«لا أريد أن أبقى على قيد الحياة، لكني أخاف الموت». كتبت هذا في غوغل منذ عام مضى بينما كانت يداي ترتجفان خوفًا من معنى ما كتبته. لم أرد أن أكون حيًا أو موجودًا بعد الآن، لكنني في نفس الوقت، لم أرغب حقًا بالموت.

شعرت بالأنانية وأنا أكتب ذلك، فكرت في كل الأشخاص الذين راودتهم أفكار انتحارية، وقلقت أيضًا لأنني قلّلت من احترام الأشخاص الذين خسروا أرواحهم نتيجة الانتحار. وتساءلت أيضًا إذا ما كانت تصرفاتي مبالغة.

كبست مفتاح الإدخال على أي حال وأنا يائس من إيجاد جواب لمشاعري، لكنني تفاجأت عندما كانت نتائج البحث مطابقةً لسؤالي الواحدة تلو الأخرى.
قرأت الأولى: «لا أريد الموت، لكنني لا أريد أن أكون موجودًا». ثم أخرى: «لدي أفكار انتحارية لكنني لا أريد أن أموت».

ثم أدركت أنني لا أتصرف بسذاجة، أنا لست أحمقًا أو كئيبًا أو مهووسًا بالاهتمام، فيوجد العديد من الأشخاص الذين يشعرون تمامًا مثلي، وللمرة الأولى لم أشعر بالوحدة.

على الرغم من ذلك فإن مشاعري بقيت كما هي، شعرت بالبعد عن نفسي والعالم وبدت حياتي وكأنها بوضع الطيار الآلي autopilot (أي بتحكم تلقائي).

كنت واعيًا بوجودي، لكنني لم أكن أشعر به فعلًا شعرت وكأنني قد انفصلت عن نفسي، وكأن جزءًا مني يراقب جسدي وهو يتحرك فحسب. كان الروتين اليومي مثل الاستيقاظ، وترتيب السرير والعمل خلال النهار أشبه بفعل آلي. كنت في علاقة سامة وأعاني من اكتئاب شديد. أصبحت حياتي تكرارًا، وبطرق عديدة أيضًا، غير محتملة.

سألت نفسي عن المغزى من ذلك. لماذا أستمر بالعيش إن لم أكن أشعر حقًا بالحياة؟

بدأت بتخيل كيف ستكون حياة الناس دوني، وتساءلت عمّ سيحدث بعد أن أموت، وجدت نفسي محاطًا بالأفكار الدخيلة والمشاعر الانتحارية والرغبة في إيذاء ذاتي، ومشاعر اليأس.

لكن أمرًا واحدًا ناقض هذا كله: «كنت خائفًا من الموت».

خطرت لي الكثير من الأسئلة حين فكرت بجدية بإنهاء حياتي.

أفكر بالانتحار لكن أخاف الموت، لماذا أشعر بذلك - التقليل من احترام الأشخاص الذين خسروا أرواحهم نتيجة الانتحار - فكرت بإنهاء حياتي

ماذا لو حاولت الانتحار وباءت محاولتي بالفشل؟ ماذا لو سار كل شيء على ما يرام، لكنني في اللحظات الأخيرة أدركت أن ما أقوم به خطأ وندمت على ذلك؟ ما الذي يحدث بعد الموت؟ ماذا سيحل بالأشخاص من حولي؟ هل أستطيع فعل هذا بعائلتي؟ هل سيفتقدني أحد؟

ثم تقودني هذه الأسئلة في النهاية إلى قولي «هل أريد حقًا أن أموت؟»

كان الجواب في أعماقي هو النفي ولهذا تمسكت بذلك البصيص من عدم اليقين، كلما فكرت بإنهاء حياتي ، إذا كان هذا المقدار القليل من القلق ما يزال موجودًا، فيحتمل أنني أتخذ القرار الخاطئ.

كانت هناك فرصة لوجود جزء مني يؤمن أن الأمور قد تأخذ منحنًا جيدًا.

ولكن ذلك لن يكون سهلًا، فقد أخذت الأمور تسوء لمدة طويلة. كنت أعاني من اضطراب قلق شديد ناجم عن اضطراب ما بعد الصدمة لشهور عدة، ما تفاقم إلى نوبات هلع يومية. كنت أعاين إحساسًا دائمًا بالفزع في معدتي، وصداع التوتر، وارتعاش الجسم، والغثيان.

كان هذا الشعور يخيّم على حياتي طوال فترة طويلة إلى أن تغلب عليّ فجأةً:

وذلك عندما أصبح إحساسي خدرًا، كان هذا الإحساس نقطة تحول كبيرة، إذ انتقلت من الشعور بكل شيء في الوقت ذاته إلى عدم الشعور بأي شيء إطلاقًا.

ولأكون صريحًا، أعتقد أن العدم كان أسوأ، جعلني العدم مقرونًا بالرتابة اليومية والعلاقة السامة، أشعر أن حياتي عديمة القيمة. لجأت في نهاية المطاف إلى غوغل، لم يشرح أحد كيفية التعامل مع التفكير الانتحاري خصوصًا عندما لا تود حقًا الموت.

أدركت وأنا أمر بمنشور تلو الآخر بأن الكثير من الأشخاص تفهموا الأمر، الكثير من الأشخاص تفهموا شعور عدم الرغبة بأن تكون موجودًا ولكن عدم الرغبة بالموت.

كلنا كتبنا نفس السؤال ونحن نتوقع نفس الأمر: الأجوبة، والأجوبة تعني أننا نود أن نعلم كيف نتصرف مع مشاعرنا بدلًا من إنهاء حياتنا.

أعطاني هذا الإدراك الأمل، أخبرني بأنه لو كان هؤلاء الأشخاص ما يزالون موجودين -على الرغم من امتلاكهم كل هذه المشاعر- فبإمكاني البقاء والنجاة أيضًا:
أو ربما، هكذا كنت آمل، وهذا يدل على رغبتنا الدفينة بالاستمرار ورؤية إذا كانت الأمور ستتحسن، وأننا نستطيع فعل ذلك.

ازدحم عقلي بالقلق واليأس والرتابة، وبالعلاقة التي تستنزفني ببطء، وعندها شعرت بالإحباط والخدر والخواء فأنا لم أحاول أن أقف جانبًا لأمعن النظر بالطريقة التي قد تتحسن بها الأمور عندما تحاول أن تُحدث تغييرًا.

السبب في أني كنت موجودًا على حد اعتقادي هو لأنني كنت فعلًا كذلك، كنت في حالة مزرية وعالقًا في هذا الوضع لكنني لم أمعن النظر في حياتي وأحللها لأكتشف السبب.

لا يسعني القول بأن كل شيء تغير في يوم واحد، لكنني بدأت بإحداث تغييرات، فبدأت بزيارة طبيب نفسي ساعدني على اكتساب منظور جديد وانتهت علاقتي السامة، كنت مفجوعًا لحدوث ذلك، لكن سرعان ما تحسنت الأمور حالما بدأت بممارسة استقلالي.

نعم، ما زلت أستيقظ كل صباح وأرتب السرير، لكني أملك بقية النهار بين يديّ، وببطء وثبات بدأ ذلك يشعرني بالحماس، أعتقد أن جزءًا مهولًا من شعوري بأن حياتي هي مجرد نوع ما من الوجود ينبع من كونها سهلة التوقع وذات نمط محدد، والآن بما أن ذلك بات من الماضي، فإن كل شيء يبدو جديدًا ومشوقًا.

بمرور الوقت شعرت بأنني على قيد الحياة مجددًا، وعلى وجه التحديد أشعر أنني امتلكت وأمتلك الآن حياةً تستحق العيش.

ما زلت أعاني من الأمراض العقلية، توجد أيام سيئة، وأنا أدرك أنه دومًا ستوجد أيام سيئة:

لكن معرفتي بأني اجتزت هذه الفترة العصيبة في حياتي تعطيني الحافز لتجاوز أي لحظات سيئة أخرى، إنها تمنحني القوة والإصرار لأمضي قدمًا.

وعلى الرغم من المشاعر التي راودتني في تلك الفترة، فأنا سعيد لأنني كتبت ذلك السؤال في غوغل وسعيد لمعرفتي بأني لست وحيدًا، أنا سعيد لوضع ثقتي في ذلك القلق الذي راودني عندما فكرت بإنهاء حياتي لأن ذلك القلق وجهني لأعيش حياةً سعيدة.

ما أريد منك معرفته – خصوصًا إذا كنت مثلي ووجدت نفسك هنا بواسطة بحث في غوغل أو عنوان جذب اهتمامك في الوقت الصحيح- هو هذا: «مهما شعرت بالوحدة أو بالسوء، اعلم رجاءً أنك لست وحيدًا في هذا».

لن أخبرك بأن ذلك ليس شعورًا مروعًا ومخيفًا، أعلم هذا جيدًا، لكني أعدك بأن الأمور غالبًا ستتحسن، وليس عليك إلا التمسك بذلك الشك مهما كان صغيرًا، ذلك الشك موجود لسبب: «جزء كبير منك يعرف بأن حياتك لم تنته بعد».

ومن تجربتي أستطيع التأكيد بأن ذلك الشعور الصغير الملحّ يخبرك الحقيقة، يوجد مستقبل سيكون ممتنًا لك أنك أنصت.

اقرأ أيضًا:

ما سبب زيادة نسب الانتحار بين المراهقين؟

هل يسبب الإجهاض زيادة خطر الانتحار عند النساء

ترجمة: ربا كيال

تدقيق: سميّة بن لكحل

مراجعة: آية فحماوي

المصدر