كان اسم هذه العملية الأصلي: «عملية فرتز»، وهو الاسم الحركي لعملية اجتياح ألمانيا للاتحاد السوفيتي إبان الحرب العالمية الثانية، انطلقت في 22 حزيران عام 1941 وشكلت نقطةً فارقةً في مسار الحرب حين فشل الألمان في دحر قوات الاتحاد السوفيتي.

خلفية المشهد

رحّب هتلر بتوقيع اتفاق عدم الاعتداء بين ألمانيا والسوفيت عام 1939 بوصفه اتفاقًا ملائمًا، لكنه لم يتوقف عن معاداة البلشفية بشدة حتى مع دخول الحرب سنتها الثانية، وبعد احتلال السوفيت لدول البلطيق ومنطقة بيسارابيا وشمالي بوكوفينا (وتقع الأخيرتان في أوروبا الشرقية) في حزيران عام 1940، أصبحت القوات السوفيتية قريبةً من حقول النفط الرومانية التي اعتمدت عليها ألمانيا، فاشتعلت رغبة هتلر القديمة في الإطاحة بالنظام السوفيتي.

بدأ هتلر يشك في نوايا الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، وشعر أنه لا يستطيع تحمل تكلفة انتظار انتهائه من إخضاع أوروبا الغربية قبل أن يهاجم الاتحاد السوفيتي كما خطط سابقًا، فوقّت هتلر وضباط جيشه الهجوم على الاتحاد السوفيتي في منتصف أيار عام 1941، لكن الحاجة المفاجئة إلى اجتياح يوغوسلافيا واليونان في نيسان تلك السنة جعلتهم يؤجلون الحملة على السوفيت حتى أواخر حزيران.

إن سرعة انتصارات هتلر في البلقان دفعته إلى التمسك بالتوقيت الجديد، إلا أن التأخّر عن الموعد بخمسة أسابيع قلّل المدة المتاحة لغزو الاتحاد السوفيتي، ما أثّر في نتيجة الغزو بسبب قدوم الشتاء الروسي سنة 1941 أبكر من المعتاد، لكن هتلر وأعضاء القيادة العليا للجيش الألماني (القائد العام فالتر فون براوخيتش ورئيس الأركان العامة فرانز هالدر) اقتنعوا بمقدرتهم على هزيمة الجيش الأحمر في غضون شهرين أو ثلاثة وأنهم -قبل نهاية تشرين الأول- سيستَولون على كامل الجزء الأوروبي من روسيا إضافةً إلى كل القسم الأوكراني الواقع غرب خط مرسوم على خرائطهم يمتد من أرخانغيلسك إلى أستراخان الروسيتين.

أطلق الألمان في البداية على غزوهم للاتحاد السوفيتي اسم عملية فرتز، لكن هتلر بدّل الاسم -بعد أن بدأت التحضيرات- إلى عملية بارباروسا تيمنًا بزعيم الامبراطورية الرومانية المقدسة فريدريك بارباروسا (حكم بين 1152 و1190 م) الذي سعى إلى فرض الهيمنة الألمانية على أوروبا.

خصص الألمان نحو 150 فرقةً -كان مجموع عدد مقاتليها قرابة الثلاثة ملايين رجل- لحملتهم على الاتحاد السوفيتي، تضمنت 19 فرقة دبابات من نوع بانزر، ما يعني أن القوة التي خُصصت للهجوم في عملية بارباروسا احتوت على نحو 3000 دبابة و7000 قطعة مدفعية و2500 طائرة فكانت أكبر وأشد قوة غزو في التاريخ البشري، وعُزّزت بأكثر من 30 فرقة من القوات الفنلندية والرومانية.

أما السوفيت فامتلكوا عدد دبابات وطائرات يساوي ضعفي ما امتلكته ألمانيا وربما ثلاثة أضعاف، وكانت دباباتهم تساوي -في الفعالية- الدبابات الألمانية تقريبًا إلا أن طائراتهم كانت -بمعظمها- من طراز قديم بَطًل استعماله. وأعاقَ حظوظَ هتلر في الانتصار استهانة المخابرات الألمانية بقدرة ستالين على جلب احتياطي القوات العسكرية من أعماق الاتحاد السوفيتي.

قدّر الألمان وجود نحو 150 فرقةً عسكرية في الجزء الغربي من الاتحاد السوفيتي فصحّ تقديرهم، وتوقعوا أن السوفيت قادرون على تجهيز نحو 50 فرقةً أخرى، إلا أن السوفيت جهّزوا أكثر من 200 فرقة جديدة بحلول منتصف آب فأصبح مجموع عدد فرقهم 360 فرقةً، وكانت النتيجة إعاقة تقدم الألمان وانسداد الطرق أمامهم بفرق جديدة بعد أن دمروا الجيوش السوفيتية التي جابهوها في البداية بتقنياتهم المتفوقة.

تضاعف أثر خطأ الحسابات الألمانية بسبب ضياع معظم شهر آب في نقاشات هتلر المطولة مع مستشاريه عن الطريقة التي عليهم اتباعها بعد إحرازهم الانتصارات الأولى. ويجدر بالذكر وجود عامل سياسي صرف ضمن العوامل الداخلة في الحسابات الألمانية الذي لم يكن أصحّ من البقية؛ هو إيمان الألمان بانهيار النظام السوفيتي بسبب افتقاده الدعم الشعبي خلال ثلاثة إلى ستة أشهر من انطلاق الحملة العسكرية.

أحداث لاحقة

أوقف هتلر تقدم ليب نحو أطراف مدينة لينينغراد شمالًا حالما اقترب الشتاء، لكنه أمر رونتشتيت وكلايست بالضغط على القوات السوفيتية من نهر الدنيبر نحو نهر الدون ومنطقة القوقاز، وكان على بوك حينها معاودة التقدم نحو موسكو، فتقدم الأخير من جديد في 2 تشرين الأول عام 1941 ولاح له المستقبل مشرقًا حين أحاطت جيوشه بمدينة فيازما وأسرت 600 ألف من قوات السوفيت.

أصبح طريق موسكو معبّدًا أمام تقدم الألمان مؤقتًا، لكن معركة فيازما لم تنته حتى أواخر تشرين الأول بعد أن أصاب الإجهاد الألمان وغطت الوحول الأرض مع تردي الطقس، ناهيك عن قدوم قوات سوفيتية جديدة قطعت الطريق على الألمان إبان تقدمهم البطيء المتثاقل.

رغب بعض الضباط الألمان بوقف الهجوم وإقامة خطوط مناسبة يقضون خلفها الشتاء متحصنين، لكن بوك أراد مواصلة التقدم مؤمنًا بقرب انهيار السوفيت وأيده في ذلك براوخيتش وهالدر، ووافق رأي هؤلاء هوى هتلر فلم يبدِ اعتراضًا إذ إن إغراء أخذ موسكو الذي لاح في الأفق أمام أعين القادة الكبار كان عظيمًا لا يُقاوم.

بُذِلت مزيد من الجهود في 2 كانون الأول فنجحت بعض المفرَزات الألمانية بدخول ضواحي موسكو لكن مجمل القوات المهاجمة أُعيقت في الغابات المطلّة على العاصمة، وواحد من أسباب كبح المرحلة الأخيرة من الهجوم الألماني العظيم هو آثار الشتاء الروسي الذي كان الأقسى منذ عقود ببرده القارس.

حل تشرين الأول والثاني وفيهما حطمت قضمات الصقيع القوات الألمانية التي لم تُزود بالملابس المناسبة لمثل هذا الطقس، وأصاب الشلل مركبات الألمان الميكانيكية ودباباتهم وقطع مدفعيتهم وطائراتهم بسبب البرد والجليد، بينما كان السوفيت مجهزين بلباس ملائم ومستعدين للقتال جيدًا في الشتاء أكثر من الألمان، فازدادت الخسائر الألمانية إلى مستويات لم تُشهد من قبل في الحملات على فرنسا والبلقان؛ إذ كانت الخسائر الألمانية -في تشرين الثاني- نحو 730 ألف مقاتل.

وصل كلايست إلى بوابة منطقة القوقاز -مدينة روستوف الواقعة على نهر الدون في الجنوب- في 22 تشرين الثاني واستنزف في أثناء تقدمه وقود دباباته، وارتأى رونتشتيت أن تنسحب القوات من المكان لأنه غير منيعٍ لكن هتلر عارض ذلك، فشن السوفيت هجومًا مضادًا استردوا به روستوف في 28 تشرين الثاني، ولم تمض أربعة أيام حتى أُقيل رونتشتيت من منصبه.

بدأ قائد جبهة موسكو السوفيتي غيورغي جوكوف -في 6 كانون الأول- أول هجوم مضاد كبير حالما أحس بضعف الحملة الألمانية على موسكو، فضرب ميمنة بوك في منطقتي ييليتس وتولا جنوب موسكو وضرب قلب جيشه في منطقتي كلين وكالينين (قرب مدينة تفير) في الشمال الغربي، واستعمل مجندين من القوات السيبيرية الكفؤة في معارك الطقس البارد، وتبعت ذلك ضربة أصابت ميسرة الألمان في منطقة فيليكيي لوكي، وبعدها تواصل الهجوم السوفيتي المنطلق من ثلاث نقاط نحو سمولنسك حتى نهاية شتاء 1941-1942.

بدأ إخفاق عملية بارباروسا في آب عام 1941 وكان الفشل التام جليًا حالما بدأ الهجوم السوفيتي المضاد، ولا يُنكر أن الجيش الأحمر عانى خسائر أعظم من الألمان في أثناء الحملة العسكرية إلا أن عدم قدرة النازيين على هزيمة الاتحاد السوفيتي كانت علامةً مهمةً على الإخفاق في المساعي العسكرية الألمانية.

اقرأ أيضًا:

كل ما تود معرفته عن معركة ستالينغراد

اختراعات من الحرب العالمية الثانية غيرت العالم

ترجمة: الحسين الطاهر

تدقيق: علي البيش

مراجعة: آية فحماوي

المصدر