يُعد الانفصال أمرًا حتميًا في مرحلة ما من الحياة، فقد وجد استطلاع لطلاب الجامعات في جامعة كيس ويسترن ريسيرف أن أكثر من 90% من الرجال والنساء يعانون الرفض من الطرف الآخر رغم استمرار مشاعرهم نحوه، واعترف أكثر من 90% أنهم قطعوا علاقتهم بشخص يكن لهم مشاعر الحب.

في المراحل المبكرة من الانفصال، قد تجد نفسك مهووسًا بالشريك السابق، وتفقد قدرتك على التركيز في نواحي حياتك الأخرى، وقد تشعر بالسوء حيال نفسك نتيجة المشاعر التي يسببها دماغك، لكن لا تيأس فقد يساعدك جزء آخر من الدماغ على تخطي هذه الحالة.

ما الرابط بين الانفصال والألم الجسدي؟

قد يمنح دماغك الأولوية للتفكير في الشريك السابق بالطريقة نفسها التي يتعامل بها مع الألم الجسدي.

في دراسة أجراها مختصون في علم الأعصاب الإدراكي في جامعة كولومبيا، استخدم الباحثون الرنين المغناطيسي الوظيفي لمراقبة نشاط الدماغ عند أشخاص عازبين عانوا انفصالًا قسريًا خلال ستة أشهر الماضية، نظر المشاركون إلى صور شركائهم السابقين في أثناء تفكيرهم في تجارب عاشوها معًا، ثم قارنها الباحثون بصور الرنين التي أُخذت في أثناء نظر المشاركين إلى صور أصدقائهم أو عند تعرضهم للألم باستخدام صدمة كهربية خفيفة على الذراع، فوجدوا أن الأجزاء نفسها من الدماغ تزداد نشاطًا عندما ينظر الأفراد إلى صور الشريك السابق أو عندما يعانون ألمًا جسديًا، لكنها لا تتغير عندما ينظرون إلى صور الأصدقاء.

ترتبط مناطق الدماغ كالفص الجزيري والقشرة الحزامية الأمامية بالألم الجسدي، ويختلف الباحثون هل يشبه الرفض العاطفي في الواقع الألم الجسدي، أم أن هذه المناطق تزداد فعاليتها بسبب أهمية هذين العاملين؟ بعبارة أخرى، هل تظن أدمغتنا أن الألم الجسدي وصور الشريك الذي خسرناه شيئًا مهمًا يستحق انتباهنا؟

بالنسبة إلى أجدادنا، قد يقلل الألم والرفض على حد سواء من فرص البقاء على قيد الحياة، ولذلك قد تكون أدمغتنا مُعدةً للاهتمام بمثل هذه التجارب.

هل يشبه الانفصال تخطي حالة الإدمان؟

فحصت دراسة أخرى أجرتها الباحثتان لوسي براون وهيلين فيشر نشاط الدماغ عند 15 شابًا عانوا حديثًا انفصالًا قسريًا، وأفادوا أنهم ما زالوا يشعرون بالشغف تجاه شريكهم السابق، وما زال بعضهم يحاولون يائسين استعادة الشريك بالاتصال في أوقات غير مناسبة وإرسال العديد من الرسائل والظهور في أماكن وجود الشريك السابق دون دعوة، وقد شعر بعضهم بالاكتئاب واليأس.

عندما شاهد هؤلاء المشاركون صورًا لشركائهم السابقين، أظهرت عمليات المسح نشاطًا في العديد من مناطق الدماغ التي تشمل المنطقة الغشائية البطنية والجسم المخطط البطني والنواة المتكئة، وتشكل هذه المناطق أجزاءً من جهاز المكافأة/التحفيز في الدماغ، الذي يعمل عبر إطلاق الناقل العصبي الدوبامين، إذ يُعد الدوبامين أحد النواقل المتعلقة بإدمان المخدرات والمراحل الاستحواذية المبكرة من الحب.

لذلك، قد يشعر المرفوضون برغبة شديدة في شريكهم السابق، كما يتوق المدمنون إلى المخدرات أو يتوق الأشخاص حديثو الحب إلى وجود أحبائهم.

والمدهش أن أنظمة المكافأة/التحفيز تضيء بطرق متشابهة بصرف النظر هل وقع المرء في الحب أم افتقد شريكه السابق؟ فعندما تحفز هذه المناطق، فإننا نندفع بشدة للعثور على المحبوب، وقد نفكر فيه معظم اليوم.

هل يُشخَّص الاكتئاب دائمًا عند الفرد الذي عانى الانفصال؟

يظهر الشذوذ في تواصل الدماغ وتنظيمه غالبًا عند من يعانون الاكتئاب السريري، ولكن لا يُعرف الكثير عن مدى تأثر الاتصال العصبي باليأس المؤقت، كالذي يعانيه الأشخاص بعد نهاية علاقة رومنسية، وللتحقق من ذلك، فحصت دراسة أدمغة 69 شخصًا تعرضوا للانفصال حديثًا، لم يُشخَّص الاكتئاب السريري لدى أي من المشاركين، مع أنهم أظهروا درجات متفاوتة من أعراض الاكتئاب وفقًا لحالتهم الراهنة، وقد لاحظ الباحثون بعد إجراء عمليات البحث ارتباطًا مباشرًا بين شدة هذه الأعراض وعجز الدماغ عن معالجة المعلومات.

يُظهِر المشتركون اليائسون انخفاضًا واضحًا في التكامل الشامل، الذي يشير إلى قدرة الدماغ على جمع كل المعلومات التي تولدها مناطقه المختلفة في أي وقت ومعالجتها. يسمح لنا هذا الدمج بفهم العالم وتطوير الاستجابات المعرفية والسلوكية المناسبة للحالات التي تنتابنا، إذ يمثل أي خلل في الدمج عائقًا رئيسيًا أمام محاولاتنا لإدارة حياتنا والإبحار فيها.

كشفت عمليات البحث أيضًا عن وجود علاقة مباشرة بين شدة أعراض الاكتئاب وانخفاض التنوع المكاني في الدماغ، ويدل مصطلح التنوع المكاني على درجة تخصص الدماغ مع مناطقه المختلفة، إذ تؤدي مناطق الدماغ المختلفة مهمات مميزة، وبانخفاض هذا التنوع تنهار طبيعة الاتصال الهرمية، ما يقلل الكفاءة المعرفية.

قد تؤثر تجارب الحياة السلبية تأثيرًا ضارًا في كفاءة الدماغ التشغيلية، ما يؤدي إلى انخفاض الصحة العقلية، حتى عند من لم يُشخَّصوا سريريًا.

أشياء يمكن فعلها لتخطي مرحلة الانفصال:

  1.  لا تنظر إلى صور شريكك السابق أو هداياه أو غيرها من الذكريات العاطفية، وحاول تجنب الأماكن المشتركة بينكما، فقد تخلق كل تلك الأمور رغبةً شديدةً مرتبطةً بالدوبامين وأعراض الانسحاب.
  2.  اقطع حلقات التفكير والتأمل القهريين، ربما عليك إجبار نفسك على إيقاف أفكارك عندما تتدفق الذكريات إلى ذهنك، لكن لا تجلس منتحبًا مكتئبًا بشأن شريكك السابق، ابحث عن أنشطة تشغل انتباهك مثل ترتيب خزانة الملابس أو تلوين كتاب يخفف التوتر أو الاتصال بصديق.
  3.  مارس تمرينًا جديدًا، اذهب للركض أو التنزه أو إلى صالة الألعاب الرياضية أو احضر جلسات يوغا أو انضم لفريق ما، سيشعرك التمرين بالرضا تجاه نفسك، ويبقيك متواصلًا مع الناس، وقد يجلب أشخاصًا ونشاطات جديدة إلى حياتك، وقد يمنحك أيضًا المزيد من النشاط ويخلصك من الاكتئاب، تطلق التمارين مواد كيميائية في الدماغ مثل المواد الأفيونية الداخلية التي تخلق مشاعر الرضا، وقد تساعد على زيادة تدفق الدوبامين.
  4.  فكر في الجوانب السلبية للعلاقة السابقة، فنحن نميل إلى إضفاء طابع المثالية على العلاقات السابقة، لكنك تستطيع تعويض ذلك بتعمد التفكير في المناسبات التي تصرّف فيها شريكك بسوء أو عندما تجاهل احتياجك إليه.

اقرأ أيضًا:

لماذا تتألم النساء أكثر من الرجال بعد الانفصال؟

الإجهاد العاطفي: الأسباب والعلاج

ترجمة: يمام نضال دالي

تدقيق: راما الهريسي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصادر: iflscience, psychologytoday