هل لاحظت حديثًا عناوين بخطوط عريضة تشير إلى أنّ التدخين قد يقي من الإصابة بفيروس كورونا المستجد؟ لا بدّ أنك فوجئت! نحن نعلم أن التدخين مُضرّ بصحتنا، إذ إنه عامل خطير يؤدي إلى الإصابة بالأمراض القلبية والرئوية والكثير من السرطانات ويضعف مناعة الجسم، ويجعلنا معرضين للإصابة بعدوى الجهاز التنفسي ومنها الالتهاب الرئوي.

وإن كثرة لمس المدخنين للفم والوجه هو عامل خطر إضافي للإصابة بعدوى كوفيد-19 لديهم.

أشارت نتائج المراقبة الأولية أنه يكفي أن يكون المصاب بكوفيد-19 مدخنًا حتى يزيد ذلك من سوء نتائج فحوصاته، وفقًا لما ذكرته منظمة الصحة العالمية وهيئات أخرى.

ولكن تقريرًا بحثيًا صدر من المشفى الفرنسي درس تأثير معدلات التدخين بين مرضى كوفيد-19، أشار إلى أن التدخين قد يجعل الأشخاص أقل عرضة للإصابة بعدوى كوفيد-19!

ماذا نفهم من ذلك؟ وكيف جرت هذه الدراسة؟

كانت هذه الدراسة دراسة استقصائية شاملة لعينة من الأشخاص، إذ قيّم فيها الباحثون التعرض (التدخين) والنتائج (الإصابة بكوفيد-19) في نفس الوقت. هذا النوع من الأبحاث لا يمكنه إثبات أن التعرض يسبب النتيجة، وإنما يثبت فقط احتمالية وجود ارتباط بينهما.

شملت الدراسة مجموعتين من المرضى المصابين بكوفيد-19، المجموعة الأولى ضمت 343 مريضًا ممن تلقوا العلاج داخل المشفى من تاريخ 28 شباط حتى 30 آذار، والمجموعة الثانية ضمت 139 مريضًا تلقوا الرعاية اللازمة خارج المشفى من تاريخ 23 آذار وحتى 9 نيسان، ومن بين ما جُمع من البيانات سُئِلَ المشاركون عن كونهم مدخنين أم لا؟

ثم قارن الباحثون بين معدلات التدخين في كلتا المجموعتين مع معدلات التدخين بين الفرنسيين عمومًا.

هل يقي التدخين من الإصابة بفيروس كورونا المستجد - التدخين عامل خطير يؤدي إلى الإصابة بالأمراض القلبية والرئوية - مرضى كوفيد-19

النتائج:

وجدت الدراسة أن نسبة المدخنين كانت 4.4% من المرضى المقيمين في المشفى و5.3% من المرضى المقيمين خارج المشفى، بعد الأخذ بعين الاعتبار الاختلاف في العمر والجنس.

كان هذا جزءًا من الانتشار الملاحظ في التعداد السكاني الفرنسي العام. تشير التقارير أن نسبة 25.4% دخنوا يوميًا عام 2018.

أوضح المعنيون ما يلي:

لدى المدخنين الحاليين احتمالية اكتساب الأعراض أو شدة الإصابة بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية وكوفيد-19 بنسبة أقل بكثير مقارنة بعموم السكان.

أشارت النتائج التي توصلوا إليها مؤخرًا إلى انخفاض معدلات المدخنين بين حالات كوفيد-19، في استعراض سريع لثمان وعشرين دراسة حول التدخين عند المرضى من بلدان مختلفة.

أشار المعنيون في الدراسة الفرنسية إلى الآليات الكامنة وراء التأثير الوقائي للتدخين الموجود في النيكوتين كما يلي:

تستطيع فيروسات السارس (سارس-كوف-1) وكورونا المستجد (سارس-كوف-2) الدخول إلى خلايا الإنسان من طريق التثبت على مستقبلات بروتينية تدعى المستقبلات المحولة للأنجيوتنسين 2 (ACE2) الموجودة على سطح بعض الخلايا.

فسر الباحثون ذلك بأن النيكوتين يرتبط بمستقبلات ACE2، فيمنع الفيروس من الارتباط بمستقبلاته وعليه تقل كمية الفيروسات القادرة على اختراق خلايا الرئة عند الإنسان.

يخطط الباحثون حاليًا لاختبار فرضيتهم من خلال تجارب عشوائية تتضمن لصاقات نيكوتينية، ولكن هذه التجربة ما تزال تنتظر موافقة السلطات الصحية الفرنسية.

كيف نفسر النتائج؟

هذه النتائج غير البديهية قد تكون بسبب الكثير من التحيزات، لنستكشف بعض التفسيرات البديلة:

أولًا، «تحيز الاختيار»، أي ربما يقلّ احتمال أن يكون المرضى في المشفى من المدخنين اليوميين مقارنةً بعامة الناس، على سبيل المثال: العاملون في مجال الرعاية الصحية وأولئك الذين لديهم حالات مزمنة حالية موجودون بأعداد غير متناسبة في مجموعة عينات المرضى داخل المشفى، وتبدي كلتا المجموعتين عادة معدلات انتشار أقل للتدخين.

ومن ناحية أخرى، كان 60% تقريبًا من المرضى المقيمين في المشفى ضمن هذه الدراسة مدخنين سابقين (نسبة مشابهة للانتشار الفرنسي). بعضهم كان قد أقلع عن التدخين حديثًا استجابة لإعلان منظمة الصحة العالمية أن التدخين يزيد خطر الإصابة بكوفيد-19، ولكنهم صُنفوا مدخنين غير يوميين في الدراسة.

ثانيًا:

الانحياز للمقبول اجتماعيًا، إذ إن مرضى كوفيد-19 الموجودين في المشفى يميلون لإنكار كونهم مدخنين إذا ما سُئلوا عن ذلك، وذلك لأنهم يريدون أن ينظر إليهم الاختصاصيون الطبيون على أنهم يفعلون الشيء الصحيح.

إن جمع البيانات قد يكون غير مكتمل بالنسبة للأسئلة المتعلقة بالسلوك داخل المشافي التي تغصّ بمرضى كوفيد-19.

وفي النهاية، من المهم ملاحظة أن هذه الدراسة البحثية لم تخضع لمراجعة الأقران.

على الرغم من ظهور هذا الارتباط بين التدخين ومرض كوفيد-19 في العينات المأخوذة من المشافي، فإنه لا يوجد دليل على وجود علاقة سببية تثبت أن التدخين يمنع من الإصابة بكوفيد-19.

إجراء الكثير من البحوث مع سرعة انتشار الوباء:

يجب علينا أن نعترف أن هذا البحث أُجريَ سريعًا «كسرعة الجائحة» وأسرع بكثير من الإطار الزمني الذي يستغرقه إجراء البحوث عادة. إذ يستغرق تقديم التقارير ونشرها شهورًا عدة، ولكن في هذه الحالة أكمل الباحثون مشاهداتهم ونشروا البحث على شبكة الإنترنت في غضون شهر واحد.

ولكن، من النتائج غير المقصودة للنشر المبكر للبحث خلقُ أملٍ غير مسوَّغ في المجتمع ونشر الاعتقاد بوجود علاج غير مثبت.

كان على السلطات الفرنسية الحد من مبيع منتجات النيكوتين لتجنب تخزينها بعد نشر هذه الدراسة.

رأينا حديثًا ظاهرة مشابهة لهذا مع عقار هيدروكسي الكلوروكين، إذ نفدت هذه المادة من متناول الأشخاص المحتاحين إليها بعدما أعلنها السياسيون علاجًا لمرض COVID-19.

لذلك علينا في الوقت الحالي أن نبذل جهدًا إضافيًا للتحقق من أن الأدلة الجديدة لم يُسأ تفسيرها أو يبالغ فيها.

أما عن دور التدخين في جائحة الكوفيد-19، فنؤكد على أن هذا الارتباط يحتاج إلى المزيد من البحث والتقييم والنقد، لأن التدخين ما زال يودي بحياة الناس حتى الآن.

مراجعة الأقران

عمومًا، يقدم هذا التحقق حكمًا عادلًا متوازنًا في الدراسة، ومن الممكن تقديم تفسيرات بديلة لملاحظة انخفاض معدلات انتشار التدخين بين العينات المأخوذة من المشفى الفرنسي.

أحد التفسيرات المنطقية والمعقولة هو الخطأ في أثناء تسجيل حالات التدخين، وتوجد إثباتات حول نقص التقارير وقلة دقتها لحالات التدخين داخل عينات المشفى عمومًا.

إن الطريقة المستخدمة لجمع البيانات حول حالات التدخين غير واضحة من الدراسة. سأل المعنيون المرضى وجمعوا البيانات مع مراعاة سُبل الوقاية، لكن، من المهم معرفة هوية الشخص الذي سأل المرضى عن حالات التدخين وطبيعة الأسئلة ووقتها ونظام حفظ السجلات المستخدَم.

إن حالات التدخين السريرية المقدمة في السجلات قد لا تشمل جميع المدخنين بدقة، ولكي نتوصّل إلى مقارنة أفضل يجب أن نقارن بيانات عام 2020 مع بيانات المرضى قبل ظهور كوفيد-19، بدلًا من البيانات السكانية العامة التي تطرح أسئلة مختلفة.

يتحقق الباحثون حاليًا من الفحوصات المنشورة حديثًا وكيفية التبليغ عنها عبر وسائل الإعلام، ويشارك في التحليل شخص أكاديمي غير مشترك في الدراسة ويدقق شخص أكاديميّ آخر فيه ويراجعه بعده للتيقن من الدقة.

اقرأ أيضًا:

ما علاج فيروس كورونا المستجد بالبلازما؟ وهل يشفي من المرض؟

العزلة الإجبارية لمكافحة فيروس كورونا: صراع بين حقوق الإنسان والصحة العامة

ترجمة: منى قرقوط

تدقيق: عون حدّاد

مراجعة: رزان حميدة

المصدر