تُسجل الدول جميع معاملاتها النقدية مع بقية دول العالم داخل ميزان المدفوعات؛ إذ يمكننا الحصول على انطباع جيد عن النشاط الاقتصادي لدولة ما من خلال فحص قسم الحساب الجاري داخل ميزان المدفوعات الخاص بها؛ لأنه يشمل حركة الصناعات وسوق رأس المال والخدمات الأخرى والمال الداخل إلى الدولة من الحكومات الأخرى أو عن طريق الإيداعات. يخبرنا حساب رصيد الحساب الجاري للدولة ما إذا كان لديها عجز أو فائض.

بافتراض أن هناك عجز، هل يعني هذا أن الاقتصاد ضعيف؟ أو أن الفائض يدل تلقائيًا على قوة الاقتصاد؟ ليس بالضرورة؛ لأن من المهم النظر إلى جميع العوامل المشاركة عند تحليل الحساب الجاري في ميزان المدفوعات الخاص بالدولة.

المكونات الأساسية للحساب الجاري

يعتبر من المهم فهم المكونات الأساسية الأربعة عند النظر إلى الحساب الجاري، وهي: البضائع والخدمات والدخل والتحويلات الجارية.

1. البضائع

تعتبر البضائع ذات طبيعة مادية ومتحركة، ولكي تُسجَّل عملية تجارية ما تحت عنوان بضائع، يجب أن يحدث تغيير في الملكية من أو إلى مقيم (في البلد المحلي)، ومن أو إلى شخص غير مقيم (في بلد أجنبي). تشمل البضائع المتحركة: البضائع العامة والبضائع المستخدمة في تجهيز السلع الأخرى والذهب غير النقدي؛ ويشمل كافة أنواع الذهب بأنها أصل احتياطي ليس بحيازة السلطات العامة بَعد.

تعتبر الدولة في حالة التصدير بأنها الدائن وبالتالي يُسجل المال الداخل إلى الدولة، وبالعكس في حالة الاستيراد تكون الدولة المدين ويُسجل المال الخارج من الدولة.

2. الخدمات

تعتبر الخدمات معاملات تجارية غير ملموسة، مثل: وسائل النقل والخدمات التجارية والسياحة وحقوق الملكية أو الترخيص. إذا كان المال يُدفع مقابل خدمة فإنه يُسجل كاستيراد (يكون الشخص مدين)، وإذا كان مُستلَم يُسجل ضمن الصادرات (يكون الشخص دائن).

3. الدخل

المال الداخل إلى الدولة أو المال الذي يخرج من الدولة من خلال الرواتب والمحفظة الاستثمارية؛ في صورة توزيعات أرباح مثل الاستثمار المباشر أو أي نوع آخر من الاستثمارات. يقدم كلًا من البضائع والخدمات والدخل الوقود اللازم للازدهار الاقتصادي، هذا يعني أن العناصر التي تندرج تحت هذه الفئات موارد حقيقية تُنقل من وإلى الدولة لزيادة إنتاجية الاقتصاد.

4. التحويلات الجارية

هي تحويلات بلا تعويض، وتشمل كل ما يخص العمال من تحويلات مالية وتبرعات ومساعدات والمنح والمساعدات الرسمية والمعاشات. لا تعتبر التحويلات الجارية بطبيعتها موارد حقيقية لها تأثير في الإنتاج الاقتصادي.

المعادلة الرياضية لحساب رصيد الحساب الجاري

تخبرنا المعادلة الرياضية ما إذا كان هناك فائض أو عجز؛ أي ما إذا كان الربح أكثر أم الدين، هذا سيساعدنا في فهم من أين تنشأ التناقضات وكيف يمكننا إعادة هيكلة الموارد ليكون لدينا اقتصاد يعمل بشكل أفضل.

CAB= (X – M) + (NY + NCT)

CAB: رصيد الحساب الجاري Current account balance.

X: الصادرات من السلع والخدمات Exports.

M: الواردات من السلع والخدمات Imports.

NY: صافي الدخل في الخارج Net income abroad.

NCT: صافي التحويلات البنكية الحالية Net current transfers.

فحص الحساب الجاري داخل ميزان المدفوعات حركة الصناعات وسوق رأس المال والخدمات الأخرى والمال الداخل إلى الدولة من الحكومات الأخرى

مفهوم الحساب الجاري

يُفترض أن يكون رصيد الحساب الجاري صفرًا من الناحية النظرية، لكن هذا أمر غير محتمل في العالم الحقيقي؛ أي فائض أو عجز داخل الحساب الجاري يخبرنا بشيء عن حكومة الدولة وحالة اقتصادها سواء بشكل خاص أو بالمقارنة مع الأسواق العالمية الأخرى.

يكون الفائض إشارة لاقتصاد الدولة على أنها دائن صافٍ لباقي دول العالم؛ هذا يعني أنه من المحتمل أن تقدم الدولة وفرة من الموارد للاقتصادات الأخرى، وفي المقابل تدين لها الدولة المستفيدة بالمال. تقدم الدول التي تحتوي على فائض فرصة للاقتصادات الأخرى لزيادة إنتاجيتهم أثناء تخطيهم العجز؛ عن طريق منحهم هذه الموارد، ويُشار إلى ذلك بتمويل العجز.

على النقيض يعكس العجز أن حكومة الدولة واقتصادها مدين صافٍ لباقي دول العالم. تكون استثمارات هذه الدولة أكبر من مدخراتها وتستخدم الموارد القادمة من الاقتصادات الأخرى لتلبي متطلبات الاستهلاك المحلي وعمليات الاستثمار. على سبيل المثال، تقرر الدولة أنها في حاجة إلى الاستثمار للمستقبل؛ لتحصل على الدخل من الاستثمار على المدى البعيد.

تُرسل الأموال إلى الخارج لتُستثمر في المشاريع بدلًا من ادخارها، يُسجل ذلك باعتباره دينًا على الدولة في الحساب المالي داخل ميزان المدفوعات الخاص بتلك الفترة، لكن عندما تتحقق الإيرادات المستقبلية، تُسجل كدخل من الاستثمارات في الحساب الجاري الذي يندرج تحت قسم الدخل.

يكون العجز في الحساب الجاري عادة مصحوبًا بخصم ضريبي على الأصول التي تكون بسعر العملات الأجنبية؛ لأن هذه الادخارات ستُستخدم للاستثمار في الخارج. يشير العجز أيضًا إلى زيادة الاستثمار الأجنبي داخل السوق المحلي، وفي هذه الحالة يكون الاقتصاد المحلي ملزمًا بدفع دخل الاستثمار الخاص بالاقتصاد الأجنبي في المستقبل.

تحليل الحساب الجاري

يعتبر من المهم أن نفهم عند تحليلنا الحساب الجاري من أين يأتي العجز أو الفائض، يجب أن نفحص جيدًا ما الذي يدعم الزيادة في الجانب الدائن أو الجانب المدين وكيفية مواجهة المؤثرات. نستطيع تحليل حالة الحساب الجاري بأن نأخذ في الاعتبار كلًا من مرحلة النمو الاقتصادي للدولة وأهدافها وتنفيذها لبرنامجها الاقتصادي، فمثلًا لا يكون الفائض المُمول بواسطة التبرعات من أكثر الطرق حكمة لإدارة الاقتصاد.

يُعرف عجز الميزان التجاري بأنه العجز بين الصادرات والواردات من السلع والخدمات متحدين معًا. يعني هذا العجز أن الدولة تستورد أكثر لتزيد إنتاجيتها، وفي النهاية تصدر أكبر كمية ممكنة؛ وهذا بدوره يمول العجز ويخففه.

يمكن أن ينشأ العجز بسبب زيادة الاستثمارات في الخارج وضغوط الالتزامات على الاقتصاد المحلي لدفع الدخل العائد من الاستثمار؛ يُسجل في الجانب المدين ويقلل من الدخل في الحساب الجاري.

يكون للاستثمارات في الخارج دائمًا تأثير إيجابي على الاقتصاد المحلي -إذا استُخدمت بعقلانية- لأنها ترفع من قيمة سعر السوق وتزيد إنتاجية اقتصاده في المستقبل. وفي النهاية هذا يمكن الاقتصاد المحلي من زيادة الصادرات ومعالجة العجز الخاص به؛ لذلك لا يمثل العجز بالضرورة شيئًا سلبيًا على الاقتصاد -خاصة بالنسبة للاقتصادات النامية وقيد إعادة التنظيم-.

يضطر الاقتصاد أحيانًا لإنفاق المال لجني الأرباح وعليه فهو يخلق عجزًا متعمدًا، مع ذلك يجب أن يكون الاقتصاد مؤهلًا لتمويل العجز بشتى الموارد التي بدورها تساعده في تقليل الجانب المدين وزيادة الجانب الدائن.

على سبيل المثال، يعتبر تمويل عجز الحساب الجاري عن طريق محفظة استثمار قصيرة الأجل أو عن طريق الاقتراض من الأمور الأكثر خطورة؛ لأنه إذا حدث أي خلل في سوق رأس المال الناشئ أو القطع المفاجئ لدعم الحكومة الأجنبية -ربما بسبب التوترات السياسية- سيؤدي إلى وقف فوري لنشاط الجانب الدائن داخل الحساب الجاري.

اقرأ أيضًا:

النظام الاقتصادي المختلط

ما هو النمو الاقتصادي؟

أثرى عائلات العالم تكدس النقود نظرًا لتصاعد المخاوف من الركود الاقتصادي

ترجمة: شولميث أبانوب

تدقيق: محمد نجيب العباسي

المصدر