وُلِد هنري الخامس في 16 سبتمبر 1387 في مونماوث، مونماوثشاير في مقاطعة ويلز، وتوفي في 31 أغسطس 1422 في بوا دي فينسيز في فرنسا. ينحدر هنري الخامس ملك إنكلترا بين عامي (1413-1422) من أسرة لانكستر، وهو ابن هنري الرابع. جعل هنري الخامس إنكلترا إحدى أقوى الممالك في أوروبا عندما انتصر في معركة أجينكورت عام 1415، وكانت تلك المعركة جزءًا من حرب المئة سنة مع فرنسا.

حياته الباكرة

كان هنري الخامس أكبر أبناء هنري، إيرل ديربي (ولاحقًا هنري الرابع) ووالدته هي ماري دي بوهان. خلال فترة نفي والده عام 1398، تولى ريتشارد الثاني مسؤولية رعاية الصبي وعامله بلطف وجعله فارسًا عام 1399. كان عم هنري -هنري بوفورت، أسقف وينشستر- مسؤولًا عن تدريبه، ومع أن هنري دخل مبكرًا إلى الحياة العامة، فقد حصل على تعليم جيد وفقًا لمعايير زمانه.

نشأ هنري مولعًا بالموسيقا والقراءة وأصبح أول ملك إنكليزي استطاع أن يقرأ ويكتب بلغة عامية بسهولة. في 15 أكتوبر 1399، بعد أن أصبح والده ملكًا، مُنِح هنري لقب إيرل تشيستر ودوق كورنوال وأمير ويلز، ثم دوق آكيتاين ولانكستر. بدءًا من أكتوبر 1400 قُيدت له إدارة ويلز، وفي عام 1403 تولى القيادة الفعلية في الحرب على متمردي ويلز، وهو صراع استحوذ على معظم نشاطه حتى عام 1408. ومنذ ذلك الحين بدأ يطالب بصوت في الحكومة ومكان في المجلس مناوئًا والده المريض وتوماس أرونديل رئيس أساقفة كانتربيري.

لا يمكن استبعاد القصص التي خلدها شكسبير، وتعقبها الكُتَّاب خلال 20 سنة من وفاة الملك هنري، التي روت تهور الأمير وفترة شبابه التي اتسمت بالفجور والانحلال الأخلاقي، ثم التغيُّر المفاجئ الذي طرأ عليه عندما أصبح ملكًا، بوصفها محض افتراءات، بصرف النظر عن قبول الروايات المبالغ فيها للكتاب المسرحيين في العصر الإليزابيثي، التي عارضتها الحقائق المعروفة عن سلوك الأمير في الحرب والمجلس تعارضًا كليًّا. فربما لم يعرض هؤلاء سوى قصص عن حماسة رجل شاب، لم تجد طاقته الطبيعية متنفسًا كافيًا.

خلف هنري والده في 21 مارس 1413. في أوائل عهده، هدد منصبه ثورة لولارد الفاشلة في يناير 1414، ومؤامرة في يوليو 1415 خطط لها ريتشارد يورك وإيرل كامبريدج وهنري لورد سكورب من ماشام لصالح إدموند مورتيمر، إيرل مارش.

في كل ثورة أو مؤامرة، كان هنري يُحذَّر مسبقًا وتُقمَع المعارضة دون رحمة. لم تصرف أي من هاتين الحادثتين هنري عن اهتمامه الرئيسي، سياسته الطموحة تجاه فرنسا، إذ لم يقنع بطلب الاستحواذ على مقاطعة آكيتاين وأراض أخرى تنازل الفرنسيون عن ملكيتها لصالح الإنكليز في معاهدة كاليه عام 1360، بل طالب أيضًا بنورماندي وتورين وماين -الأراضي الجوفينية تبعًا لأسرة فرنسية حكمت سابقًا تلك الأراضي- وأجزاء من فرنسا لم يمتلكها الإنكليز قط.

مع أن مطالب كهذه لم يكن من المرجح أن تعترف بها حتى حكومة مُشتتة مثل حكومة فرنسا في ظل حكم الملك تشارلز السادس، فإن هنري بدا مقتنعًا بعدالة هذه المطالب، وأنها لم تكن مجرد تغطية لاعتداء مخطط له. ففي حال فشل «طريق العدالة»، كان هنري جاهزًا لينتقل إلى «طريق القوة والإجبار»، إذ جرت الاستعدادات الحربية جيدًا قبل فترة طويلة من المفاوضات مع تشارلز، التي انطلقت خلال فترة حكم ريتشارد الثاني وانهارت أخيرًا في يونيو 1415.

الحروب الفرنسية

ظهرت عبقرية هنري الخامس في تخطيط وتنفيذ حملاته العسكرية المتتالية ضد فرنسا. فقبل بدء القتال نجحت مهارته الدبلوماسية في تأمين دعم جون الجسور -دوق بورغندي- أو حياده على الأقل. أظهرت محاولاته في حرمان فرنسا من المساعدة من طريق البحر وعيًا وبصيرةً حول أهمية البحر، ما لم يكن مألوفًا لدى ملوك العصور الوسطى.

وبعد معركة السين في أغسطس 1416، لم يعد تفوق إنكلترا موضع شك. أما في الوطن فقد اهتم هنري بالحصول على تمويل منظم لغزوه المخطط له، إذ حصل على جزء منه من طريق الاقتراض واسع النطاق، والباقي بفرض الضرائب البرلمانية، وساعد كرمه وسخاؤه على نجاحه في زيادة الحماس الوطني للحرب. بدأ هنري القتال بدعم صادق ومخلص أتى من الأقطاب والقوى الكبرى ومن أمة موحدة أيضًا.

الملك هنري الخامس: معلومات وحقائق - ملك إنكلترا - أقوى الممالك في أوروبا - انتصار انكلترا في معركة أجينكورت - حرب المئة سنة مع فرنسا

وضع هنري استراتيجيته العسكرية ونفذها بقدرة متوازنة حسب المُتاح من الجنود والعتاد، ما يبرز اختلافًا واضحًا عن عمليات الإنكليز العشوائية والمذبذبة في فرنسا في القرن السابق. كان هدفه الرئيسي -الذي لا يرتبط بالانتصار في المعارك بالضرورة- هو تقليل عدد البلدات والحصون الكبيرة في الشمال الفرنسي.

وما حافظ عليه الإنكليز من هذه البلدات والحصون كانت مقرات رئيسية دائمة للحاميات الإنكليزية، وسيجعلونها تصبح نقاطًا محورية لإخضاع الريف وحصاره، وخلف الجنود يأتي الإداريون ومحصلو الضرائب لجعل الحرب تجمع تكلفتها. ومع أن خطته بدت مدروسةً ومُحكمةً، فإن تنفيذها استغرق وقتًا أطول من المتوقع، واستُنفدت قواه على مدار 7 سنوات وقصرت من عمره كثيرًا.

أسقطت حملته الأولى هارفلور في سبتمبر 1415 وحققت نصرًا عظيمًا في أجنيكورت في 25 أكتوبر 1415. جعل هذ النصر هنري وسيطًا دبلوماسيًّا وحكمًا لأوروبا، إذ حظي بزيارة الإمبراطور الروماني المقدس سيجيسموند عام 1416 الذي وقع معه هنري معاهدة تحالف في كانتربيري عام 1416 واستفاد من نفوذه واستغله من أجل حلّ تحالف جنوة البحري مع فرنسا.

نتج عن تعاون الحاكمين إنهاء الانقسام البابوي (الانشقاق العظيم أو الانقسام الغربي العظيم، إذ شهدت تلك الفترة في تاريخ الكنيسة الرومانية الكاثوليكية 1378-1417 وجود 3 باباوات متنافسين على حكم الكنيسة، لكل منهم أتباع موالين له ومجمع كرادلة مقدس ومكاتب إدارية خاصة به)، بانتخاب مارتن الخامس عام 1417، وهو هدف كان من صلب اهتمامات هنري. بعد ذلك عاد إلى الحرب الشرسة الطويلة ليحاصر نورماندي ويستولي عليها تدريجيًا.

حوصرت روان عاصمة شمال فرنسا في يناير 1419، وجلب مقتل الدوق جون من بورغندي تحالفًا بورغنديًّا. أجبرت هذه النجاحات فرنسا على الموافقة على معاهدة تروي في 21 مايو 1420، واعتُرف بهنري وريثًا للعرش الفرنسي وحاكمًا بالوصاية لفرنسا، وتزوج كاثرين ابنة تشارلز في الثاني من يونيو. في تلك الأثناء كان هنري في أوج قوته، لكن نصره لم يستمر طويلًا، إذ ساءت صحته في أثناء حصار ميلون ومو، وقضى نحبه إثر إصابته بحمى التيفوس في قصر فينسيز عام 1422.

شخصية هنري وبراعته

من الصعب أن يُعجَب أحد بشخصية هنري، فقد كان قاسيًا مستبدًّا وغير متسامح مع المعارضة، لا يرحم عندما يتعلق الأمر بمزاولة السياسة. حرمه افتقاره إلى صفات الشهامة وكرم الأخلاق أي ادعاء ليكون «البطل النموذجي في العصور الوسطى»، لكن اتفق المعاصرون على تبجيل محبته للعدالة، وحتى الكتاب الفرنسيين في عصره أعجبوا به كونه رجلًا شجاعًا ووفيًّا وشريفًا ومقاتلًا محترمًا وشخصيةً قيادية صاحبها القليل من الضآلة والدناءة. ومع أن شخصيته تفتقر إلى الدفء والعاطفة، كان باستطاعته تحفيز الآخرين وحثهم على الوفاء والاخلاص وامتلك الكثير من سمات القيادة.

كانت تقواه وتنسكه أصيلةً وصادقًا، وعبّر على فراش الموت عن رغبة أخيرة في أنه لو عاش، فسيعيد بناء أسوار القدس في حملة صليبية جديدة. أما بخصوص مقدرته، فقد تبوأ هنري مكانةً عاليةً بين الملوك الإنكليز. كانت إنجازاته استثنائيةً، فقد لُوحِظ أنه «حكم أولًا أمةً ضعيفةً ومنقادةً، إلا أنه بعد مرور تسع سنوات، هيمنت هذه الأمة على أوروبا». تجلَّت مأساة عهده في أنه لم يستخدم مواهبه العظيمة ليصلح بلده، بل ليجرّه إلى حرب أجنبية غير عادلة. جعلت وفاته المبكرة النجاحات في الخارج غير مرغوب بها، وحكم خلفاؤه من بعده إنكلترا حكم أقلية صعبًا وطويلًا.

اقرأ أيضًا:

مجتمع ما بعد الجائحة: الآثار المجتمعية وعواقب الأوبئة الماضية

أصول اللغة البشرية تعود إلى 25 مليون سنة!

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: رزوق النجار

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر