قد يكون آكل النمل -وليس الأفاعي كما اعتقدنا- الحلقة المفقودة في انتقال فيروس كورونا المستجد من الخفافيش إلى الإنسان. يسابق العلماء الزمن في دراسة الفيروس الذي أصاب منذ انطلاقه في مدينة ووهان في الصين أكثر من مليون شخص إلى الآن، لفهم طريقة انتقاله وإيجاد طريقة لإيقافه. فيروس كورونا المستجد أو سارس-كوف-2 هو فيروس من منشأ حيواني؛ أي أنه كان موجودًا عند الحيوانات ثم انتقل إلى البشر. ومن التحديات المهمة التي تواجهنا الآن معرفة الحيوان الذي نقل الفيروس إلى البشر.

تحرّى بعض خبراء المعلوماتية الحيوية مصدر الفيروس وخلصوا بعد البحث إلى أن آكل النمل -وليس الأفاعي- كان المضيف الذي نقل فيروس كورونا المستجد إلى البشر. وآكل النمل هو الحيوان الوحيد من الثدييات الذي لديه حراشف على جسمه ويوجد في أفريقيا وآسيا.

لغز انتقال الفيروس من الحيوانات

اتفق العلماء منذ شهر كانون الثاني 2020 على أن فيروس كورونا المستجد نشأ في الخفافيش، لكن الخفافيش على الأغلب لم تقم بنقل الفيروس مباشرة إلى البشر حسب ما يُعرف عن الفيروسات التاجية الأخرى التي أتت من مصادر حيوانية في السابق. إذ يشتبه العلماء أن الخفاش قام بنقل الفيروس إلى حيوان آخر كان المضيف الوسيط الذي نقله لاحقًا إلى البشر.

اكتشف العلماء أن فيروس سارس-كوف وهو فيروس تاجي تسبب بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة في عام 2003 ويعتبر قريبًا مباشرًا لفيروس سارس-كوف-2، قد انتقل من الخفافيش إلى مضيف وسيط -نوع من القطط- الذي نقل العدوى إلى البشر. كذلك فإن فيروس ميرس-كوف التاجي المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية في عام 2012، انتقل إلى البشر من الخفافيش عبر الجِمال.

وتبقى هوية المضيف الوسيط في نقل سارس-كوف-2 لغزًا يسعى كثير من العلماء إلى حله من أجل إيقاف تفشي الفيروس، وذكرت دراسة سابقة أن الأفاعي قد تكون الحيوان الوسيط، مثل الكوبرا الصينية والكريت الصينية، لكن هذه الدراسة سرعان ما أثارت الشكوك؛ إذ لا توجد أي أدلة سابقة على احتمال انتقال الفيروسات التاجية من حيوان من ذوي الدم البارد مثل الأفاعي إلى البشر.

ليست الأفاعي الوسيط الذي نبحث عنه:

استند الاعتقاد السابق بأن الأفاعي هي وسيط نقل الفيروس على تحليل للتسلسل الجيني للفيروس؛ إذ يجب أن تستطيع الفيروسات والخلايا الحيوانية تحويل سلاسلها الجينية «الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسيجين DNA، والحمض النووي الريبوزي RNA» إلى بروتينات لتتمكن من العمل، وتقوم هذه البروتينات بتنفيذ الكثير من الوظائف للفيروس والخلية.

تتواجد هذه البروتينات كسلاسل متصلة من الأحماض الأمينية المفردة، وكل حمض أميني يُشَفَّر بمجموعة من ثلاث نكليوتيدات تدعى بالكودون، وهناك 64 نوعًا مختلفًا من الكودونات مقابل 20 حمضًا أمينيًا فقط، على ذلك يمكن لأكثر من كودون أن يمثّل الحمض الأميني، والكائنات المختلفة لها تفضيلات مختلفة لأي كودون تستخدم لإعطاء حمض أميني معيّن.

قد يكون آكل النمل من نقل فيروس كورونا المستجد من الخفافيش إلى الإنسان - هل انتقل فيروس كورونا إلى البشر بسبب تناول الخفافيش؟

افترضت الدراسات السابقة أنه كي يتكاثر الفيروس بفعالية داخل خلايا الحيوانات يجب أن يكون التفضيل في استعمال الكودون متشابهًا بين الفيروس والخلية المضيفة.

قارن العلماء استخدام الكودون في فيروس سارس-كوف-2 واستخدام الكودون في الحيوانات التي تواجدت في سوق الأطعمة البحرية التي تفشى منها الفيروس، ووجدوا أن للأفاعي نمطًا مشابهًا هو الأقرب في استخدام الكودون مع الفيروس، فافترضوا أن الأفاعي هي المضيف الوسيط الأكثر احتمالًا.

لكن لم تُثبت فرضيتهم أن فيروس كورونا المستجد والحيوانات المضيفة تتشارك باستخدام الشيفرات. دقّق فريق من جامعة ميشيغان هذه الفرضية وقدّم تحليلًا ممنهجًا في دراسة لاحقة، إذ قارن الفريق استخدام الشيفرات بين ثلاثة فيروسات تاجية «سارس-كوف-2 وسارس-كوف وميرس-كوف» وأكثر من 10000 نوع مختلف من الحيوانات.

وكانت النتائج مفاجئة؛ إذ وجد الفريق أن استخدام الفيروسات التاجية للشيفرات لا يحدده الحيوان المضيف، فاستخدام الشيفرات عند فيروس سارس-كو وميرس-كوف على سبيل المثال أقرب بكثير إلى استخدامها عند الضفادع والأفاعي من استخدامها عند الحيوانات المضيفة وهي قطط الزباد والجمال على الترتيب. وهذا يدل على أن تحديد الحيوان المضيف من خلال استخدام الشيفرات غير ممكن، ما يُشير إلى أن الأفاعي ليست الحيوانات المضيفة الوسيطة لفيروس كورونا المستجد.

آكل النمل قد يكون الحلقة المفقودة:

في الدراسة اللاحقة وجد العلماء أن التسلسل الجيني لفيروس من الفيروسات التاجية الذي اكتُشف في عينات من رئة أحد آكلي النمل يشبه إلى حد كبير التسلسل الجيني لفيروس سارس-كوف-2 أو فيروس كورونا المستجد؛ إذ يتشاركان ما تصل نسبته إلى 91% من التسلسل. خصوصًا بالنسبة للبروتينات الشوكية للفيروسين وهي البروتينات التي توجد على سطح الفيروسات التاجية وتستخدمها الفيروسات للالتصاق بخلايا الحيوانات.

قد يكون آكل النمل من نقل فيروس كورونا المستجد من الخفافيش إلى الإنسان - هل انتقل فيروس كورونا إلى البشر بسبب تناول الخفافيش؟

الفيروس التاجي الذي وُجِدَ في الخفافيش، وهو سلف فيروس سارس-كوف-2، يحتوي على 19 حمضًا أمينيًا مختلف على البروتينات الشوكية عن فيروس سارس-كوف-2، أما الفيروس التاجي الذي وُجِدَ في آكل النمل يختلف بخمسة أحماض أمينية فقط. وفي الوقت نفسه أظهرت العديد من البحوث العلمية الأخرى أدلة سريرية على إصابة آكل النمل بفيروس تاجي مشابه جدًا لفيروس سارس-كوف-2.

يظل آكل النمل المضيف الوسيط الأكثر احتمالًا إلا أن الدراسة لا تستبعد وجوب التحري عن حيوانات أخرى قد تكون هي صلة الوصل التي نبحث عنها؛ إذ يستطيع الفيروس التاجي استخدام أكثر من حيوان مضيف لينقل العدوى إلى الإنسان، على سبيل المثل، رغم معرفتنا أن قط الزباد هو الوسيط الناقل لفيروس سارس-كوف، إلا أن هناك حيوانات أخرى تستطيع نقله مثل كلب الراكون وغرير النمس. كمت يمكن للغرير والقطط أن تصاب بفيروس سارس-كوف-2، لكن لا نعلم حتى الآن إمكانية انتقال العدوى من هذه الحيوانات إلى الإنسان.

اقرأ أيضًا:

هل يجب أن أرتدي كمامة عند الخروج إلى الأماكن العامة؟

كيف تعالج أعراض مرض كوفيد-19 أو تخفف منها؟

هل يمكن أن تساعد هذه الطريقة القديمة الأطباء على مواجهة العدوى بفيروس كوفيد-19

ترجمة: زياد الشاعر

تدقيق: وئام سليمان

المصدر