حدث ضخم أُنجز فيه البحث عن الموصلية الفائقة. حقق علماء الفيزياء للمرة الأولى تيارًا من الشحنات الكهربائية بمقاومة معدومة عند درجة حرارة الغرفة 15 درجة مئوية. حطم هذا الرقم سابقه عند درجة حرارة -23 درجة مئوية، ووسعت فاعلية الموصلية الفائقة بشكل كبير.

نظرًا إلى محدودية درجات الحرارة الدنيا؛ فإن المواد ذات الخواص غير العادية لم تُغير العالم كفاية بالشكل الذي تخيله الكثيرون، وحسب قول الفيزيائي رانغا دياز في جامعة روشيستير في بيانٍ صحفي: «على أية حال، اكتشافنا هذا سيزيل العوائق ويفتح الباب للعديد من التطبيقات المحتملة».

اكتشفت الموصلية الفائقة لأول مرة عام 1911 وأصبحت حينها الهدف الأساسي في فيزياء المادة المكثفة، وتتألف من خاصيتين رئيسيتين، الأولى هي المقاومة المعدومة، فعادةً يؤدي تدفق التيار الكهربائي إلى قدرٍ من المقاومة يواجه بعضًا من المقاومة الكهربائية بشكلٍ يشبه قليلًا مقاومة الهواء التي تدفع الأشياء المتحركة للخلف على سبيل المثال.

«فكلما زادت موصلية المادة قلّت مقاومتها الكهربائية، وتمكّن التيار من التدفق بحرية أكبر».

الخاصية الثانية تسمى ظاهرة «مايسنر»، تُفصَل فيها الحقول المغناطيسية للمواد فائقة التوصيل، ما يجبر خطوط الحقل المغناطيسي أن تلتف حول المادة.
«إذا وضع مغناطيس دائم فوق مادة فائقة التوصيل؛ فإن قوة التنافر لخطوط الحقل المغناطيسي ستجعل المغناطيس يطوف في الهواء».

للمرة الأولى حقق الفيزيائيون الموصلية الفائقة في درجة حرارة الغرفة - تمرير تيار من الشحنات الكهربائية بمقاومة معدومة عند درجة حرارة الغرفة 15

التطبيقات المحتملة للموصلية الفائقة قد تُحدث ثورة في عالمنا بدءًا من النقل باستخدام الماجليف (القطار المغناطيسي المعلّق) إلى نقل البيانات وصولًا إلى الشبكات الكهربائية معدومة الضياعات (الشحنات الكهربائية المهدورة).

لكن هنالك مشكلة كبيرة، إن صناعة المواد فائقة التوصيل وصيانتها تتم عادةً في درجات حرارة شديدة الانخفاض، أقل بكثير من درجات الحرارة التي يمكن إيجادها في الطبيعة، ومن الصعب والمكلف إبقاء المواد في درجات حرارة كهذه؛ ومن ثمّ كان ذلك عائقًا للتطبيقات الموسعة.

نجح علماء الفيزياء مؤخرًا في رفع درجة حرارة العناصر خفيفة الوزن، مثل كبريتيد الهيدروجين وهيدريد اللانثانم، والعنصر المشترك هنا «الهيدروجين» أخف عناصر الطبيعة، لكن الهيدروجين الغازي عازل، ولجعله مادة فائقة التوصيل يجب تعدينه تحت ضغط هائل.

يقول دياز: «المعياران الرئيسيان للحصول على ناقل فائق التوصيل ذي درجة حرارة عالية هما الروابط القوية والعناصر الخفيفة، والهيدروجين هو أخف المواد، ورابطته واحدة من أقوى الروابط»

«إن الهيدروجين المعدني يملك درجة ديباي عالية -الديباي هي وحدة قياس عزم ثنائي القطب الكهربائي- واقتران إلكتروني-فونوني قوي، وضروري للموصلية الفائقة بدرجة حرارة الغرفة».

كون الهيدروجين المعدني النقي يمكن تشكيله تحت ضغط شديد فقط، فمن الصعب جدًا تحقيق الظروف الملائمة، وقد تمكن فريقان فقط من تشكيله في السنوات الأخيرة.

ففي عام 2017 شكّلَ علماء فيزياء الهيدروجين المعدني تحت ضغطٍ يتراوح بين 465 و495 غيغا باسكال وبدرجة حرارة 5.5 كيلفن (-267.65 مئوية).

وفي عام 2019 تحت ضغط 425 غيغا باسكال وبدرجة حرارة 80 كيلفن (-193 مئوية). وكلاهما كانا بعيدين عن درجة حرارة الغرفة.

إضافةً إلى ذلك، إن الضغط عند نواة الأرض يتراوح بين 330 و360 غيغا باسكال، لذلك، فثاني أفضل شيء بعد الهيدروجين المعدني هو معدن غني بالهيدروجين، مثل: كبريتيد الهيدروجين وهيدريد اللانثانم اللذين استُخدما في تجارب سابقة، إذ تُحاكي هذه المعادن خواص الموصلية الفائقة للهيدروجين المعدني عند درجات ضغط أدنى بكثير.

لذلك بدأ فريق من علماء الفيزياء بقيادة إيليوت سنايدر في جامعة روشيستر بالتجارب، بدايةً حاولوا مزج الهيدروجين مع الإيتريوم لتكوين سوبر هيدريد الإيتريوم، نجحت هذه المادة فائقة التوصيل عند درجة حرارة -11 درجة مئوية تحت ضغط 180 غيغا باسكال، ثم مزج سنايدر وفريقه الكربون والكبريت والهيدروجين لتكوين هيدريد الكبريت الكربوني، ضغطوا عينة صغيرة من المزيج في سندان ألماسي، ورُصدت موصليتها عند ضغط 270 غيغا باسكال وحرارة 15 درجة مئوية.

بالطبع، ما تزال بعيدة جدًا عن إمكانية استخدامها في الظروف الطبيعية كون حجم العينة ميكروسكوبيًا يتراوح بين 25 و35 ميكرون، والضغط الذي تحققت عنده الموصلية الفائقة غير عملي.

الخطوة التالية للباحثين هي إيجاد طريقة للتقليل من الضغط المطلوب بتعديل التكوين الكيميائي للعينة.

يعتقد الباحثون -في حال وصولهم للخليط الصحيح- أن الموصلية الفائقة عند درجة حرارة الغرفة والضغط المحيط ستكون بحوزتنا في النهاية.

اقرأ أيضًا:

شرح ظاهرة الطفو الكمومي للمواد ذات الناقلية الفائقة

الموصلية الفائقة للكهرباء تحت التجربة لاول مرة

ترجمة: حسين عباس

تدقيق: تسبيح علي

المصدر