تسمح الليزر النبضي ونظام تحديد المواقع العالمي GPS ووحدات قياس الممانعة لحساسات ليدار بخلق سحابات نقطية عالية الدقة. ليدار، ربما سمعت بهذا المصطلح من قبل، لكنك في الغالب لا تعلم تمامًا كيف تعمل تكنولوجيا التصوير والاستشعار هذه. (ليدار-LiDAR) هي اختصار (Light Detection And Ranging) التي تعني تحديد الضوء ومداه، وهي تكنولوجيا تستخدم الليزر النبضي لقياس أبعاد منطقة ما أو بعد هدف معين بدقة وثبات. حساسات ليدار هي أدوات قياس ورسم خرائط ضوئية مفيدة جدًّا في الكثير من المجالات.

قد يكون هذا الشرح المقتضب كافيًا للبعض، لكنه في الواقع قصير جدًا لفهم ماهية ليدار تمامًا وكيف يمكن استخدامه. لننظر بقرب إلى كل ما تحتاج إلى معرفته حول تقنية ليدار.

ما تكنولوجيا ليدار ؟

كما أسلفنا، تعتمد ليدار على شعاع ليزر نبضي. هي تكنولوجيا نشطة وتتميز بالاستشعار من بُعد وتُستخدم عمومًا لرسم البيئات والمناطق الواسعة. الطريقة التي تعمل فيها هذه التكنولوجيا مبنية أساسًا على مبدأ «زمن الرحلة».

يعلم المهندسون مدى سرعة الضوء، ما يعني أننا بإطلاق نبضة ليزر وتحديد الزمن الذي تستغرقه هذه النبضة لتعود إلى مكان انطلاقها، نستطيع تحديد بُعد شيء ما عنّا.

مثلًا، سرعة الضوء هي 299792458 م/ثانية. لو أطلقنا شعاع ليزر وعاد إلينا خلال ثانية واحدة (أو أي فترة زمنية)، فستكون المعادلة سهلة جدًا. كل ما نحتاج إلى فعله هو ضرب الزمن (1 ثانية) بسرعة الضوء 299792458 م\ثانية. وتلغي الثواني بعضها (الثانية من الوقت مع الثانية من مقام السرعة 1\ثانية) فيبقى لدينا المسافة ووحدتها المتر 299792458 م.

قد يكون الأساس الرياضي المستخدم في ليدار بسيطًا للغاية، لكن تطبيق الأمر على أرض الواقع أصعب مما يبدو.

الشيء الآخر حول ليدار هو أنها لا تعطيك المسافة فقط، بل قادرة على تحديد المميزات البصرية للأشياء، مثل الانعكاسية والامتصاص، ما يقدم بيانات حول الهدف إضافةً إلى مدى بُعده، فيجعل هذه التقنية مثالية لرسم الخرائط.

لا تُجمع البيانات مع مرور الوقت، بل بوساطة خصائص الشعاع المنعكس عند عودته.

تُشبّه ليدار -من ناحية قدرة التحسس- بتقنيات الرادار والسونار، لكنها أدق بكثير. يعاني الرادار عدم القدرة على تحديد مواقع الأشياء بدقة، غير أنه يعطيك فكرة عامة عن مكان وجود الأشياء ومجالات حركتها. والسونار يعمل بنفس الطريقة تقريبًا.

قد يكون هذا النوع من الدقة مقبولًا في بعض التطبيقات التي تستخدم فيها الرادار والسونار، لكن في الكثير من التطبيقات، فنحن بحاجة إلى مستوى أعلى من الدقة، مثل تخطيط البيئات، والقيادة الذاتية، واحدة من أهم تطبيقات ليدار الواعدة.

تعود بدايات ليدار والمسح باستخدام الليزر إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حين رُسمت وصُنّفت التضاريس رقميًّا أول مرة. كانت بهذه التطبيقات الأولى لليدار البدائي القدرة على تطوير بيانات المرتفعات والتضاريس لمناطق مختلفة.

كانت أجهزة ليدار البدائية كبيرة الحجم وغريبة، أما اليوم، فأصبح ليدار أصغر وقابلًا للحمل. من المحتمل أنك شاهدت حساسات ليدار الأسطوانية التي تدور على أسطح السيارات ذاتية القيادة. ومع أنها تبدو «كبيرة»، فإنها لا تقارن بحجمها في الماضي، إذ كانت هائلة الحجم.

يعود كل هذا الانخفاض في الحجم إلى العناصر الإلكترونية الصغيرة والتطور في تقنية الديود الليزرية. وساعد الذكاء الصناعي أيضًا على تطوير ليدار إذ يُستخدم في معالجة كمية هائلة من البيانات التي تجمعها الحساسات، مستنتجًا كمية أضخم من التفاصيل ومستخرجًا المزيد من البيانات المفيدة.

ما هي تكنولوجيا ليدار وما تطبيقاتها الأساسية - الليزر النبضي ونظام تحديد المواقع العالمي GPS ووحدات قياس الممانعة - حساس ليدار - أنظمة ليدار

من الضروري التنويه بأن ليدار -على عكس الرادار- ذو حساسية صغيرة المجال نسبيًا. معظم حساسات ليدار التجارية قادرة على التحسس حتى نطاق 100 متر، وقد يصل النطاق إلى 200 متر في الحساسات المتقدمة. على أي حال، تجمع الحساسات كمية ضخمة من البيانات، إذ إنه لو زاد نطاق عملها لتطلبت قدرة إحصائية هائلة. يطلق كل حساس مئات الآلاف من أشعة الليزر في الثانية. ويُوقَّت كل شعاع ويُحلّل لخلق سحابة نقطية عالية الدقة كما ناقشنا مسبقًا.

ماذا يوجد داخل حساس ليدار؟

هناك ثلاث مكونات رئيسية في كل أنظمة حساسات ليدار: الباعث والمستقبل والكاشف.

  •  حساس ليدار هو الجزء الأهم في الجهاز. وهو ما يرسل نبضات الليزر ويستقبل البيانات ليحدد نطاق وشكل الهدف أو البيئة.
  •  نظام تحديد المواقع العالمي GPS، الذي يربط بيانات ليدار مع المواقع الفيزيائية، ما يجعل السحابة النقطية أدق.
  •  وحدة قياس الممانعة IMU، تساعد على إكمال البيانات بالربط بين حركتي الحساس الخطية والزاويّة، ما يضمن أن البيانات ليست مشوهة بسبب طائرة أو سيارة تسير قرب الحساس في أثناء القياس.

تعمل المكونات الثلاث السابقة معًا لخلق سحابة نقطية عالية الدقة عبر أنظمة ليدار.

ما أفضل استخدام لتقنية ليدار؟

عندما تبدأ بالتفكير في جميع التطبيقات التي قد تستفيد من خرائط بيئية لحظية وعالية الدقة، فإن الفوائد المحتملة تُعدّ ولا تُحصى. بدءًا من القدرة على توجيه مركبة ذاتية القيادة وصولًا إلى القدرة على دراسة مضمار سباق في محاكٍ قبل السباق، يمكن الاستفادة من تقنية ليدار في العديد من الصناعات.

مع ذلك، فإن أشهر استخداماتها هي أنظمة ليدار المستخدمة في المسح، إذ تسمح للمسّاحين بجمع سحابات نقطية ثلاثية الأبعاد، ما يتيح للطاقم مسح قطعة من الأرض بسهولة كبيرة وبدرجة العالية من الدقة.

يشيع استخدام أنظمة المسح الليزرية في التخطيط الإنشائي وبناء الطرق والسكك الحديدية والتخطيط الزراعي.

يمكن استخدام ليدار خلال مرحلة البناء لخلق نموذج رقمي في موقع العمل كما لو أن البناء صار جاهزًا، يتيح لمديري أعمال البناء القدرة على مراقبة ورؤية التقدم في نفس اللحظة، إضافة إلى توقع المشكلات المحتملة والتوصل للأدوات المناسبة إلى جانب عناصر البناء الضرورية الأخرى.

ما نوع البيانات التي تجمعها أنظمة ليدار؟

مع أن الجواب عن هذا السؤال هو «الكثير من الأنواع المختلفة»، فليس هذا الجواب الذي تبحث عنه غالبًا. ولتجنب إغراقك بالعديد من أنواع البيانات المختلفة التي تجمعها أنظمة ليدار سنركز على الكثافة بوصفها عنصرًا مفتاحيًّا في عمل ليدار.

الكثافة هي نقطة البيانات المجمعة مقابل كل نقطة في سحابة بيانات ليدار الناتجة عن عملية المسح. الكثافة لكل نقطة هي قوة النبضة الليزرية المقاسة بعد انعكاسها. أساسًا، تسمح كثافة النبضة العائدة إلى الجهاز بتحديد انعكاسية الهدف.

لكن الأمر أعقد من ذلك بقليل. لأن المدى والمستقبِل وتكوين السطح والزاوية كلها عوامل تؤثر في كثافة الشعاع العائد. لهذا، من المهم لأنظمة ليدار أن تجمع بيانات المواقع والبيانات الداخلية. إذ إن امتلاك هذه البيانات الإضافية يسمح لبيانات الكثافة القادمة من نبضة الليزر بأن تفسر تفسيرًا صحيحًا.

أنواع ليدار

كما أسلفنا، يُستخدم ليدار في الأرض والجو. يقسم هذان الاستخدامان أنظمة ليدار إلى نوعين رئيسيين: ليدار الجوي وليدار البري.

يُستخدم ليدار الجوي في طائرات الهليكوبتر والطائرات دون طيار من أجل جمع البيانات. في هذا النوع من الأنظمة تُوجّه نبضات الليزر نحو سطح الأرض. يمكن أيضًا تقسيم ليدار الجوي إلى نوعين، الطوبولوجي ومقياس الأعماق.

يستخدم ليدار الطوبولوجي لقياس طبوغرافيا الأرض، في حين يُستخدم ليدار مقياس الأعماق لرسم خرائط طبوغرافيا تحت سطح الأرض تحديدًا.

يختلف ليدار البري عن الجوي، إذ تثبت الأنظمة على عربات متحركة أو حوامل ثابتة. إن هذا النوع من الأنظمة مناسب لرسم ومراقبة الطبوغرافيا الثابتة.

يقسم ليدار البري إلى نوعين: الثابت والمتحرك.

ربما استنتجت غالبًا الفرق بين هذين النوعين، إذ يُركّب ليدار المتحرك على مركبات ويُركّب الثابت على حوامل.

مع نهاية هذا المقال، يمتلك المبتدئ أو القارئ العادي كل ما يحتاج إلى معرفته عن تكنولوجيا ليدار. إنها أجهزة معقدة جدًا تعمل باستخدام الرياضيات البسيطة لخلق بعض من أدق بيانات التخطيط في العالم.

اقرأ أيضًا:

كيف يعمل الرادار ؟

كيف تعمل السيارات ذاتية القيادة ؟

ترجمة: حسين عباس

تدقيق: علي البيش

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر