كشف مجموعة من الباحثين في دراسة جديدة أن سطح القمر يتحول إلى اللون الأحمر. ورجح العلماء أن كوكب الأرض هو السبب الرئيسي في انتشار هذا الصدأ.

الصدأ من منظور علمي

يُعرف الصدأ علميًا على أنه وجود كمية كبيرة من أكسيد الحديد تنمو على أسطح الأشياء. وينشأ هذا المركب الكيميائي في الأصل من تفاعل ذرات الحديد مع جزيئات الماء وذرات غاز الأكسجين.

يمكن إيجاد أكسيد الحديد أو ما يعرف باسم الصدأ نتيجة تفاعل بعض المركبات الكيميائية على المسامير والبوابات الحديدية. أما في الفضاء، كوكب المريخ مثلًا يسمى باسم (الكوكب الأحمر) وذلك بسبب الكميات الكبيرة من مركب أكسيد الحديد التي ترسبت على سطح الكوكب على مدار سنوات كثيرة وتسببت في اكتساب الكوكب لهذا اللون الأحمر المميز.

ولكن هذا لا يعني أن الصدأ هو قاعدة سماوية لا بد أن تنطبق على كل الأجرام الموجودة في الكون. يعد القمر، أحد الاستثناءات من هذه القاعدة. بافتقار القمر إلى الغلاف الجوي الذي يغذيه بالأكسجين والماء الواجب توافرهما لإتمام التفاعل الكيميائي المولد لمركب أكسيد الحديد، يُجعل من المستحيل أن ينتشر هذا المركب على سطحه جاعلًا منه جرمًا سماويًا مقاومًا للصدأ.

يقول شواي لي وهو باحث مساعد بجامعة هاواي، إن تحول لون القمر إلى اللون الأحمر نتيجة للصدأ أمر محير جدًا، خاصة أن طبيعة بيئة القمر لا تشجع على تشّكل هذا الصدأ.

خريطة القمر المعدنية

استطاع ماسح المعادن القمري الذي رافق رحلة مهمة تشاندريان-1 الهندية إلى القمر، أن يرسم خريطة متكاملة لتربة القمر. في أثناء البعثة التي دارت حول القمر في عام 2008 التُقطت صور كثيرة لسطح القمر وتربته، وعند تحليل هذه الصور اكتشف الباحثون وجودًا كثيفًا لمركبات كيميائية معينة منتشرة على قطبي القمر الشمالي والجنوبي تختلف عن المركبات الكيميائية المنتشرة على بقية سطح القمر.

كوكب الأرض يتسبب في تغيير معالم سطح القمر - دراسة جديدة تقول أن سطح القمر يتحول إلى اللون الأحمر - تفاعل ذرات الحديد مع الماء والأكسجين - أكسيد الحديد

بتحليل الأطياف الضوئية لهذه المركبات الكيميائية، وجد الباحثون صخورًا معدنية غنية بالحديد في المناطق القطبية للقمر، وكانت هذه الصخور تحتوي على كميات كبيرة من أكسيد الحديد. وهذا المركب الكيميائي يمكن إيجاده بسهولة منتشرًا على سطح الأرض، وأكسيد الحديد Fe2O3 معروف أيضًا باسم الصدأ.

تضيف الباحثة أباجيل فاريمان الباحثة المساعدة في هذه الدراسة عن القمر، أن اكتشاف أكسيد الحديد كان مستبعدًا نظرًا لخلو التربة القمرية من العوامل المؤكسدة التي تتفاعل لإنتاج هذا المركب الكيميائي. ولكن عندما أعاد الباحثون النظر في الأمر، وجدوا أنه منذ أن أثبتت بعض الدراسات وجود الماء على سطح القمر كان الجميع يتوقع وجود المعادن في تربة القمر.

كيف يتشّكل هذا الصدأ؟

لكي نحصل على أكسيد الحديد لا بد من توافر العامل المؤكسد مثل غاز الأكسجين الذي يجرد ذرات الحديد من الإلكترونات.

في بداية الدراسة، لم تكن الرياح الشمسية المشحونة بالجسيمات سببًا مرجحًا في انتشار أكسيد الحديد على سطح القمر، إذ تضرب هذه الرياح الشمسية جار الأرض القريب متسببةً في تغذية القمر باستمرار بغاز الهيدروجين. ومن المعروف عن ذرات غاز الهيدروجين أنها ذرات مختزلة على عكس ذرات غاز الأكسجين، إذ تتخلى ذرات الهيدروجين في أثناء التفاعل الكيميائي عن إلكتروناتها للذرات الأخرى. ونظرًا لافتقار القمر إلى مجال مغناطيسي يحميه من الرياح الشمسية يصبح من غير المتوقع أبدًا أن تكون الشمس سببًا في انتشار الصدأ على تربة القمر.

الغلاف المغناطيسي للأرض

كما ذكرنا سابقًا، لا يملك القمر غلافًا جويًا يزوده بالكميات التي يحتاج إليها من غاز الأكسجين، ولكن بعض الدراسات الحديثة أشارت إلى أن القمر يستعير بعض الأكسجين من الغلاف الجوي للأرض. إذ يسافر الأكسجين إلى القمر عبر ما يعرف باسم الغلاف المغناطيسي للأرض.

ويضيف العلماء أنه كلما كان القمر في طور البدر، يعمل هذا الغلاف المغناطيسي كستار مؤقت متسببًا في حجب 99% من تأثير الرياح الشمسية على سطح القمر تقريبًا. مستغلًا هذا الستار المؤقت، قد يعمل الصدأ على الانتشار بسرعة على سطح القمر، إلا إن هذه العملية تحتاج إلى أحد العوامل الضرورية لإتمام هذا التفاعل الكيميائي ألا وهو توافر عنصر الماء.

بالرغم من اكتشاف الماء على الجانب البعيد للقمر، وهو المكان الذي لم نكتشف وجود أكسيد الحديد فيه حتى الآن، فإن بعض العلماء يرجحون أن حركة جسيمات الغبار المستمرة والسريعة عبر سطح القمر قد تكون من العوامل المهمة التي تجعل جزيئات الماء تتحرر من طبقات تربة القمر لتتفاعل مع الحديد والأكسجين. واقترح العلماء أن حركة جسيمات الغبار المشبعة بجزيئات الماء تولد حرارة تؤدي إلى زيادة معدل الأكسدة.

تطور سطح القمر

مع ذهولهم بهذه النتائج، أكد الباحثون أنه بالرغم من أن كل هذه الأبحاث تبقى مجرد افتراضات تحتاج إلى المزيد من البحث المستقبلي لإثبات صحتها، فإن هذا الاكتشاف سوف يعيد كتابة تاريخ معرفتنا بالقمر وقطبيه الشمالي والجنوبي، فالقمر لم يعد جارنا الذي تفصلنا عنه مسافة من الأحلام والأماني فقط، وإنما أصبح كوكب الأرض لاعبًا رئيسيًا في تغيير معالم القمر الطبيعية.

اقرأ أيضًا:

وجدت العربة القمرية الصينية صخورًا غريبة على الجانب الآخر من القمر

مفاجأة: الأرض والقمر ليسا مصنوعين من المواد الخام ذاتها!

ترجمة: هبة الحارس

تدقيق: عون حدّاد

المصدر