كيف تعمل الذاكرة ؟ هل تذكر شكل الرجل الذي رأيته قبل ساعة على التلفاز أو أثناء تنزهك في الخارج؟ غالبًا سيكون جوابك لا، لكن ماذا عن صديقك الحميم الذي لم تره منذ سنة؟ حتمًا ستتذكره جيدًا. هنا يأتي العلم كعادته ليتساءل، لماذا ننسى بعض الذكريات ونتذكر أخرى جيدًا؟ كانت الفكرة القديمة السائدة بين العلماء أنه كلما كان الارتباط بين العصبونات بواسطة المشابك العصبية أقوى كلما نتج عن ذلك ذاكرة طويلة المدى وقوية.

لكن الفكرة الجديدة التي توصل لها باحثون من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا تقول: كلما زاد عدد العصبونات المشتركة في حفظ نفس الذاكرة، زاد تذكرنا لها قوة وزمنًا. مع كونهم جميعًا متفقين أن تكوين أي ذاكرة جديدة يحدث داخل الحصين Hippocampus في الدماغ.

والآن إلى السؤال الذي قفز إلى ذهنك، كيف توصلوا إلى هذا؟

صمم الباحثون تجربةً ليروا نشاط الأعصاب أثناء وضع الفئران في مكان جديد ومن ثم محاولة تذكره.

وُضعت الفئران محاطة بسياج داخله أشبه بالمتاهة. توجد ثلاثة طرق أمام الفأر ليسلكها وكل طريق معلّمة جدرانها برموزٍ معينة وإحدى هذه الطرق الثلاثة كان في نهايته سُكّر مائي (تحبه الفئران).

الذاكرة: كيف تتشكل الذكريات في الدماغ كيف تعمل الذاكرة طويلة الأمد وقصيرة الأمد المشابك العصبية في الدماغ النشاط العصبي لمنطقة الحصين

عند وضع الفئران لأول مرة، ظلت حائرة فراحت يمينًا ويسارًا حتى دخلت إلى المسار الذي يوصلها إلى السكر المائي. عند تكرار وضع الفأر نفسه داخل الجدران ذات الطرق الثلاثة، لاحظوا أن الفأر بدأ مباشرةً يبحث عن العلامات التي توصله إلى السكر المائي.

كل هذا وهم يراقبون النشاط العصبي لمنطقة الحصين من دماغ ذلك الفأر. عند وضعه أول مرة وبعد أن وجد السكر المائي بدأ نشاط عصبي داخل منطقة الحصين وبعد اعتيادها على مكانه بدأت تزداد عدد الخلايا المفعلة بمجرد رؤية العلامات التي تناسب الهدف على الحائط.

لم يقف الباحثون عند هذا الحد بل تركوا الفأر بعيدًا عن التجربة هذه لمدة عشرين يومًا. عند عودة الفأر إلى موضع التجربة، تذكر مباشرة المسار المناسب له وتنشط عدد كبير من الأعصاب وبشكل متزامن.

يقول غونزاليز، أحد القائمين على التجربة: «تخيل أن لديك قصة تريد حفظها، استعنت بخمسة من أصدقائك مثلًا لتخبرهم بالقصة، سيزداد حفظك لها حتمًا. ثم تخيل أنكم تجلسون سوية بعد ذلك ويسرد أحدكم أيضًا القصة للآخرين الذين يقتصر دورهم على تصحيح الفراغات والنقص في قصته. هذا ما تتبعه الأعصاب لتساعد بعضها البعض على تذكر المعلومات التي أُريد لها الاستمرار».

ختامًا، لعلك تقول ما الفائدة إن عرفنا كيف تعمل الذاكرة ؟ الجواب واضح؛ تعد مثل هذه البحوث مقدمةً أولى لإيجاد حلول لأمراض دمرت آلاف الناس مثل الزهايمر.

اقرأ أيضًا:

هل يسبّب التخدير مشاكل في الذاكرة عند البالغين؟

نوعٌ جديدٌ مذهلٌ من تطبيقات الأجهزة المزروعة في الدماغ يزيد الذاكرة بنسبةٍ تصل إلى 15%

ترجمة: جعفر قيس

تدقيق: عون حداد

المصدر