أصبحت السنة الصينية الجديدة المعروفة أيضًا باسم السنة القمرية الجديدة، أو عيد الربيع (شينيجياي) في الصين واحدةً من أفضل خمسة مهرجانات في العالم، ولا يُحتفل بها في الصين فقط؛ بل تحتفل كذلك دول شرق آسيا وجنوب شرق آسيا مثل كوريا واليابان وفيتنام وسنغافورة وماليزيا وتايلاند وإندونيسيا وموريشيوس والفلبين. كما أنها تحظى بشعبية في الأحياء الصينية في جميع أنحاء العالم، إذ تُقام احتفالات رأس السنة الصينية في نيويورك ولندن وفانكوفر وسيدني وغيرها من المدن الأجنبية. وحسب دليل السفر الصيني، يُشارك سدس سكان العالم في هذه الاحتفالات.

تضم احتفالات السنة الصينية الجديدة رقصات التنين والأسد.

تعد عطلة السنة الصينية الجديدة أطول عطلة عامة في الصين، إذ يُتاح للموظفين من سبعة إلى اثني عشرة يومًا كعطلة من العمل، ويقضي الطلاب شهرًا كاملًا في إجازة الشتاء. قال الدكتور مينغ وانغ، وهو طبيب عيون ومدافع عن التنوع الثقافي في ناشفيل، تينيسي: «يحاول الصينيون العودة إلى ديارهم ليكونوا مع عائلاتهم في رأس السنة الصينية، بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه، كما يفعل الأمريكيون في عيد الميلاد» ويضيف: «يخلق هذا أكبر هجرة سنوية في العالم، تعرف باسم: تدافع المسافرين لمهرجان الربيع».

متى هو احتفال رأس السنة الصينية الجديدة ؟

يُحتفل بعيد الربيع إما في يناير أو فبراير؛ لاستخدام الصينيين التقويم القمري الذي يعتمد على حركة القمر. (يستخدم معظم العالم الغربي التقويم الغريغوري الذي يعتمد على حركة الشمس).

«يُحتفل بالعام الصيني الجديد في اليوم الأول من الشهر الأول في التقويم القمري» حسب تصريح جيانجو تشن – وهو أستاذ مشارك في اللغة الصينية في جامعة ديلاور – لمجلة Live Science. في التقويم الغريغوري، يبدأ اليوم الأول من المهرجان عند ظهور القمر الجديد في الفترة من 21 يناير إلى 20 فبراير، وتبدأ إجازة رأس السنة الصينية لسنة 2018 في 16 فبراير.

ينقسم التقويم الصيني أيضًا إلى دورات قمرية مدتها 60 عامًا، وتنقسم كل دورة إلى خمس دورات أصغر، مدة كل منها 12 عامًا. كل عام يمثله حيوان في الأبراج الصينية: الفأر، الثور، النمر، الأرنب، التنين، الأفعى، الحصان، العنزة أو الخروف، القرد، الديك، الكلب والخنزير.

وقال لوتس بيري مدرس اللغة الصينية والثقافة في جامعة بوجيه ساوند في تاكوما بواشنطن، ومدير مؤسسة المصالحة الصينية في تاكوما لمجلة Live Science: «إن ضبط الوقت الصيني التقليدي يعتمد على نظام ستّيني، يسمى: “الجذوع السماوية، والفروع الأرضية”.

إن تطابق الجذوع الـ10، والفروع الـ12 (فرع-جذع)، واقترانها بـ 12 حيوانًا من الأبراج ينتج عنه 60 مجموعةً ممكنة، فالسنة الشمسية 2018 هي السنة الـ35 من دورة 60 عامًا من التقويم القمري، ويشار إليها باسم سنة «الكلب وو اكزو» أو the Year of the Wu-Xu Dog».

وقال تشن إنه في الأبراج الصينية، يعد الكلب رمزًا للولاء والمسؤولية والشجاعة والإخلاص والقوة والجدارة بالثقة والتصميم والمثابرة والصداقة والحنان والقيمة والبطولة.

يطلق على العيد عيد الربيع أو «بداية الربيع» رغم حدوثه في فصل الشتاء، ذلك لأنه يمثل نهاية أبرد جزء من فصل الشتاء، وفيه يتطلع الصينيون تقليديًا إلى بداية فصل الربيع.

التاريخ

يعتقد تشن أن هذه العطلة قد نشأت خلال عهد أسرة شانغ (1600 – 1100 قبل الميلاد) ككرنفال ربيعي قدّم فيه الناس تضحيات للآلهة والأجداد في نهاية فصل الشتاء، وترحيبًا بمجيء الربيع. وأصبح يومَ عطلة عامة في عام 1914 خلال فترة الجمهورية الصينية، ولكن حُظر الاحتفال به في عام 1967 خلال الثورة الثقافية، ثم أُعيد المهرجان لاحقًا.

تُزين المنازل بالفوانيس الورقية خلال احتفالات السنة الصينية الجديدة، يعتبر الأحمر لونًا لجلب الحظ.

تقاليد رأس السنة الصينية الجديدو

وقال تشن: إن (غو نيان هاو) – التي تعني (سنة جديدة سعيدة) – هي تحية شائعة للعام الصيني الجديد، ويحيي الصينيون بعضهم بعضًا بعبارات أخرى مثل恭喜发财 (جونجكسي فاساي) في الماندرينية أو (كونج هاي فات شوا) في الكانتونية، بمعنى: «أتمنى لك سنةً صينيةً جديدةً سعيدةً ومزدهرة!»، ويعبر الناس في هذه المناسبة عن تمنياتهم الطيبة لبعضهم البعض، ويتسامحون تاركين وراءهم جميع الضغائن والعداء من السنة الفائتة.

وقال تشن: «عيد الربيع هو أهم عطلة في الصين، وهكذا يُحتفل به» ويضيف: «يبذل جميع أفراد الأسرة في عشية رأس السنة الصينية الجديدة أقصى جهدهم للعودة إلى ديارهم، بغض النظر عن المسافة التي قد تبعدهم عن الديار (حتى إن كانوا على الجانب الآخر من العالم) للاستمتاع بعيد لمّ الشمل العائلي المعروف باسم: نيان يفان».

قبل قدوم العام الجديد، من المعتاد أن ينظف الناس منازلهم بالكامل للتخلص من الحظ السيئ للسنة الفائتة، وأن يُزينوا منازلهم الأنيقة في جو من الفرح والاحتفال، وتُزين المنازل غالبًا بثنائية (وهي لافتات رأسية بها سطران من الشعر)، إضافةً إلى الرسم الشعبي، وقصاصات الورق التي تتميز بتصميمات معقدة (كقطع ثلج ورقية)، ومخطوطات، وفوانيس الأعياد، وتكون الزينة عادةً حمراء زاهية. يقول وانغ: «تمثل الزخارف والزينة الحمراء لمهرجان رأس السنة الصينية الجديدة ما تمثله الأشجار لعيد الميلاد».

خطاط في فوشان، الصين يصنع ثنائيةً - لافتات يتمنى الناس فيها الحظ السعيد والعمر الطويل - لمهرجان الربيع.

عادةً ما تكون الزخارف حمراء؛ لأنه حسب الثقافة الصينية، يمكن للون أن يجلب السعادة والثروة والازدهار بدرء الأرواح الشريرة والحظ السيئ. ربما نشأ هذا التقليد من قصة «نيان»، يأكل هذا المخلوق العنيف والقاسي الماشية والأطفال، لكنه يخاف اللون الأحمر، كما يخاف النار والضوضاء، ووفقاً لـ Reader’s Digest ، يحتفل الناس بالديكورات الحمراء والألعاب النارية لطرد “نيان”.

ترعى الحكومة والمجتمعات المحلية أنواعًا مختلفة من الأنشطة الاحتفالية طوال مدة الاحتفال، بما في ذلك الـ (شيهيو): وهو فن شعبي قديم يتضمن رقصات الأسد والتنين، والألعاب البهلوانية، والمشي بالركائز، وعروض الأوبرا وعروض الطبول.

«إن أكثر برامج الترفيه لهذه الإجازة إثارةً للاهتمام على مدار العقود الثلاثة الماضية، هو البرنامج الذي ينظمه تلفزيون الصين المركزي – CCTV وهو حفل CCTV Gala للسنة الصينية الجديدة، وهو برنامج ترفيهي للعطلة في الفترة المسائية مدته 5 ساعات، ويضم مجموعةً متنوعة من الدراما والرقص والموسيقى والكوميديا».

يقول تشن: «يُبث الحفل في جميع أنحاء العالم، ويستقطب عددًا كبيرًا من المشاهدين سنويًا يصل إلى 800 مليون مشاهد، ويتشوق الصينيون في حفل رأس السنة الجديدة هذه إلى أن يستضيفوا حفلات لمّ شمل العائلات لعشية رأس السنة الجديدة. من دون مشاهدة هذا الحفل، لن تكون المناسبة مكتملة».

تُقدم مجموعة متنوعة من الأطعمة خلال عيد رأس السنة، مثل الزلابية (جياوزو) وكعك الأرز (نيانجاو) ولفائف الربيع والسمك، وقال تشن: «يُعِد الصينيون تقليديًا ولائم فخمةً خلال العطلة، تضم الأسماك ولحم الخنزير والدجاج والبط، إضافة إلى أنواع مختلفة من الفاكهة والحلوى والمكسرات، وتُعد الزلابية ضرورية، خاصة في شمال الصين».

ويكمل وانغ: «تُقدم الهدايا أيضًا، بدلًا من الهدايا الملفوفة مثل الهبات التي يقدمها الأمريكيون في عيد الميلاد، ويتبادل الصينيون من جميع الأعمار مظاريف حمراء محشوة بـ (أموال الحظ)، من كبار السن إلى الشباب، ومن الرؤساء إلى الموظفين، ومن الزعماء إلى الأتباع، ويُنفق الأطفال أموال الحظ خاصتهم كما يريدون».

إن آخر فعالية للاحتفال الذي يستمر 15 يومًا هو مهرجان المصابيح، ويشمل أنواعًا مختلفة من الأنشطة، منها الرقص الشعبي، وتناول “اليوانكزياو” (كرات الأرز مع أنواع مختلفة من الحشوات)، وحل الألغاز، وإطلاق الألعاب النارية وتنظيم عروض احتفالية بفوانيس مختلفة التصميم. وقال تشن: «يُعرف هذا المهرجان أحيانًا باسم عيد الحب الصيني، إذ يأمل فيه العزاب أن يلتقوا برفقاء العمر».

اقرأ أيضًا:

نهر ميكونغ: حقائق عن نهر الميكونغ

لأول مرة العلماء الصينيون يستنسخون قردة معدلة جينيًا

ترجمة: رتاج ابراهيم

تدقيق: عبد الرحمن عبد

مراجعة: رزان حميدة

المصدر