كانت ليلى، ابنة العام الواحد، تحتضر من سرطان الدم بعدما فشلت كل سُبُل العلاج التقليدية معها. حيث كان أهلها يكافحون لكي يجدوا لها أسلوبًا جديدًا للعلاج في مستشفى شارع أورموند الكبير Great Ormond Street Hospital في لندن. وبالفعل حصل أطباء ليلى على الإذن لاستخدام شكل علاجي تجريبي عليها يتضمن علاج الجينات بواسطة خلايا مناعية مُعدلة من شخص سليم. في خلال شهر تمكنت تلك الخلايا من قتل السرطان في نخاع عظم ليلى. أكد الأطباء في المؤتمر الذي أُقيم في الخامس من نوفمبر أنه من المبكر الحزم بأن ليلى قد شُفيت تمامًا. وأن هذا سيتضح أكثر بعد عام أو اثتنين. ولكنها الآن قد تحسنت بشدة ولاتوجد علامات على أن السرطان قد يعود. يوجد مرضى آخرون يتلقون نفس العلاج حاليًا.

 

تم تشخيص ليلى بسرطان الدم الليمفاوي الحاد Acute Lymphoblastic Leukemiaحين كان عمرها ثلاثة أشهر، وهو مرض تقوم فيه الخلايا السرطانية في نخاع العظم بإطلاق عدد هائل من الخلايا المناعية الغير ناضجة إلى الدم. تم أخذ ليلى إلى المستشفى فورًا لكي تتلقى العلاج الكيميائي المُتعارف عليه، وبعده تتلقى زرع نخاع عظم لإعادة جهازها المناعي لحالته الطبيعية.

 

في الأطفال الكبار في السن يكون هذا العلاج ناجحًا، لكن في حالة ليلى فإن معدل الشفاء 25% فقط. كانت ليلى أحد الـ75% الغير محظوظين، حيث كانت الخلايا السرطانية موجودة بعد العلاج الكيميائي. وبالرغم من هذا، تم السماح بنقل نخاع العظم إليها على أمل حدوث تفاعل بين النخاع المزروع والأساسي يؤدي إلى القضاء على النخاع الأساسي المُصاب بالسرطان. ولكن فشل هذا أيضًا.

 

في خلال شهرين، كانت ليلى قد عادت للمرض. في هذه المرحلة كان الأمر شبه ميئوسٍ منه، تم إخطار أهل الطفلة بأنه لايوجد المزيد مما يمكنهم فعله ولكن الأهل أصروا على الاستمرار بالبحث عن طرق علاجية. قام فريق الأطباء بمراسلة وسيم قاسم Waseem Qasim من جامعة لندن، الذي كان يطور علاج جيني للسرطان.

 

الفكرة الأساسية هي أن يتم إزالة الخلايا المناعية من جسد المريض، ثم إعادة برمجتها جينيًا لمهاجمة الخلايا السرطانية، ثم إعادة وضع تلك الخلايا المُعدلة إلى الجسد مرة أخرى. توجد العديد من التجارب السريرية إزاء هذا الأمر تتم حاليًا حول العالم. بعض هذه التجارب تتضمن إضافة جين لمُستقبل بروتيني يُعرف باسم CAR19 ويوجد على سطح خلايا T حيث يقوم هذا المُستقبل بدفع خلايا T للبحث عن وقتل أي خلية تحتوي على البروتين CD19 على سطحها. هذا البروتين الأخير CD19 يوجد على سطح الخلايا التي تتسبب في سرطان الدم الليمفاوي الحاد Acute Lymphoblastic Leukemia.

 

ولكن برمجة خلايا T لكل مريض سرطاني ليس أمرًا رخيصًا. وفي حالة ليلى، لم يكن لينجح الأمر بسبب أنها لم تمتلك العديد من خلايا T متبقية لكي يتم تعديلها بعد خضوعها للعلاج الكيميائي. لقد كانت صغيرة جدًا وضعيفة جدًا. لذا قام فريق قاسم بالابتكار وأحضروا خلايا T من مُعطي سليم وقاموا بتعديلها لكي يصبح من الممكن حقنها في مئات المرضى. من الطبيعي أنه إذا تم حقن خلايا T من مُعطي إلى مُستقبل غير ملائم، فستقوم خلايا T بالتعرف على خلايا المُستقبل على أنها غريبة وستهاجمها. لمنع هذا، قام فريق قاسم بتعطيل جين في خلايا المُعطي مسئول عن التعرف على الخلايا الأخرى على أنها غريبة.

 

العلاج الجيني المُتعارف عليه حاليًا يقوم بإضافة جينات إلى الحمض النووي الريبوزي DNA. ولكن بتعديل الجينات، فإن تتابعات معينة من الـDNA يمكن قطعها بواسطة (مقصات جزيئية)، مما يتسبب في خلق طفرات جينية داخل الجين المحدد. مقصات قاسم الجزيئية كانت نوع من بروتينات TALEN. ولكن كانت هناك مشكلة أخرى؛ فخلايا المُستقبل ستتعرف على خلايا المُعطي على أنها غريبة وستهاجمها. ولكن هذه ليست مشكلة في مرضى سرطان الدم لأنهم يتعاطون أدوية تقوم بتدمير جهازهم المناعي. ولكن أحد تلك الأدوية كان جسدًا مضادًا يستطيع تدمير خلايا T الجديدة. لذا قام فريق قاسم بتعطيل جين آخر في خلايا T مما أدى إلى جعلها غير مرئية بالنسبة لذلك الدواء.

 

بحلول الوقت الذي اتصل فيه أطباء ليلى بقاسم، كان بحوزة قاسم خلاياه المعدلة التي أسماها UCART19 والتي قام بتطويرها بالتعاون مع شركة نيويورك Cellectis، وتم تجربتها فقط في الفئران. كان من المخيف تجربة هذا العلاج على بشري لأول مرة، وخاصةً طفلة، ولكن أهل ليلى كانوا متأكدين من رغبتهم في حصولها على فرصة التجربة. كانت ليلى مريضة وكان على أهلها أن يفعلوا شيئًا. ولقد نجح ذلك في خلال أسابيع. هذه فقط المرة الثانية التي استُخدِمَت فيها الخلايا المُعدلة جينيًا على البشر. المرة الأولى تضمنت تعديل خلايا T في المصابين بمرض HIV لجعلهم أكثر مقاومةً للفيروس، ولكن في المرة الأولى لم يكن المُشاركين في التجربة على حافة الموت مثل ليلى.

 

المقصات الجزيئية التي تقوم بقطعٍ لتعديل الجينات تفعل ذلك عن طريق خلق قطع في الأماكن الخاطئة، مما يحمل خطر التسبب في أعراض جانبية مثل تحول الخلايا لأورام. ولكن بعد ثلاثة أشهر، تم إعطاء ليلى نخاع عظمي جديد لإعادة صحة جهازها المناعي. تعرفت هذه الخلايا المناعية السليمة على UCART19 على أساس أنه غريبٌ عن الجسد وقامت بتدميره، مما جعل ليلى خالية من الخلايا المُعدلة جينيًا داخل جسدها وبالتالي خالية من الخطر السرطاني تمامًا.

 

ستستمر ليلى بالخضوع لاختبارات دورية للتأكد من زوال السرطان. ومن المبكر الحزم بشفائها، ولكنها حية ومعافاة.

 

من المُخطط أن يتم بدء التجارب السريرية لـCellectis في بداية 2016. ويوجد مرضى حاليًا يتم علاجهم بهذه الخلايا، ولكن قاسم لم يقم بكشف أية تفاصيل أخرى. سيقوم الفريق بتقديم هذه الحالة في مؤتمر مجتمع طب الدم في فلوريدا في ديسمبر.


 

المصدر