لا تستطيع البوصلات وأجهزة تحديد الموقع العمل طبيعيًا عند القطبين، إذ تشير إبرة البوصلة إلى أي اتجاه عشوائي، وقد يخبرك جهاز تحديد الموقع بمكانك، لكنه لن يستطيع توجيهك. بفضل اختراع نظام تحديد المواقع العالمي GPS -النموذج المعاصر للملاحة- أصبحت الحياة سهلةً إلى حد ما. فما عليك سوى إدراج الموقع إلى النظام وسيرشدك إلى طريقك.

لكن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ يُعد نظام تحديد المواقع العالمي تقنيةً حديثةً نوعًا ما، وكانت البوصلة المرشد الصحيح الموثوق قبل اختراعه. استخدمت البوصلة منذ العام الأول الميلادي، عندما صنعتها سلالة هان الحاكمة لأول مرة. ودخلت البوصلات والخرائط الجغرافية دخولًا غير شرعي عبر ألعاب الطاولة إلى أسرى الحرب الألمان خلال الحرب العالمية الثانية.

رغم ذلك، تُعد البوصلات ونظام تحديد الموقع العالمي عرضةً للفشل كأي تقنية أخرى، إذ يختلف عملها باختلاف موقعك من الأرض، ففي بعض المواقع قد تتوقف عن العمل نهائيًا، وفي مواقع أخرى قد لا تعمل بدقة.

لغز قطبي الأرض

تمتلك الأرض نوعين من الأقطاب، القطبين المغناطيسيين والقطبين الجغرافيين. القطبان الجغرافيان هما النقطتان الشمالية والجنوبية للأرض التي يلتقي فيهما محور دوران الأرض مع سطحها، ولكل كوكب قطبان جغرافيان.

القطب الجغرافي للأرض

القطب الجغرافي للأرض

مع ذلك، تمتلك بعض الأجرام السماوية كالأرض حقلًا مغناطيسيًا أيضًا. ينشأ الحقل المغناطيسي نتيجة وجود اللب الحديدي الصلب للكوكب، في حين أن اللب الخارجي منصهر، ما يولد تيارات الانتقال الحراري باستمرار في اللب الخارجي، لتؤدي حركة هذا الحديد المنصهر إلى تكوين مجال مغناطيسي.

تولد التيارات الحرارية في لب الأرض الخارجي خطوط الحقل المغناطيسي الأرضي

تولد التيارات الحرارية في لب الأرض الخارجي خطوط الحقل المغناطيسي الأرضي

يمتد الحقل المغناطيسي إلى خارج سطح الأرض، في حين يمثل الجزء الداخلي للأرض قضيبًا مغناطيسيًا ضخمًا. وعلى هذا، فإن للأرض قطبين مغناطيسيين شمالي وجنوبي. يقع القطب الشمالي المغناطيسي بالقرب من القطب الجنوبي الجغرافي، ويقع القطب الجنوبي المغناطيسي بالقرب من القطب الشمالي الجغرافي، فلا توجد الأقطاب الجغرافية والمغناطيسية في الموقع نفسه.

تُقدر المسافة بين القطب الشمالي الجغرافي والقطب الجنوبي المغناطيسي بنحو 500 كيلومتر. لا تحافظ الأقطاب المغناطيسية على ثباتها فهي تغير موقعها باستمرار، إضافةً إلى أن الحقل المغناطيسي الأرضي يتحلل ويعكس أقطابه ويعيد تكوين نفسه مع الزمن.

أقطاب الحقل المغناطيسي الأرضي وخطوطه

أقطاب الحقل المغناطيسي الأرضي وخطوطه

قد تسبب قوة الحقل المغناطيسي المتغيرة وتحوله المستمر حدوث خلل في عمل البوصلات ونظام تحديد المواقع العالمي، لكن قبل التطرق إلى الأسباب، دعونا أولًا نحاول معرفة كيفية عمل كل من البوصلات ونظام تحديد المواقع العالمي.

كيف تعمل البوصلة؟

تُعد البوصلة أداةً أساسيةً للغاية، وهي بالغة الأهمية، إذ تعمل وفق مبدأ جذب الشمال المغناطيسي للجنوب المغناطيسي. وكما أسلفنا، تمتلك الأرض قطبًا مغناطيسيًا جنوبيًا وقطبًا مغناطيسيًا شماليًا. والبوصلة جهاز صغير له أبرة مغناطيسية.

عندما توضع البوصلة بموازاة سطح الأرض، تدور إبرتها، وتشير إلى اتجاه القطب الجنوبي المغناطيسي. ولما كان القطب الجنوبي المغناطيسي يوجد بالقرب من القطب الشمالي الجغرافي، فإن اتجاه إشارة الإبرة يمثل القطب الشمالي الجغرافي. وبالمثل، يشير الطرف الجنوبي للإبرة إلى القطب الجنوبي الجغرافي.

هل يتأثر عمل البوصلة وتقنية تحديد الموقع الجغرافي في القطبين - نظام تحديد المواقع العالمي جي بي إس - البوصلات والخرائط الجغرافية

بوصلة

استخدام البوصلة عند القطبين

تمتلك الأرض حقلًا مغناطيسيًا قويًا بما يكفي لعمل البوصلة. رغم ذلك، يمثل الحقل المغناطيسي الأرضي كميةً لها قوة موجهة باتجاه معين، بصرف النظر عن قوته. فإذا وقفت عند أحد القطبين وجعلت بوصلتك أفقية، ليصبح اتجاه المجال المغناطيسي عموديًا على إبرة البوصلة، فستشير الإبرة إلى أي اتجاه عشوائي.

كيف يعمل نظام تحديد المواقع العالمي؟

يُعد نظام تحديد المواقع العالمي نظام ملاحة يعتمد على الأقمار الصناعية، تمامًا كما فعل البحارة في العصور الغابرة عندما نظروا إلى النجوم لترشدهم إلى المسار الصحيح، تستطيع مجموعة من الأقمار الصناعية التي صنعها الإنسان أداء الوظيفة نفسها، إذ يتألف نظام تحديد المواقع العالمي بأكمله من محطات أرضية وأقمار صناعية وأجهزة استقبال، ترسل الأقمار الصناعية باستمرار إشارات إلى المستقبلات، الموجودة في جهازك المحمول وجهاز الكمبيوتر المحمول والسيارة، إلخ. يُنفذ جهاز الاستقبال العمليات الحسابية ويحدد موقعك، وكلما زاد عدد الأقمار الصناعية التي يستقبل منها الإشارات زادت دقة الموقع، وتُشغل المحطات الأرضية الأقمار الصناعية.

يحدد نظام تحديد الموقع العالمي الموقع باستخدام الأقمار الصناعية

يحدد نظام تحديد الموقع العالمي الموقع باستخدام الأقمار الصناعية

تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية نظام تحديد الموقع العالمي وتديره. وقد توصلت دول أخرى إلى أنظمتها الخاصة في تحديد الموقع، مثل نظام بايدو في الصين، ونظام غلوناس في روسيا.

استخدام نظام تحديد المواقع العالمي عند القطبين

نعلم السبب الذي يؤدي إلى حدوث خلل في عمل البوصلة عند القطبين، لكن هل يتعرض نظام تحديد المواقع العالمي لأعطال عند استخدامه في القطبين كالبوصلة؟ ربما تظن أن نظام تحديد المواقع العالميّ لا يعتمد على الحقل المغناطيسي للأرض، بل يعتمد على أقمار صناعية من صنع الإنسان. حسنًا أنت محق ومخطئ في الوقت نفسه.

الملاحة

الملاحة

تعتمد وظيفة نظام تحديد الموقع العالمي فعلًا على الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض، ولكن هذه الوظيفة محدودة بموقع محدد، إذ يستطيع إخبارك بموقعك في الوقت المطلوب، لكنه لن يرشدك بالضرورة إلى وجهتك. ليعمل دليلًا توجيهيًا، ينبغي على جهاز نظام تحديد المواقع العالمي أن يُثبَّت مع الخرائط -مثل برنامج خرائط غوغل على جهاز المحمول- وكذلك البوصلة. يعمل نظام تحديد المواقع العالمي بالتزامن مع البوصلة. إضافةً إلى أن نظام تحديد المواقع العالمي بحد ذاته لا يتعرض للأعطال عند القطبين، ولكن بسبب البوصلة التي تتعرض لهذا التشويش، فإن جهاز تحديد المواقع العالمي لن يرشدك حينها.

عليك أن تعرف أن نظام تحديد المواقع العالمي ليس ثابتًا وقد يتأثر عمله بأحوال الطقس السيئة والعوائق، مثل وجودك في الطوابق الأرضية في بناء ما، وقد يُظهر أخطاءً بسبب تأثير الأيونوسفير.

الأيونوسفير طبقة تمتد على ارتفاع 50-100 كيلومتر فوق سطح الأرض، وتتكون من جسيمات مشحونة تتحرك باستمرار. فقد تتشتت إشارات نظام تحديد المواقع العالمي التي ترسلها الأقمار الصناعية وتتأخر في طبقة الأيونوسفير، ما يسبب أخطاءً في القراءة. ونظرًا إلى عدم تماثل طبقة الأيونوسفير، فمن الصعب الحصول على صيغة موحدة لتصحيح الخطأ.

الملاحة والأقطاب المغناطيسية

ما دمت تحمل بوصلتك أفقيًا فستشير إلى القطب المغناطيسي الجنوبي، الذي يوجد قرب القطب الشمالي الجغرافي. لتصحيح هذا الانزياح، يوجد نموذج مغناطيسي عالمي لتمثيل الحقل المغناطيسي للأرض بدقة، إذ تعمل أجهزة نظام تحديد الموقع العالمي بمساعدة هذا النموذج، لذلك يستطيع أن يعرض لك المسار الصحيح.

هل يتأثر عمل البوصلة وتقنية تحديد الموقع الجغرافي في القطبين - نظام تحديد المواقع العالمي جي بي إس - البوصلات والخرائط الجغرافية

النموذج المغناطيسي العالمي لعام 2010

رغم ذلك فإن انزياح الحقل المغناطيسي باستمرار يُفسر تجديد النموذج المغناطيسي العالمي كل خمس سنوات. يمكنك مقارنة النموذج المغناطيسي العالمي مع الخريطة الجغرافية العادية، وإذا استمرت كتل اليابسة على سطح الأرض بالتغير فستحتاج إلى خريطة جديدة في كل مرة لتحديد المواقع الصحيحة، وبالمثل، إذا كان النموذج المغناطيسي العالمي الذي تستخدمه قديمًا، فقد يقودك متتبع نظام تحديد الموقع إلى الموقع الخطأ.

خاتمة

قد تبدو البوصلة أداةً منتهية الصلاحية، ولكن لن يعني نظام تحديد المواقع العالمي شيئًا من دون البوصلة. فكلاهما يعمل معًا للوصول إلى وجهتك بتحديد المواقع على خريطة النموذج المغناطيسي العالمي.

إذا سافرت إلى أي من قطبي الكوكب، قد يظل نظام تحديد المواقع العالمي قادرًا على تتبعك، لكنه لن يقدر على مساعدتك لتصل إلى وجهتك بسبب تعطل عمل البوصلة!

اقرأ أيضًا:

كيف تخبرنا البوصلة باتجاه الشمال عندما نكون في القطب الجنوبي للأرض؟

كيف يعمل المغناطيس ؟

ترجمة: فارس بلول

تدقيق: راما الهريسي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر