الثقب الأسود في مركز مجرتنا. كتبت سمادار ناوز Smadar Naoz، الأستاذ المساعد في الفيزياء والفلك، جامعة كاليفورنيا- لوس أنجلوس: هل تترافق الثقوب السوداء فائقة الكتلة supermassive black holes في أزواج؟ تشير طبيعة تكون المجرات إلى أن الإجابة هي نعم، بل يُفترض أن تكون أزواج الثقوب السوداء فائقة الكتلة ظاهرةً شائعة في الكون.

باعتباري عالمةً في الفيزياء الفلكية astrophysicist، أبحث في مجموعة واسعة من المسائل النظرية في المجال، بدءًا من تشكل المجرات الأولى، وحتى تفاعلات جاذبية الثقوب السوداء والنجوم والكواكب.

سمادار ناوز

سمادار ناوز

إن الثقوب السوداء هي أنظمة مثيرة للاهتمام، وتُعد الثقوب السوداء فائقة الكتلة والتجمعات النجمية الكثيفة المحيطة بها من أكثر الظواهر غرابةً في كوننا.

يُعرَف الثقب الأسود الهائل الموجود في مركز مجرتنا باسم Sagittarius A* (أو Sgr A* اختصارًا)، وتبلغ كتلته نحو أربعة ملايين مثل كتلة الشمس. الثقب الأسود هو مكان في الفضاء حيث الجاذبية قوية للغاية لدرجة لا تسمح لأي جسم أو للضوء بالهرب منها.

تحيط بـ Sgr A* مجموعةٌ كثيفة من النجوم، وقد تمكن علماء الفلك من طريق قياس مدارات هذه النجوم بدقة من تأكيد وجود هذا الثقب الأسود الهائل وقياس كتلته.

لمدة تزيد على 20 عامًا، راقب العلماء مدارات هذه النجوم حول الثقب الأسود الهائل، وقد اتضح لي ولزملائي، بناءً على ما رأيناه، احتمالية وجود ثقب أسود آخر تبلغ كتلته مئة ألف مثل كتلة الشمس على الأقل.

الثقوب السوداء فائقة الكتلة ورفاقها

تحتوي كل مجرة، بما في ذلك مجرتنا درب التبانة، ثقبًا أسود هائلًا في مركزها، تبلغ كتلته ملايين إلى مليارات مثل كتلة الشمس. ما زال علماء الفلك يحاولون معرفة سبب هذه الظاهرة، وتشير إحدى الفرضيات إلى احتمالية وجود رفاق للثقوب السوداء فائقة الكتلة (أي وجود ثقبين أسودين في مركز المجرة).

لفهم هذه الفكرة، نحتاج إلى العودة إلى زمن قديم، عندما كان عمر الكون نحو 100 مليون عام، أي إلى عصر المجرات الأولى التي كانت أصغر بنحو 10 آلاف مرة من مجرة درب التبانة.

في هذه المجرات، ماتت بعض النجوم الأولى متحولةً إلى ثقوب سوداء بلغت كتلتها عشرات حتى ألف مثل كتلة الشمس.

غاصت هذه الثقوب السوداء في مركز الثقل، كلٌ في مركز مجرته، ومع مرور الزمن، وبسبب تطور المجرات الناتج عن اندماجها وتصادمها، تنتج أزواج من الثقوب السوداء الهائلة.

تتصادم الثقوب السوداء أيضًا مع بعضها وينمو لذلك حجمها، ويُعد الثقب الأسود ثقبًا أسود فائق الكتلة إذا فاقت كتلته مليون مثل كتلة الشمس.

إذا وُجد الثقب الأسود فائق الكتلة بالقرب من مدار ثقب أسود آخر، فسيجذبه إليه ويدوران معًا في رقصة مستمرة في مركز المجرة، ما سيؤثر على مدارات النجوم القريبة بفعل الجاذبية الهائلة للثقبين.

يدور الثقبان حول بعضهما، وفي الوقت نفسه، تؤثر جاذبية كل منهما على النجوم من حوله.

تسبب جاذبية الثقوب السوداء تغير مدارات النجوم، أي أن النجم في نهاية دورته لن يكون بالضبط في نفس النقطة التي بدأ عندها دورته حول زوج الثقوب السوداء فائقة الكتلة.

وباستخدام مفهومنا لقوى الجاذبية بين زوج الثقوب السوداء فائقة الكتلة المحتمل والنجوم المحيطة، يمكن لعلماء الفلك توقع ما سيحدث لهذه النجوم.

وبمقارنة توقعاتنا لمدارات النجوم بالملاحظات الفعلية، يستطيع العلماء توقع ما إذا كان الثقب الأسود في مركز المجرة يرافقه ثقب أسود آخر تسبب قوى جاذبيته التغيرات الملحوظة.

بملاحظة النجمS0-2 ، الذي يتم دورةً حول Sgr A* كل 16عامًا، تمكنّا من استبعاد وجود ثقب أسود ثانٍ بكتلة تفوق 100 ألف مثل كتلة الشمس، في نطاق 200 مثل المسافة بين الشمس والأرض، لأنه لو كان مثل هذا الثقب موجودًا، لاتّضح تأثيره على مدار النجم S0-2.

ولكن هذا لا ينفي وجود ثقب أسود أصغر من ذلك الحجم، إذ لن يكون بالإمكان -حال وجود مثل هذا الثقب- قياس تأثيره على مدار النجمS0-2 بدقة.

فيزياء الثقوب السوداء فائقة الكتلة

نالت الثقوب السوداء فائقة الكتلة الكثير من الاهتمام مؤخرًا، خاصةً بعد الإعلان عن صورة التقب الأسود العملاق الموجود في مركز المجرةM87 ، ورأى الكثيرون أن هذا الإعلان يمثل خطوةً جديدة نحو فهم فيزياء الثقوب السوداء.

يوفر قربنا من مركز مجرة درب التبانة -إذ نبعد عنه 24 ألف سنة ضوئية فقط- فرصةً فريدة لدراسة الخصائص الفيزيائية للثقوب السوداء فائقة الكتلة.

فمثلًا، يرغب علماء الفيزياء الفلكية أمثالي في فهم تأثير الثقوب السوداء على مراكز المجرات، ودورهم في تكوين المجرة وتطورها، وقد يعني اكتشاف زوج من الثقوب السوداء الهائلة في مركز مجرتنا درب التبانة أنها اندمجت مع مجرة أخرى أصغر في الماضي.

ليس هذا فحسب، بل لقد مكنت مراقبة النجم S0-2 العلماءَ من إجراء تطبيق لنظرية النسبية العامة لأينشتاين.

هل يحوي مركز مجرتنا ثقبًا أسود آخر؟ - هل يزجد ثقب أسود آخر في وركز مجرة درب التبانة - الثقوب السوداء فائقة الكتلة supermassive black holes

في أيار (مايو) 2018، اقترب النجم S0-2 من الثقب الأسود Sgr A* وأصبحت المسافة بينهما فقط 130 مثل المسافة بين الأرض والشمس. وفقًا لنظرية أينشتاين، المفترض أن يتمدد الطول الموجي للضوء المنبعث من النجم بسبب تأثره بجاذبية الثقب الأسود الهائل.

وبالفعل، لوحظ تمدد الطول الموجي للضوء كما توقعه أينشتاين، إذ بدا النجم أكثر احمرارًا، وبهذا ثبتت دقة نظرية النسبية العامة في وصف فيزياء مناطق الجاذبية القصوى.

نحن ننتظر بشغف الاقتراب التالي للنجم S0-2 الذي سيحدث بعد قرابة 16عامًا، من أجل اختبار المزيد من توقعات نظرية النسبية العامة، بما في ذلك تغير اتجاه مدار النجوم.

ولكن إذا كان للثقب الأسود الهائل رفيق، فقد يغير هذا النتائج المتوقعة.

إذا وُجد ثقبان أسودان هائلان يدوران في مركز المجرة، فالمتوقع أن ينتج عن ذلك موجات جاذبية gravitational waves، مثل التي رصدها سابقًا مرصد LIGO-Virgo سنة 2015، إذ رصد موجات جاذبية ناتجة عن اندماج ثقوب سوداء نجمية الكتلة ونجوم نيوترونية.

لقد مهدت هذه الاكتشافات الرائدة طريقًا جديدًا أمام العلماء لاستشعار الكون.

لكن موجات الجاذبية المحتملة ستكون ذات ترددات منخفضة، لدرجة لا يمكن الكشف عنها بواسطةLIGO-Virgo ، لكن قد يستطيع الراصد الفضائي LISA رصد هذه الموجات، وهو ما سيمكن علماء الفيزياء الفلكية من معرفة ما إذا كان الثقب الأسود في مركز مجرتنا وحيدًا أم لديه رفيق بالفعل.

اقرأ أيضًا:

ستيفن هوكينغ كان مخطئًا.. الثقوب السوداء حقًا صلعاء

ربما تخفي الثقوب السوداء نوى من الطاقة المظلمة النقية التي تجعل الكون يتوسع

ترجمة: ياسمين نصر الله

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: اسماعيل اليازجي

المصدر