يُعتبر القمر مكانًا قاحلًا للغاية مليئًا بالأتربة، ويفتقر للغلاف الجوي اللازم للتنفس ما يجعله غير قابل لاستضافة الحياة، لكن ما زال هناك بعض الأكسجين موجود على السطح تحديدًا في التراب القمري والبقايا الحجرية التي تغطي الطبقة العليا من سطح القمر. توصل العلماء الآن إلى طريقة يمكن بها استخراج هذه الكميات المُخزنة من الأكسجين دون إصدار أي نفايات ضارة؛ عن طريق تحليل التراب القمري إلى غاز أكسجين وسبائك من المعادن كانت مرتبطة بذرات الأكسجين، وبهذا لن نستفيد من الأكسجين فحسب؛ إذ ستوفر هذه السبائك المعدنية فوائد جمّة في القواعد القمرية والمستعمرات المُخطط إقامتها على سطح القمر.

توصل العلماء إلى هذه المعلومات من خلال دراسة عينات التراب القمري الذي أُحضر إلى الأرض بواسطة مهمات الهبوط على سطح القمر السابقة، والتي بينت أن الأكسجين هو المكون الأكثر انتشارًا داخل هذه العينات حسب الوزن؛ فهو يشكل 45- 5% من وزن العينات.

لكن هناك مشكلة واحدة وفقًا لما قالته الكيميائية بيث لوماكس Beth Lomax بجامعة غلاسكو University of Glasgow باسكتلندا: «يُعد الأكسجين موردًا هامًا للغاية، لكنه مرتبط كيميائيًا بالعناصر مكوِّنًا أكسيدات بأشكال مختلفة مثل المعادن أو الزجاج، وهو ما يعوق الاستخدام الفوري لهذا الغاز الهام».

تلك العينات القمرية نادرة وقيمة جدًا هنا على الأرض؛ لذلك لا يُجري العلماء التجارب عليها مباشرةً، غير أنهم تمكنوا بعد دراسة تركيب هذه العينات من تحضير تراب مماثل تمامًا للتراب القمري باستخدام مواد من الأرض، وأُطلق على هذا التراب القمري الزائف: شبيه التراب القمري، وهو ما استخدمته لوماكس وفريقها في تجاربها البحثية.

كانت هناك محاولات سابقة لاستخراج الأكسجين من التراب القمري عن طريق الاختزال الكيميائي لأكسيد الحديد باستخدام الهيدروجين أو الميثان للحصول على الماء، ثم التحليل الكهربائي للماء للحصول على غازي الأكسجين والهيدروجين، لكن هذه الطرق لم تكن توفر النتائج المرجوة، فضلًا عن كونها شديدة التعقيد أو تحتاج إلى درجات حرارة عالية جدًا لانصهار التراب ليتحول إلى حالته السائلة. لكن تخطت لوماكس وفريقها الخطوات الكيميائية المعقدة لاختزال العينات وذلك بطريقة تعتمد على التحليل الكهربائي المباشر للتراب القمري.

اكتشاف طريقة تمكن العلماء من استخراج الأكسجين من التراب القمري الغلاف الجوي اللازم للتنفس البقايا الحجرية التي تغطي الطبقة العليا من سطح القمر

عينة من التراب القمري، على اليسار قبل استخراج الأكسجين، وعلى اليمين بعد استخراجه. حقوق الصورة: Beth Lomax/University of Glasgow.

قالت لوماكس: «تمت العملية بطريقة تعرف بالتحليل الكهربائي للملح المنصهر، وهي تعتبر أول مثال للتحليل الكهربائي المباشر لشبيه التراب القمري والذي يستخرج تقريبًا كل الأكسجين الموجود بالعينة، فالطرق الأخرى لاستخراج الأكسجين كانت تنتج كميات أقل من الغاز أو تتطلب درجات حرارة مرتفعة تصل إلى 1600 درجة مئوية حتى ينصهر التراب تمامًا».

يوضع التراب أولًا في سلة مُبطنة شبكية مع كلوريد الكالسيوم الذي يقوم بدور المادة الكهرلية –الإكتروليت Electrolyte–، ثم يُسخن الخليط إلى 950 درجة مئوية، وهي حرارة غير كافية لصهر التراب، بعد ذلك يُمرر تيار كهربي إلى الخليط يعمل على عزل الأكسجين وإخراجه مع توجيه الملح الناتج إلى مصعد الدائرة الكهربائية Anode ليمكن جمعه بسهولة.

استغرقت العملية 50 ساعة لاستخراج 96% من الأكسجين المرتبط داخل العينة، لكن 75% من الأكسجين رُفع في أول 15 ساعة من بداية التحليل الكهربائي، وحصل الفريق تقريبًا على ثلث كمية الأكسجين بالعينة في الغاز الناتج، وفُقد الباقي خلال العملية.

ما زالت هذه النتائج تُعد تحسنًا كبيرًا عند مقارنتها بنتائج الطرق الأخرى السابقة، وهذا بالإضافة إلى إمكانية استخدام المعادن الناتجة من العملية، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن الحصول منها على هذه النتيجة.

كتب الفريق المسؤول عن الدراسة في البحث: «هذه هي أول عملية معالجة لشبيه التراب القمري في حالته الصلبة لتنتج سبائك معدنية، يمكن أيضًا أن توفر هذه الطريقة إمكانية لفصل معادن معينة من السبائك وذلك في عمليات تكرير ورفع قيمة المكونات المعدنية في التراب القمري الخام، وهذا بعدما بينت نتائج تلك الطريقة كيفية الفصل بين الأطوار المختلفة للسبائك المعدنية مع انخفاض بعض المكونات المعدنية الأخرى منها خلال عملية التحليل الكهربائي للعينات».

كان هناك ثلاث سبائك رئيسية تنتج من هذه العملية مع وجود بعض من المعادن الأخرى مخلوطة بها أحيانًا وهي: الحديد مع الألومنيوم، والحديد مع السيليكون، والكالسيوم مع السيليكون مع الألومنيوم. وهذا يعني أن هذه الطريقة ستظل ذات قيمة معدنية في حالة اعتمادنا على الثلوج المائية القمرية المحتمل وجودها للحصول على الأكسجين.

قال جيمس كاربنتر James Carpenter مسؤول التخطيط القمري بوكالة الفضاء الأوروبية ESA: «لن توفر هذه الطريقة الأكسجين اللازم للحياة والوقود لمستوطني القمر فحسب، لكنها ستوفر كمية كبيرة من السبائك المعدنية اللازمة للصناعات المحلية هناك».

اقرأ أيضًا:

علينا العودة لمناقشة استيطان القمر!

استصلاح القمر مفتاح غزو النظام الشمسي

ترجمة: محمد شريف

تدقيق: علي قاسم

المصدر