التغير المناخي يسبب اضطراب الرحلات الجوية. في رحلتها من اسطنبول إلى نيويورك كان لدى الرحلة الجوية 1 في خطوط الطيران التركي 45 دقيقة فقط لتصل إلى وجهتها، بدأت الطائرة بوينغ 777 بالاهتزاز بعنف واندفعت بشكل أدى إلى تعرض 28 راكبًا واثنين من الطاقم لإصابات كان يجب معالجتها بعد الهبوط الاضطراري في مطار جون كينيدي الدولي، وذلك وفقًا لتقارير إخبارية، إذ واجهت الطائرة اضطرابًا عنيفًا بينما كانت تطوف فوق ولاية ماين (Maine) في الولايات المتحدة الأمريكية، ويُعرف ذلك باضطراب الهواء النقي (clear-air turbulence) لأنه يحدث عادةً في السماء الصافية دون أي سابق إنذار أو إشارة تحذر الطاقم، ومن المتوقع أن يصبح هذا النوع من الحوادث أكثر شيوعًا فوق سماء شمالي الأطلسي بسبب التباين في سرعة الرياح الناتج عن التغير المناخي الذي يسببه الإنسان.

ويُعد التباين الناتج عن الاختلاف في سرعة واتجاه الرياح بالتوافق مع الارتفاع من الأسباب الرئيسية لاضطراب الهواء النقي، وكانت الدراسة الجديدة التي نشرت في مجلة (Nature) الأولى في رصد زيادة ذات دلالة إحصائية في تباين الرياح العمودية على ارتفاع التيارات النفاثة (jet-stream التيار النفاث أو التيار المنطلق عبارة عن تدفق للهواء بصورة أفقية تقريبًا وبسرعة عالية جدًا وذلك في أعالي التروبوسفير.

يتخذ هذا التيار شكل حزمة ضيقة سمكها يزيد عن 1000 م وعرضها يتراوح بين 500-650 كم، وسرعة تدفق الهواء تتراوح بين 150-500 كم في الساعة وأحيانًا أكثر) عبر شمالي الأطلسي، ما يسبب اضطراب الرحلات الجوية ، على اعتبار أن حوالي 3000 رحلة تحلّق يوميًا فوق هذا النطاق.

وتركّز الدراسة على شمالي الأطلسي لسببين رئيسيين: كونه أكبر مساحة مائية للرحلات الجوية في العالم، وجميع هذه الرحلات معرضة لخطر التيار النفاث القطبي وخاصة أثناء الشتاء. وتركّز أيضًا على التيار النفاث فوق خطوط العرض الوسطى واختلاف درجات الحرارة بين خط الاستواء والقطب الشمالي ما يعتبر المغذي الأول للرياح الحارّة.

وفي العموم، كلما زاد تباين درجات الحرارة بين خط الاستواء والقطب زادت قوة التيار النفاث من الغرب إلى الشرق مغذّيًا نظم العواصف فوق شمالي الأطلسي. وجدت الدراسة الجديدة التي قام بها خبراء الأرصاد الجوية في جامعة ريدينغ (Reading) أن درجات الحرارة في الارتفاعات العالية بما فيها الستراتوسفير السفلي (طبقة الستراتوسفير أو المتكور الطبقي أو الغلاف الجوي الطبقي هي إحدى طبقات الجو العليا التي تعلو طبقة التروبوسفير وتمتد من ارتفاع 18 كيلومتر إلى نحو 50 كم فوق سطح البحر) فوق القطب الشمالي كانت تنخفض كاستجابة للتغير المناخي السريع.

في حين أن المعدلات ترتفع في التروبوسفير الأعلى فوق خط الاستواء (طبقة التروبوسفير أو المتكور الدوار هي الطبقة الجوية السفلى الملاصقة للأرض وتدخل فيها كل المرتفعات التي فوق سطح الأرض بما في ذلك أعلى قمم الجبال، وهي الطبقة الأولي من طبقات الجو وأقربها إلى الأرض، ترتفع حوالي 8 كم في القطبين و 18 كم في خط الاستواء)، وذلك يعني أن نسبة التباين على هذا الارتفاع في زيادة في حين أن العكس تمامًا يحدث على ارتفاعات منخفضة في التروبوسفير حيث التغير يُضعف درجة انحدار درجات الحرارة ومن المتوقع أن يخفف من سرعة التيار النفاث، وقد جذب ذلك اهتمام وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة.

التغير المناخي يتسبب باضطراب الرحلات الجوية الاحتباس الحراري يسبب اضطراب الرحلات الجوية خطوط الطيران التركي اضطراب الهواء النقي

تكامل هذين العاملين يسبب التوازن حتى الآن، وأدى ذلك إلى أن معظم الدراسات لم تجد سوى تحولات صغيرة في سرعة وموقع تدفق التيار خلال السنوات الأخيرة، ولكن خط تباين الرياح وارتباطه بالتيار النفاث في ارتفاع كما وجدت الدراسة.

وقال المشارك في الدراسة بول ويليامز (Paul D. Williams) عبر البريد الإلكتروني: «إذا كان التيار النفاث يتباطأ في طبقات الجو الأدنى ولا يتغير في الطبقات الأعلى فذلك يعني أن التباين في الأعلى قد ازداد، وعلى الرغم من أن ذلك يبدو منافيًا للمنطق فإنه ما من تناقض رياضي بين زيادة التباين (في طبقات الجو العليا) وزيادة سرعة الرياح».

ونظرًا لكون الطائرات تنطلق من التروبوسفير الأعلى نحو الستراتوسفير الأدنى، تظهر الدراسة أنها من الممكن أن تُضرب بواسطة تباين الرياح الكبير في مجال التحول بين الرياح القوية المنطلقة سلفًا والرياح الأضعف الأدنى منها تمامًا، ويقول الكاتب الرئيسي للدراسة سيمون لي (Simon H. Lee): «إن خط التباين مدفوع بالفرق في درجات الحرارة على أي مستوى من الغلاف الجوي».

تعتبر الدراسة خطوة للأمام لأنها وجدت تغيرًا قابلًا للرصد في خط تباين الرياح مع التيار النفاث عالي المستوى فوق شمالي الأطلسي خلال 39 عامًا من استعمال الأقمار الصناعية، على خلاف دراسة سرعة الرياح كما كان الحال في الدراسات سابقًا.

في الواقع إن هذه الدراسة تدعم أعمالًا جرت مؤخرًا ولكن عانت ضعفًا في تحديد اتجاه واضح لسرعة التيار النفاث القطبي على ارتفاع 34000 قدم منذ عام 1979، وخلال نفس الفترة كانت هنالك زيادة بنسبة 15% في خط تباين الرياح العمودية على ذلك الارتفاع، ووجد ذلك في ثلاث مجموعات بيانات مختلفة من الشروط منذ عام 1979، ويضيف لي: «إن النماذج المناخية تظهر زيادة في نسبة الاضطراب مرتين إلى ثلاث مرات أكثر في منتصف القرن 21، ومن خلال النظر إلى الملاحظات وجدنا أن ذلك واحد من العوامل الرئيسية المسببة لزيادة الاضطراب، وإن العثور على شيء واضح بنسبة 15% هو السبب في كون الرسالة الرئيسية هي أن التغير المناخي يسبب اضطراب الرحلات الجوية أكثر مما كنا نعتقد سابقًا».

يساعد التركيز على خط التباين الباحثين على وضع استنتاجات حول اتجاه الاضطراب، إذ قاموا بتدوين ملاحظات توضح أن التوقعات الجوية تُظهر أن شمالي الأطلسي سيشهد زيادةً في اضطراب الهواء النقي، وأن الرحلات الجوية عبره ستواجه مزيدًا من هذا الاضطراب في المستقبل. يقول ويليامز: «العلاقة بين التغير المناخي والزيادة في الاضطراب راسخة ومتسقة تمامًا مع فهمنا لفيزياء أجيال من الاضطرابات».

ويؤكد يهودا كوهين (Judah Cohen)، عالم الأرصاد الجوية في شركة AER والذي لم يكن مشاركًا في البحث الجديد: «هذا البحث يتوافق مع منشورات أخرى جديدة حول الموضوع ويضع في عين الاعتبار كلًا من تأثير توسُّع القطب الشمالي والاحتباس الحراري في التروبوسفير فوق خط الاستواء»، لكن كوهين يقول أيضًا إن البحث يتعارض مع بعض الأبحاث الأخرى التي تظهر أن الرياح الحرارية آخذة في الانخفاض بسبب ارتفاع درجات الحرارة في القطب الشمالي ، وخاصة خلال أشهر الصيف.

وكرسالة للطيارين الذين لا يتطلعون إلى سماء أكثر اضطرابًا، مثل المحاربين القدماء في رحلة الخطوط الجوية التركية المشؤومة، يقول ويليامز أنه وعلى الرغم من فهمه لما يسبب الاضطراب فهو ما يزال يشعر بمخاوفهم: «أدرس الاضطرابات كل يوم، لكن هذا لا يجعلني محصنًا من التحليق عبره، حيث يبدو أنه يتمسك بجزء بدائي من عقلك ويتغلب على كل أفكارك المنطقية، وعلى الرغم من معرفتي بأنني بأمان تقريبًا ما زلت أجده أمرًا غير سار».

يُذكّر لي الناس ويطمئنهم قائلًا إن الاضطراب ليس سببًا مُعتادًا لحوادث تحطّم الطائرة، إذ يقول: «فرص هبوط طائرتك بسبب الاضطراب تكاد تكون معدومة».

اقرأ أيضًا:

نظرية جديدة تقترح وجود علاقة بين التغير المناخي وعدوى من الفطريات القاتلة

هل تظن أن التغير المناخي ليس أمرًا عاجلًا؟ انظر لما أحدثه بسواحل أستراليا

المترجم: أسامة ونوس

تدقيق: غزل الكردي

المصدر