رصد علماء الفلك كوكبًا فريدًا من نوعه يدور حول نجم يشبه شمسنا كثيرًا ويبعد عنا نحو 730 سنة ضوئية. حجم هذا الكوكب أصغر قليلًا من نبتون وهذا قد يعني أنه كوكب غازي، لكن كتلته تبلغ ضعف كتلة نبتون وكثافته تُقارِب كثافة الأرض والزهرة.

توحي كثافته غير المتوقعة بأنه قد يكون كوكبًا صخريًا وإن كان حجمه الكبير يفوق الحجم المعتاد للكواكب الصخرية، ويعني هذا أنه قد يكون نوعًا نادرًا جدًا من كواكب تُعرَف باسم «الكواكب الكاثونية» وهي نوى لعمالقة غازية انتُزِعت منها أغلفتها الجوية. والكواكب الكاثونية نوع افتراضي من الكواكب لم يتمكّن العلماء من رصد أي منها حتى الآن.

أُطلق على الكوكب الجديد اسم TOI-489b ويدور حول نجم شبيه بالشمس يُسمَّى TOI-849، وستساعدنا معرفة ماهية هذا الكوكب بدقة على تكوين فهم أفضل لما يوجد داخل الأغلفة الجوية الثخينة للعمالقة الغازية والجليدية مثل نبتون وطريقة تشكّلها.

يقول عالم الفلك ديفيد أرمسترونج من جامعة ووريك في المملكة المتحدة: «TOI-849b هو أكبر الكواكب الأرضية -ذات الكثافة القريبة لكثافة الأرض- المُكتشَفة كتلةً، ونظن أن كوكبًا بهذه الكتلة يملك كميات كبيرة من الهيدروجين والهليوم التي تراكمت في أثناء تشكّله لينمو ويصبح شبيهًا بكوكب المشتري.

لكن عدم رؤيتنا لهذه الغازات يدل على أنه نواة كوكبية مكشوفة. وهذه أول مرة نكتشف نواة مكشوفة سليمة لعملاق غازي تدور حول نجم».

اكتشاف كوكب فريد يدور حول نجم بعيد - رصد علماء الفلك كوكبًا فريدًا من نوعه يدور حول نجم يشبه شمسنا كثيرًا ويبعد عنا نحو 730 سنة ضوئية

رُصِد كوكب TOI-849b بواسطة مسح للقمر الصناعي الاستقصائي للكواكب الخارجية العابرة «TESS» المتخصص برصد الكواكب الموجودة خارج نظامنا الشمسي. يبحث TESSعن هذا النوع من الكواكب بإجراء مسح مستمر للنجوم، مستخدِمًا معدّات عالية الحساسية لمراقبة ضوء النجوم بحثًا عن بقع باهتة أو خافتة قد تعني أن شيئًا كبيرًا مثل كوكب يمر من أمام النجوم. يسمح عدد مرات خفوت النجم وشدة تكرار هذا الخفوت لعلماء الفلك بحساب حجم الكوكب والمسافة التي تفصله عن النجم.

كوكب TOI-849b قريب جدًا من نجمه فهو يكمل دورته في نحو 18 ساعة، وتجعله هذه المسافة القريبة من النجم شديد الحرارة، إذ تصل درجة حرارة سطحه إلى نحو 1530 درجة مئوية.

يضعه قربه من نجمه ضمن فئة مميزة من الكواكب، فعدد قليل جدًا من الكواكب القريبة في الحجم من كوكب نبتون وُجِدت على هذه المسافة القريبة من نجومها، ليكون أحد الكواكب الحارة من مجموعة «الصحراء النبتونية».

تابع الفريق مراقبته للكوكب مُستخدِمًا تحليل دوبلر الطيفي.

عندما يدور كوكب حول نجم ما يكون له تأثير ثقالي في هذا النجم وهذا ما يجعل النجم يتمايل قليلًا في مكانه، يقيس تحليل دوبلر الطيفي تغيرات ضوء النجم في أثناء تمايله هذا، فيستطيع علماء الفلك -إن عرفوا كتلة النجم- قياس كتلة الكوكب بناء على شدة تمايل النجم.

استطاع الفريق حساب كتلة الكوكب بهذه الطريقة، وقد فاقت كتلته كتلة الأرض بنحو 39.1 مرة، وفاقت كتلة نبتون ب 2.3 مرة، وعلى هذا فقد بلغت كثافته 5.2غ/سم³، وهي كثافة قريبة جدًا من كثافة الزّهرة التي تبلغ 5.24 غ/سم³ والأرض ذات كثافة 5.51 غ/سم³.

يقول أرمسترونج: «لهذا الكوكب كتلة ضخمة وغير اعتيادية تفوق كتل كل الكواكب التي نعرفها، لكنه أكبر الكواكب كتلة بالنسبة إلى حجمه، وهو شديد الكثافة أيضًا لكوكب بحجم نبتون، وهذا ما يجعلنا نظن أن لهذا الكوكب تاريخ غير عادي ويؤكد هذا وجوده في مكان لا يتناسب مع كتلته الكبيرة، إذ لا نرى عادة كواكب بهذه الكتلة على مسافة قريبة من نجومها».

وهذا ما يجعلنا نستنتج أننا أمام كوكب كاثوني، لكننا ما زلنا نجهل كيف تحول إلى هذا النوع من الكواكب. قد يكون كوكب TOI-849b قد امتلك غلافًا جويًا عند تشكُّله شبيهًا بغلاف المشتري، لكن هذا الغلاف انتُزِع منه بطريقة ما، إذ نعلم أن الكواكب الغازية القريبة من نجومها قد تخسر أحيانًا أغلفتها الجوية بسبب الحرارة الشديدة، فكوكب Gliese 3470 b -وهو الكوكب النبتوني الحار الوحيد الذي اكتشفناه- يخسر غلافه الجوي بمعدل سريع جدًا بسبب حرارة نجمه التي تُبخّر غلافه.

لا يظن العلماء أن حرارة النجم هي المسؤولة عن خسارة TOI-849b لكامل غلافه الجوي، فقد يكون لبعض العوامل الأخرى دور أيضًا مثل اصطدامه بأجسام كبيرة أخرى.

والفرضية الأخرى أن TOI-849b كان عملاقًا غازيًا عندما بدأ بالتشكّل لكنه لم يمتلك المادة الكافية لإتمام تشكّله، إما لأنه بدأ بالتشكّل متأخرًا في مرحلة تطور النظام الكوكبي فلم يبق له ما يكفي من المادة في القرص الكوكبي الأولي للنجم، أو لأنه تشكَّل في فجوة من هذا القرص حيث لم توجد مادة كافية لتُراكِم له غلافًا جويًا.

ينوي أعضاء الفريق متابعة البحث والمراقبة ليحددوا إن كان لكوكب TOI-849 b بقايا غلاف جوي، وقد يساعدهم هذا على معرفة مكونات النواة نفسها.
يقول أرمسترونج: «إن كوكب TOI-849 b كان في السابق إما عملاقًا غازيًا أو مشروعًا فاشلًا لعملاق غازي، هذه أول مرة نكتشف وجود مثل هذا النوع من الكواكب، لقد أُتيحَت لنا فرصة دراسة نواة كوكب بعيد جدًا عنا وهو أمر لم نستطع فعله في كواكب مجموعتنا الشمسية. ما تزال لدينا الكثير من الأسئلة الكبرى التي نحتاج إلى معرفة إجاباتها، فنحن نجهل الكثير عن نواة كوكب المشتري مثلًا، لكن تمنحنا الكواكب الخارجية من هذا النوع الفرصة للتعرف على تكوين الكواكب التي لا نستطيع دراستها بطريقة أخرى».

نُشر هذا البحث في مجلة Nature.

اقرأ أيضًا:

ظاهرة غريبة تحدث داخل كوكب نيبتون

اكتشاف كوكب عملاق يتحدّى نظريات تشكُّل الكواكب

ترجمة: بلال الابراهيم

تدقيق: وئام سليمان

المصدر