائجه جاءت مخالفة لتوقعاته، إذ أثبتت عدم وجود ذلك الوسط من الأساس.

ويُعبّر عن أهمية تلك التجربة الكاتب الفيزيائي إيثان سيغال في مدونته الخاصة بقوله: «كانت تجربة مايكلسون ثورية للغاية، لدرجة أنه أصبح الشخص الوحيد في التاريخ الذي فاز بجائزة نوبل رغم عدم اكتشافه لشيء دقيق، ربما كانت التجربة في حد ذاتها فاشلة تمامًا، ولكن نتائجها كانت أكبر نعمة على العلم والبشرية».

وفي عام 1905 كتب عالم الفيزياء الألماني ألبرت أينشتاين أول ورقة علمية له عن النسبية الخاصة، وتوصل إلى أن الضوء يتحرك بسرعة ثابتة مهما اختلفت سرعة الراصد، ولن تختلف سرعة الضوء بالنسبة لشخص يقف على سطح الأرض، أو مسافر داخل طائرة أسرع من سرعة الصوت، وبنفس المنطق فإن سرعة الضوء القادم إلينا من الشمس ثابتة بالرغم من دوران الأرض حول الشمس، ودوران الشمس حول مجرة درب التبانة التي تتحرك بدورها في الفضاء. ولو كان الراصد خارج المجرة أصلًا فسوف تظل سرعة الضوء ثابتة أيضًا، فاختلاف المكان لا يؤثر في سرعة الضوء.

بالرغم من أن سرعة الضوء هي أكبر سرعة في الكون، فإنّ تمدد الكون نفسه أسرع من سرعة الضوء، فحسب عالم الفيزياء الفلكية بول ساتر، فإن الضوء يتوسع بمقدار 68 كم في الثانية لكل ميجافرسخ، إذ إن مقدار الميجافرسخ 3.26 مليون سنة ضوئية.

إذن، أي مجرة على بعد 1 ميجافرسخ تتحرك مبتعدة بسرعة 68 كم في الثانية عن مجرة درب التبانة، والمجرة التي تبعد مسافة 2 ميجافرسخ تتحرك مبتعدة بسرعة 136 كم في الثانية.

ويستكمل بول ساتر تصريحه بأنه على الرغم من أن النسبية الخاصة تضع حدًا للسرعات في الكون بحيث لا تتخطى حاجز سرعة الضوء، فالنسبية العامة تسمح بتخطي ذلك الحاجز وتهتم بالمسافات الشاسعة بين المجرات، وكلما كانت المسافة بين المجرات متباعدة زادت سرعة تباعدها عن بعضها.

ما هي السنة الضوئية؟

يُطلق على المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة اسم السنة الضوئية، وهي وحدة قياس للزمن والمسافة، فالضوء يستغرق ثانية واحدة لينتقل من القمر إلى الأرض، أي إن القمر يبعد عن الأرض بمقدار ثانية ضوئية، وضوء الشمس يحتاج 8 دقائق ليصل إلى الأرض، أي إن الأرض تبعد عن الشمس بمقدار 8 دقائق ضوئية. ويحتاج أقرب نجم للنظام الشمسي (ألفا سينتوري) 4.3 سنة ضوئية ليصل ضوءه إلى النظام الشمسي، أي إنه يبعد عن النظام الشمسي بمسافة 4.3 سنة ضوئية.

تقع النجوم والكويكبات والمجرات الأخرى بعيدًا عن نظامنا الشمسي بمسافات تتراوح من بضع سنوات ضوئية إلى مليارات السنين الضوئية، وبالتالي أي ضوء قادم من تلك المصادر يُعبر عن الماضي، فأي أحداث يُعبر عنها هذا الضوء هي أحداث حدثت في الماضي وانتهت.

فرؤية ضوء الفضاء هو رؤية بحتة للماضي. واعتمادًا على هذا المبدأ استطاع علماء الفضاء تخيل شكل الكون بعد الانفجار العظيم مباشرة، والذي حدث منذ حوالي 13.8 مليار سنة، فبمجرد فحصهم ودراستهم للأجسام التي تبعد عن الأرض 10 مليار سنة ضوئية، هذا يعني أنهم يدرسون الكون منذ حوالي 10 مليار سنة ماضية وبالتحديد بعد الانفجار العظيم.

 هل سرعة الضوء ثابتة حقًا؟

ينتقل الضوء على هيئة موجات مثل الصوت، وبالتالي يُمكن إبطاؤه من خلال التحكم بالوسط الذي يتحرك فيه، فلا يوجد ما هو أسرع من الضوء في الفراغ، ولكن إذا كان الضوء ينتقل في وسط مادي مثل الرمل مثلًا أو الماء، فإنه يُعاق بواسطة الذرات المكونة لذلك الوسط ما يعمل على تناقص سرعته.

تماثل سرعة الضوء في الغلاف الجوي للأرض سرعته في الفضاء، ولكن عند تمرير شعاع الضوء خلال وسط شفاف مثل الماس مثلًا فإنه يفقد نصف سرعته، وعند انتقاله خلال الأحجار الكريمة تصبح سرعته 124 ألف كم في الثانية.

 هل يُمكننا السفر أسرع من الضوء؟

يُشجع مؤلفو روايات الخيال العلمي هذا النوع من السفر، إذ إنه يسمح للشخص بالتنقل بين الكواكب والنجوم والمجرات في وقت قصير للغاية، وبالرغم من أن ذلك لم يُثبت معمليًا حتى الآن، فإن الأمر برمته أشبه بالوصول للمستحيل.

فوفقًا للنسبية العامة لآينشتاين، كلما تحرك الجسم بشكل أسرع زادت كتلته ونقص طوله، وعندما يصل لسرعة الضوء تصبح كتلته لا نهائية بينما يصبح طوله صفرًا، وهذا مستحيل. وبالتالي لا يمكن لأي جسم أن يصل لسرعة الضوء.

وبالرغم من هذا لا يكتفي المُبدعون في ابتكار نظريات جديدة تساعدنا على التنقل بين أطراف الفضاء بسهولة مثل تنقلنا حول المدن، ويعتمدون في فكرتهم هذه على سفينة فضائية قادرة على طي الفضاء وبالتالي تقلص المسافة بين أجزائه.

ويصرح (سيث شوستاك) عالم الفضاء بمعهد CETI للبحث عن الحياة في الفضاء، بأن الإنسان يحتاج إلى 100 ألف سنة لينتقل إلى أقرب نظام نجمي، وبالتالي يستحيل أن نتحرك بسرعة أكبر من سرعة الضوء أو نستكشف الفضاء بأنفسنا.

اقرأ ايضًا:

ثقب أسود سرعة دورانه نصف سرعة الضوء

هذه المادة النانوضوئية قد تساعد في دفع المركبات الفضائية بسرعة الضوء

ترجمة: مازن عماد

تدقيق: سلمى العفش

المصدر