تسبب العوامل الجوية القاسية كالبرق والأمطار الغزيرة والعواصف القوية وغيرها من الظروف المناخية العديد من المشكلات، مثل انقطاع التيار الكهربي، وسقوط خطوط الطاقة الكهربية، وقذف أجسام نحو الخطوط الهوائية ، وازدياد التدفق الكهربي في المعدات الملحقة بالخطوط الكهربية، أو تلف مواد العزل.

ومع ازدياد اعتمادنا على المعدات الكهربية والتكنولوجية، أصبحت فكرة غياب الكهرباء أمرًا مثيرًا للقلق أكثر من ذي قبل، إذ قد يسبب قضاء ساعات أو أيام في الظلام في أثناء العاصفة حالات من الهلع والهيستيريا. سنة 1977 انقطعت الكهرباء عن مدينة نيويورك نحو 25 ساعة، ما سبب حدوث أكثر من 1000 حريق، ونهب أكثر من 1500 متجر.

مع أن بعض المناطق حول العالم تعاني حوادث مناخية قاسية أكثر من سواها، فإن جميع بلدان العالم لا تكاد تخلو من تجربة انقطاع التيار الكهربي نتيجةً للطقس القاسي في وقت ما، ويقودنا ذلك إلى تساؤل: لماذا ما زالت العواصف القوية قادرة على قطع الكهرباء رغم التطور التقني، وإدراكنا مخاطر انقطاع التيار؟

أنظمة خطوط الطاقة

سنذكر فيما يلي مقدمةً مُختصَرة لنظام النقل والتوزيع الكهربي، بهدف تبسيط المقال لمن ليس على دراية بآلية وصول التيار الكهربي إلى المنازل:

تُنتَج الطاقة في محطات توجد عادةً بعيدًا عن مراكز المدن، وتستخدم الرياح أو الفحم أو الماء أو الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة الكهربية الضرورية. يندفع التيار المتولد عبر محولات بجهد عال، ما يجعله قادرًا على السفر طويلًا عبر خطوط التحويل عبر البلاد.

وبعد أن يقطع التيار الكهربي هذه الرحلة الطويلة، يمر عبر محطة فرعية حيث يُخفَض الجهد الكهربي، ثم يُوزع على خطوط كهرباء محلية أصغر، هي التي نراها تملأ شوارع الضواحي بشكلها المنتظم، إذ ينتقل التيار عبر خطوط التوزيع هذه إلى محولات، تتحكم بعد ذلك بالجهد لتجعله آمنًا وملائمًا ليدخل إلى منزلك، وفي النهاية يصل التيار الكهربي إلى لوحة الخدمة الخاصة بك لتُوزَّع على الأسلاك ومقابس الحائط لديك، لتغذي جميع أجهزتك.

لماذا ينقطع التيار الكهربي في أثناء العواصف والظروف المناخية القاسية - ازدياد التدفق الكهربي في المعدات الملحقة بالخطوط الكهربية

يمثل السيناريو السابق نموذجًا تقليديًّا لنظام خطوط التيار فوق سطح الأرض، وهو أول ما يتبادر إلى الذهن عند انقطاع التيار: سقوط خطوط الكهرباء واشتعال الشرر في الشارع، لكن في الواقع يوجد احتمال آخر، وهو الخطوط الأرضية التي يسري التيار الكهربي فيها بنفس الطريقة تمامًا (فيما يخص نقاط البداية والنهاية)، لكن تحدث هذه الرحلة في الأسلاك المدفونة تحت الأرض، بدلًا من الأسلاك المُعلقة على أعمدة الكهرباء العلوية.

لكلا النظامين مزايا وعيوب، ستتضح بعد أن نناقش تأثيرات المناخ القاسي في نظام النقل والتوزيع الكهربي.

تأثير المناخ القاسي على نظام الطاقة الكهربية

عندما تهب العاصفة، نستعد عادةً بالشموع، لأن العاصفة ستترافق على الأرجح مع انقطاع التيار الكهربي، لكن نظرًا إلى المهمة الهائلة المتمثلة في نقل التيار الكهربي عبر مئات أو آلاف الأميال لتزويد ملايين المنازل بالطاقة، ما زال يبدو غريبًا أن شيئًا بسيطًا مثل عاصفة مُمطرة قد يسبب تعطل النظام.

المُفترَض أن خطوط الطاقة مُصممة لحماية شبكة الكهرباء والمنطقة المحيطة بها، لكن ربما هي ليست بالكفاءة التي تبدو عليها، فمثلًا تترافق أكثر العواصف مع رياح قوية، ما قد يسبب تمايل الأشجار وتكسر الأغصان، وإذا لمس غصن شجرة خطوط الطاقة عالية الجهد، ينقطع التيار آليًّا، ولن يعود مجددًا حتى تنتهي حالة التماس، وذلك لمنع تبدد التيار الكهربائي، أيضًا إذا انكسر أحد الفروع وسقط على أحد خطوط الطاقة، فستنقطع الكهرباء حتى حل المشكلة، وأحيانًا قد تكون الرياح سيئة لدرجة إسقاط الخطوط، أو إسقاط شجرة بأكملها، ساحبةً الخطوط معها، ولتجنب ذلك تلجأ البلدية إلى قطع الأشجار القريبة من خطوط الكهرباء.

وإلى جانب الرياح، قد يسبب هطول الأمطار كوارث على خطوط الكهرباء، إذ قد تسبب الأمطار الغزيرة المستمرة إتلاف مواد العزل كالبطانات والمحولات، أو أن تسبب انصهار المنصهرات، وفقدان الطاقة.

وقد يؤدي التلف المادي الناجم عن فروع الأغصان وحبات البَرَد، أو التآكل التدريجي بمرور الوقت إلى حدوث تشققات وكسور تجعل الماء يتسرب ويسبب حدوث أضرار.

وللثلوج والعواصف الجليدية النصيب الأكبر من الخطورة، إذ قد تلتصق الثلوج عند هطولها بغزارة بخطوط الطاقة وتزيد الثقل عليها، ما قد يؤدي أحيانًا إلى قطع الكابلات بالكامل.

يؤثر البرق أيضًا في الأجسام المعدنية المرتفعة، ومن الشائع أن تتعرض خطوط الطاقة للبرق، ما قد يزيد تدفق التيار، ومن ثم زيادة حمولة المحولات المحلية، والتسبب في مشكلات كبيرة في الطاقة، ورغم قيام العمال المحليين بتقليم الأشجار بعناية كبيرة، فكثيرًا ما تسقط الأشجار التي ضربها البرق على خطوط الكهرباء القريبة، مسببةً انقطاع التيار الكهربي.

نظرًا إلى كل ما سبق، تبدو الخطوط الأرضية هي الآمن، لكن الفيضانات والأمطار الغزيرة قد تسبب حدوث مشكلات في خطوط الطاقة الأرضية أيضًا، لا سيما تلف أنظمة العزل وتسرب المياه.

وبالحديث عن المزايا فإن إحدى مزايا الأسلاك الموجودة فوق سطح الأرض هي سهولة تحديد منطقة العطل والوصول إليها، في حين يصعب ذلك في الخطوط الأرضية.

ورغم صعوبة صيانة هذه الخطوط، ما زالت الخطوط المدفونة مُفضلةً في المناطق المُعرضة للأعاصير، وتمثل التكلفة العالية العقبة الوحيدة لذلك، إذ يُعَد تركيب خطوط الكهرباء الأرضية والوصول إليها وإصلاحها أكثر تكلفةً بكثير من تركيب أعمدة كهربائية تقليدية، لذلك فرغم مزايا الخطوط الأرضية، يجعلها ارتفاع التكلفة أقل شعبيةً مما نتوقع.

خاتمة

إن إنشاء شبكة كهرباء تمتد مئات أو آلاف الأميال، وتوزيعها وصيانتها مهمة شاقة، ومثيرة للإعجاب في آن، ويجب التحلي بالصبر عند التعرض للظروف المناخية القاسية، لأن نظام النقل والتوزيع الكهربي في أي بلد مُعرض للضرر في وقت ما، سواءً كانت هذه الأسلاك فوق الأرض أو أسفلها، وسواءً جرى تطويرها باستمرار أم لا، سيبقى انقطاع التيار الكهربي جزءًا من حياتنا، والملهم الرئيسي لصناعة الشموع!

اقرأ أيضًا:

لماذا لا تطمر خطوط الطاقة الكهربائية في الأرض بدلًا من رفعها على الأعمدة؟

ماذا سيحدث اذا لم يعد التيار الكهربائي يتدفق ، بل يتقطر بدلا من ذلك ؟

ترجمة: م. دلال الشماع

تدقيق: سمية المهدي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر