قد يبدو عرق السوس الأسود ومذاقه مثل حلوى غير مؤذية، إلا أنه يمتلك جانبًا مظلمًا. أفادت التقارير نُشرت حديثًا أن «عرق السوس الأسود كان السبب في وفاة رجل يبلغ من العمر 54 عامًا في ماساتشوستس»، كيف يُمكن ذلك؟ إن الإفراط في تناول عرق السوس الأسود تبدو قصةً مُخادعة أكثر من كونها واقعًا منطقيًا.

لطالما اهتممت بكيفية تأثير المواد الكيميائية، الموجودة في غذائنا وبيئتنا، في أجسادنا وعقولنا. عندما يبدو شيء غير ضار كعرق السوس سببًا للوفاة، يطرأ ببالنا قول الطبيب السويسري براكلسوس مؤسس علم السموم «جميع الأشياء سامّة، ولا شيء بلا سُم، كمية الشيء وحدها ما يجعله سامًّا أو غير سام».

أصل المشكلة

لم يكن الرجل سيئ الحظ الذي فارق الحياة حديثًا نتيجة فرط استهلاك عرق السوس الأسود الحالة الوحيدة، بل يوجد القليل من الحالات المماثلة في التقارير الطبية، التي ورد فيها أن المرضى قد عانوا نوبة فرط ضغط الدم أو انهيار عضلي أو حتى الوفاة. وتُرى ردود الفعل السلبية أكثر في أشخاص تجاوزوا الأربعين من العمر، ويتناولون الكثير من عرق السوس الأسود فترات زمنية طويلة مقارنةً بالشخص العادي. في أحدث الحالات، تناول الرجل من ماساتشوستس كيسًا ونصف كيس من عرق السوس الأسود يوميًا مدة ثلاثة أسابيع.

يُعد عرق السوس من النباتات المزهرة التي تنمو في أجزاء من أوروبا وآسيا، ويعود أصل تسميته للغة اليونانية. استُخدمت الخلاصة العطرية والحلوة من جذورها علاجًا بالأعشاب لكثير من الأمراض الصحية، مثل الحموضة، وأمراض المعدة والتهاب الحلق والسعال، لكن لا توجد أدلة كافية تدعم فعالية عرق السوس في معالجة الحالات المرضية.

الجانب المظلم الخطير لعرق السوس الأسود - الإفراط في تناول عرق السوس الأسود - نوبة فرط ضغط الدم أو انهيار عضلي أو حتى الوفاة

يُعد الجلسرهيزين المادة الكيميائية في حلوى عرق السوس الأسود التي تمنحه نكهته الخاصة، وتؤدي أيضًا إلى ظهور تأثيرات سامة.

يُحاكي الجلسرهيزين هرمون الألدوستيرون الذي يُصنَع في الغدة الكظرية عندما يكون الجسم بحاجة إلى الاحتفاظ بالصوديوم وإفراز البوتاسيوم. يعمل الصوديوم والبوتاسيوم مثل بطارية خلوية تُحفز التواصل بين الأعصاب وانقباض العضلات. إن فرط الجلسرهيزين يخل بتوازن هذه الكهارل، ما يسبب ارتفاع ضغط الدم واضطراب نبضات القلب. وتُسبب الجرعة المفرطة من عرق السوس أيضًا أعراضًا مثل التورم وألم العضلات والتنميل والصداع. كشف الفحص الذي أُجري على الرجل الذي تُوفي جرّاء استهلاك الكثير من عرق السوس أن مستويات البوتاسيوم كانت منخفضة إلى حد خطير، ما يتفق مع سُميّة الجلسرهيزين.

إن الأطعمة التي ترتكز على عرق السوس لا تحتوي على عرق سوس حقيقي بل تُستبدل بها نكهة زيت الينسون، الذي يخلو من المخاطر الواردة في هذا المقال. نادرًا ما يحتوي عرق السوس الأحمر -رغم اسمه- على خلاصة عرق السوس. يُنقع عرق السوس الأحمر في مواد كيميائية تضفي له نكهة الكرز أو الفراولة.

في حالة المنتجات التي تحتوي عرق سوس حقيقي، يُذكر ذلك صراحةً على المُلصق الخاص بالمنتج. علمًا بأن بعض المنتجات، مثل حلوى الهلام الأسود أو «غود أند بلينتي»، هي خليط من الحلوى المختلفة التي تحتوي على زيت الينسون وخلاصة عرق السوس.

مخاوف مستترة تزيد الخطورة

يتميز الجلسرهيزين باحتوائه على نكهة عرق السوس وهو أكثر حلاوة بـ 50 ضعفًا من السكر. ويُستخدم في أصناف أخرى من الحلوى والمشروبات الغازية والشاي والبيرة البلجيكية وأقراص المص للحلق والتبغ. يجعل ذلك متابعة مقدار كمية الجلسرهيزين المُستهلكة أمرًا صعبًا، وقد يؤدي الجمع بين هذه المنتجات إلى ظهور آثار ضارة.

يتناول بعض الأشخاص مكملات غذائية أو صحية تحتوي بالفعل على عرق السوس، ما يزيد من خطر التأثيرات السامة الناجمة عن تناول حلوى عرق السوس الأسود. بعض الأدوية المُدِرَّة للبول مثل هيدروكلورثيازيد تسبب زيادة معدل التبول، ما يؤدي إلى انخفاض معدلات البوتاسيوم في الجسم. يخفض الجلسرهيزين بدوره مستويات البوتاسيوم، ما يزيد من اختلال توازن الكهارل، فيُسبب حدوث شد عضلي واضطراب في نبضات القلب.

يُعد الأشخاص الذين يعانون حالات معينة موجودة مسبقًا الأكثر تأثرًا بالجرعات الزائدة من عرق السوس الأسود. من المُرجح أن يكون المرضى الذين يعانون انخفاضًا في مستويات البوتاسيوم في الدم، أو ارتفاع ضغط الدم أو اضطراب نبضات القلب أكثر حساسيةً تجاه تأثيرات الإفراط في تناول عرق السوس. يحتفظ الأشخاص الذين يعانون عجز الكبد والكلى بالجلسرهيزين في مجرى الدم فترات زمنية أطول، ما يزيد خطر التعرض لتأثيراته الضارة.

ماذا يجب عليّ فعله؟

لا حاجة إلى استبعاد عرق السوس الأسود من خزانتك إذا كنت من محبيه، إذ لا يشكل تناوله بكميات قليلة بين حين وآخر تهديدًا كبيرًا على البالغين والأطفال الأصحاء، لكن من الأفضل مراقبة الكميات المستهلكة.

احرص على تذكير أطفالك بالتقليل من تناول حلوى عرق السوس الأسود. أصدرت إدارة الغذاء والدواء تحذيرًا حول التأثيرات النادرة الخطيرة الناجمة عن الإفراط في تناول عرق السوس الأسود، ونصحت «بتجنب تناول كمية تزيد على أونصتين -56 جرامًا- في اليوم مدة أسبوعين أو أكثر». أشارت المنظمة إلى أنه «حال تناولت كميات كبيرة من عرق السوس الأسود، وشعرت باضطراب في نبضات القلب أو وهن عضلي، فتوقف عن تناوله مباشرةً واتصل بمقدم الرعاية الصحية».

حذّر بعض العلماء من الاستخدام المستمر لعرق السوس الأسود على هيئة مكمل غذائي أو شاي لمنافعه الصحية المزعومة. حذّر مقال نُشر سنة 2012 من أن «الاستهلاك اليومي لعرق السوس غير مُبَرر إطلاقًا، لأن فوائده ضئيلة مقارنةً بالنتائج الضارة للاستهلاك المزمن».

اقرأ أيضًا:

هل يسبب عرق السوس الأسود أمراض في القلب؟

تناول عرق السوس ثلاثة أسابيع فلقي حتفه!

ترجمة: لارا الطراونة

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر