يعرف الفلكيون أن مجرتنا ستصطدم بمجرة أندروميدا (مجرة المرآة المتسلسلة) في وقت ما في المستقبل. وكان أفضل توقع لهذا الموعد المرتقب بعد نحو 3.75 مليار سنة من الآن. لكن اعتمادًا على بيانات تلسكوب غايا التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، تكشف دراسة جديدة بعضًا من الغموض الذي يكتنف هذا التصادم المستقبلي.

اتضح أننا كنا مخطئين بشأن تاريخ اصطدام مجرتنا بمجرة أندروميدا - مجرة المرآة المتسلسلة - التصادم المستقبلي لمجرتنا مع مجرة أخرى

سيكون التصادم بين مجرتي درب التبانة وأندروميدا تصادمًا شاملًا، إذ تُعَد المجرتان جزءًا مما يُعرَف بالمجموعة المحلية، التي تحتوي عضوًا ثالثًا كبيرًا، هو مجرة المثلث (م-33). تحتوي المجموعة المحلية عدة مجرات أخرى، وتشكل المجرات الثلاث المذكورة أكثر كتلة المجموعة، وهي بالترتيب من الأكبر كتلةً إلى الأصغر: مجرة أندروميدا، تليها مجرة درب التبانة، ثم مجرة المثلث.

مجموعة المجرات المحلية، تتضمن مجرتي أندروميدا ودرب التبانة

مجموعة المجرات المحلية، تتضمن مجرتي أندروميدا ودرب التبانة

تتكون المجموعة المحلية من أكثر من 54 مجرة مختلفة، ومع ذلك فأكثرها مجرات قزمة، إذ ترتبط جاذبية المجموعة المحلية بالمجرات الثلاث الكبرى، ويقع مركز جاذبية المجموعة في مكان ما بين مجرتي درب التبانة وأندروميدا.

ورغم توقع حدوث التصادم، ما زال الحدث يكتنفه بعض الغموض. وُجد الدليل المرئي على حدوث التصادم من طريق تلسكوب هابل الفضائي والعديد من التلسكوبات الأرضية الأخرى، مثل مصفوفة التلسكوبات الأرضية.

من طريق تلك البيانات، استطاع الفلكيون معرفة القليل عن كيفية تغير مدارات مجرتي أندروميدا ومجرة المثلث. فهما مجرتان حلزونيتا الشكل، مثل مجرة درب التبانة، وتبعدان عنا نحو 2.5 – 3 ملايين سنة ضوئية. وهما متقاربتان بما يكفي لاحتمالية حدوث تفاعل من طريق الجاذبية بينهما، ما يناقض توقعات التصادم، وهنا يأتي دور مهمة وكالة الفضاء الأوربية والتلسكوب غايا.

يقول مؤلف الدراسة رولاند فان دير مارل من معهد العلوم لتلسكوبات الفضاء في بالتيمور: «لقد احتجنا إلى استكشاف حركة المجرات في مستوى ثلاثي الأبعاد لمعرفة كيف تنمو وتتطور، وما الذي خلق ميزاتها وسلوكها، وبم تتأثر، وقد تمكنا من ذلك باستخدام المجموعة الثانية عالية الدقة من بيانات تلسكوب غايا».

تُنشئ مهمة غايا خرائط ثلاثية الأبعاد لمجرة درب التبانة وأجزاء من مجموعة المجرات المحلية. فعندما يعطينا تلسكوب هابل مثلًا رؤيةً جانبيةً لعدد من مجرات المجموعة المحلية، فهو لا يعطينا القياسات الدقيقة لمواقع النجوم وحركتها. وهذا هو هدف مهمة غايا.

يضيف مارك فاردال، الباحث المشارك في الدراسة: «درسنا بيانات مهمة غايا لنتعرف على آلاف النجوم في المجرتين، ودرسنا كيف تتحرك هذه النجوم في مواقعها المجرية، ومع أن مهمة غايا تهدف أساسًا إلى دراسة مجرة درب التبانة، يمكن بسبب طاقتها الكبيرة توجيهها نحو النجوم الساطعة الكبيرة في مناطق ولادة النجوم في المجرات القريبة».

عندما استخدم الفلكيون سابقًا تلسكوب هابل ومراصد أخرى لدراسة حركة المجرات الثلاث في المجموعة المحلية، وجدوا احتمالين: إما أن مجرة المثلث تدور في مدار طويل بدرجة لا تُصدق، يصل إلى 6 مليارات سنة ضوئية حول مجرة أندروميدا، بعد أن كانت ملتصقةً بها في الماضي، وإما أنها حاليًا في طريقها إلى الالتصاق بها. وكل سيناريو يعطينا مسارًا مداريًا مختلفًا، ومن ثم تاريخ ولادة ومستقبل مختلف لكل مجرة.

استفاد الفلكيون كثيرًا من بيانات مهمة غايا، إذ لم يقتصر الأمر على استنتاج حركة المجرات عبر الفضاء، بل حساب معدل دورانها أيضًا. فلطالما كانت معرفة بيانات معدل الدوران موضع اهتمام، منذ أن بدأ الفلكيون دراسة ولادة المجرة وتطورها قبل مئة عام، وحتى المهمة الحالية.

يقول رولاند: «تطلّب الأمر مرصدًا متطورًا للقيام بذلك، وقد تمكنا أخيرًا وللمرة الأولى من حساب معدل دوران المجرتين في الفضاء. اعتاد الفلكيون رؤية المجرات بوصفها عوالم عنقودية، إذ كان من المستحيل فصلها إلى مجرات منفردة، لكننا نستطيع فعل ذلك الآن. لقد استغرق الأمر مئة عام لتتمكن مهمة غايا أخيرًا من حساب معدل الدوران الصحيح لجارتنا الاقرب، أندروميدا. وسيساعدنا ذلك على معرفة الكثير عن طبيعة المجرات».

قارن الباحثون في هذه الدراسة بين البيانات القديمة وبيانات مهمة غايا، لخلق صورة أدق لكيفية تحرك مجرة أندروميدا ومجرة المثلث في الفضاء. واستطاعوا أخيرًا عرض هذه الحركة منذ مليارات السنين، وحركتها المتوقعة في المستقبل أيضًا.

مسارات المجرات الثلاث

مسارات المجرات الثلاث

أكدت الدراسة المزيد من المعلومات التي كانت معروفة سابقًا عن مجرتي درب التبانة وأندروميدا. توضح الدراسة أن التصادم بينهما لن يكون تصادمًا حرفيًا، بل عدة اصطدامات خاطفة (لمزيد من الدقة، سيكون تفاعلًا متذبذبًا من طريق الجاذبية، أو تفاعل المد والجزر، إذ من غير المحتمل أن يحدث تصادم بين النجوم أو الكواكب). ولن يكون التصادم بعد 3.75 مليار عام من الآن كما كان متوقعًا من قبل، بل بعد نحو 4.5 مليار عام!

تلقي هذه الدراسة وبيانات مهمة غايا الضوء على كيفية تكون المجرات الثلاث الضخمة وتطورها. يضيف تيمو بروستي مدير مشروع غايا: «هذه البيانات مهمة لتعزيز معرفتنا حول كيفية تفاعل المجرات وتطورها، إذ نرى ميزات غير عادية في مجرتي المثلث وأندروميدا، مثل العواصف الشاذة، وذيول الغاز والنجوم. وإذا لم تكن المجرتان التقتا سابقًا، فمن غير المتوقع أن تخلقهما قوى الاندماج، على أمل أن تكون المجرتان قد تكوّنتا بالتفاعل مع مجرات أخرى، أو من طريق ديناميكية الغاز في المجرات نفسها».

اقرأ أيضًا:

اكتشاف مفاجئ يظهر أننا مخطئون تمامًا في تقدير حجم مجرة أندروميدا

أندروميدا قتلت والتهمت مجرةً أخرى

ترجمة: فارس بلول

تدقيق: عبد الرحمن عبد

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر