تُمثل المستعرات إحدى الحلقات الدرامية في حياة النجوم الثنائية، وهو انفجار من الضوء الساطع قد يستمر أسابيع بل شهور.

ومع أنها ليست نادرة الحدوث كليًا، إذ تُرصَد في مجرة درب التبانة 10 مرات سنويًا، لم يتمكن الفلكيون من مشاهدتها بالكامل منذ لحظة ولادتها حتى موتها إلى أن حدث الاكتشاف الأخير.

تنشط المستعرات في النظام النجمي الثنائي المتقارب، عندما يصل أحد النجمين إلى مرحلة العملاق الأحمر، مخلفًا ما يُعرف بالقزم الأبيض، وعندما يصبح القزم الأبيض قريبًا من النجم الثاني المصاحب له، تسحب قوى الجاذبية الهائلة للقزم الأبيض المواد -أكثرها من الهيدروجين- من النجم المقابل.

يتراكم الهيدروجين على سطح القزم الأبيض مشكلًا غلافًا جويًا رقيقًا، ويُسخن القزم الأبيض الهيدروجين، فيرتفع ضغط الغاز للغاية مُفعلًا الاندماج النووي، ويكون الاندماج سريعًا خاطفًا.

للمرة الأولى يتمكن الفلكيون من رصد المستعرات من لحظة ولادتها حتى مماتها - انفجار من الضوء الساطع قد يستمر أسابيع بل شهور - موت النجوم

عند تفعيل الاندماج السريع، يمكن رؤية الضوء، ويُطرَد الغلاف الجوي الهيدروجيني إلى الفضاء بعيدًا عن القزم الأبيض.

اعتقد الفلكيون قديمًا أن هذه الأضواء الساطعة نجوم جديدة، لذلك أصبح مصطلح (المستعر) مرتبطًا بولادة نجوم جديدة، أما الآن فيُطلق على تلك العملية اسم (المستعر التقليدي)، وقد يُعاد إنتاج المستعرات مرةً أخرى حال تكرر العملية.

يُعَد هذا الحدث نشطًا للغاية، فهو لا يصدر ضوءًا مرئيًا فحسب، بل ينتج أيضًا أشعة غاما والأشعة السينية، ويمكن مشاهدة بعض النجوم -التي لا يمكن رؤيتها إلا باستخدام التلسكوب- بالعين المجردة خلال فترة نشاط المستعرات.

كل هذه المعطيات مقبولة على نطاق واسع في علم الفلك والفيزياء الفلكية، لكن أكثرها نظري.

كان بعض الفلكيين محظوظين بما فيه الكفاية ليتمكنوا من رصد العملية بالكامل، باستخدام تجمع الأقمار الصناعية النانوية المُسمى (مستكشف الأهداف الساطعة) ليثبتوا هذه النظرية.

مستكشف الأهداف الساطعة هو تجمع للأقمار الصناعية النانوية، مُصمَّم لاستكشاف التشكيل النجمي وتطور النجوم الألمع في السماء وتفاعلها مع محيطها.

تدور هذه الأقمار في المدار الأرضي المنخفض، ما يسمح لها باستكشاف أجزاء معينة من السماء، ويدير هذا البرنامج خبراء من النمسا وبولندا وكندا بالتنسيق فيما بينهم.

رُصد المستعر للمرة الأولى بالصدفة، إذ ظل المستكشفون بضعة أسابيع يراقبون 18 نجمًا في تجمع كارينا النجمي، وفي أحد الأيام ظهر أمامهم نجم جديد.

وجد راينر كوشينج مدير عمليات مستكشف الأهداف الساطعة هذا المستعر في أثناء عملية رصد يومية اعتيادية، وقال: «ظهر هذا النجم فجأةً في السجلات، ولم يكن موجودًا في اليوم السابق. إنه أمر لم أشهده على مدار سنوات في هذه المهمة».

وقال فيرنر فايس من قسم فيزياء الفلك في جامعة فيينا، في حديثه عن أهمية الاكتشاف: «لكن ما سبب انفجار نجم لم يكن ظاهرًا فيما سبق؟ لم نتوصل إلى حل مُرض لتلك المسألة حتى الآن».

أعطى انفجار النجم المستعر(V906) في تجمع كارينا النجمي الباحثين بعض الأجوبة، وأكد صحة بعض المبادئ النظرية حول المستعرات.

رصد المسح الآلي للمستعرات العظمى في السماء النجم المستعر (V906) لأول مرة، لحسن الحظ ظهر هذا النجم في الجانب الذي كان يراقبه المشروع من السماء وقتها، لذلك صارت البيانات التي توثق دورة حياة هذا المستعر موجودةً ضمن بيانات المستكشف.

قال أوتو كوديلكا، مدير القمر الصناعي (تاغ سات) التابع للمشروع: «من المدهش أن أقمارنا الصناعية تمكنت من رصد هذا المستعر قبل ثورانه الفعلي، وحتى بعد مرور أسابيع من موته».

يبعد هذا المستعر عنا 13 ألف سنة ضوئية، لذلك يُعَد رصده حدثًا تاريخيًا. يوضح فايس: «هذا المستعر بعيد جدًا عنا، إذ يستغرق الضوء القادم منه 13 ألف سنة ليصل إلى الأرض».

أورد الفريق نتائجه في ورقة بحثية جديدة بعنوان (الدليل المباشر على الانبعاث البصري المرتبط بالصدمات في المستعر)، نُشِرت في مجلة (نيتشر). المؤلف الأول للبحث هو (إلياس عايدي) من جامعة ولاية ميشيغان.

أوضح كونستانز زوينتز، رئيس الفريق العلمي لمشروع المستكشف في معهد الفيزياء الفلكية والجسيمات بجامعة إنسبروك: «كانت الصدفة عاملًا حاسمًا في تمكننا من تسجيل حدث المستعر بدقة غير مسبوقة، أدركنا أننا تمكنّا من الوصول إلى بيانات رصد فريدة على مستوىً عالمي».

هذا المستعر هو انفجارات نووية حرارية على سطح الأقزام البيضاء. اعتقد العلماء فترةً طويلة أن لمعان المستعر يتأثر بالتوهج النووي المستمر بعد الاندفاع الأول للاندماج الخاطف، لكن بيانات المستكشف تخبرنا بأمر مختلف.

جاء في الورقة البحثية أن الصدمات تلعب دورًا أكبر مما كان يُعتقد، إذ إن الصدمات الداخلية قد تهيمن على الانبعاثات النووية للمستعر،
وقد تشارك هذه الصدمات كذلك في أحداث أخرى، مثل المستعرات العظمى والاندماج النجمي وأحداث اضطرابات المد والجزر، لكن حتى الآن لم تُرصَد أدلة كافية على ذلك.

كتب الباحثون: «قُدم تقرير عن عمليات رصد بصرية وأشعة غاما متزامنة في الفضاء لمستعر (V906) سنة 2018، تكشف عن سلسلة رائعة من التوهجات المترابطة المميزة على مستويين. ولما كانت هذه التوهجات تتزامن، فإنها تتضمن أصلًا مشتركًا من الصدمات، وفي أثناء التوهج يتضاعف لمعان المستعر، ما يعني أن القدر الأكبر من اللمعان يتأثر بهذه الصدمات».

يتضح من ذلك أن المستعرات تنشط نتيجة الصدمات، بدلًا من نظرية التوهج النووي المستمر: «توفر بياناتنا الممتدة من الطيف الراديوي حتى أشعة غاما دليلًا مباشرًا على أن الصدمات قد تنتج لمعانًا كبيرًا في المستعرات التقليدية وغيرها من حالات العبور الضوئي».

بعبارة أشمل، ثبت أن الصدمات تلعب دورًا في أحداث مثل المستعرات، لكن هذا الفهم يعتمد إلى حد بعيد على دراسة الجداول الزمنية والإضاءة. تُعَد هذه الدراسة أول عملية رصد مباشرة لمثل هذه الصدمات، ومن المحتمل أن تمثل البداية لرصد الدور الذي تلعبه هذه الصدمات وفهمه.

جاء في الدراسة: «يوضح رصد هذا المستعر إمكانية إنتاج إضاءة مادية وظهورها في أطوال موجية بصرية، من طريق الصدمات الحيوية الممتصة في الأجرام المتفجرة العابرة. بوجود الاستطلاعات الحديثة للمجال الزمني، مثل (ASAS-SN) و(مرصد فيرا سي) و(مرفق زويكي العابر)، سنكتشف المزيد من المستعرات، ربما بلمعان أكثر سطوعًا من هذا المستعر. المستعرات هي فنائنا المجري الخلفي، وستظل دومًا مهمةً لاختبار المحركات المادية التي تنتج هذه الأحداث المادية الغريبة».

اقرأ أيضًا:

طريقة جديدة للوصول إلى سرعة الضوء بركوب أمواج انفجارات السوبرنوفا

تلسكوب المركز الأوروبي لأبحاث الفضاء يرصد السطح المعتم لنجم منكب الجوزاء

ترجمة: رياض شهاب

تدقيق: سمية المهدي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر