يعاني معظم الناس القلق والاكتئاب والتوتر في فترة ما من حياتهم، تكون هذه الأحاسيس لأغلب الناس مؤقتةً ولا تتعارض مع جودة حياتهم، أما للبعض فقد تؤدي المشاعر السلبية إلى قنوط شديد، ما يدفعهم إلى التفكير في موقفهم من الحياة، وهذا ما يُعرَف بالأزمة الوجودية. درس العديد من علماء النفس والأطباء النفسيون مثل كازميريز دابروسكي وإرفين دي يالوم منذ عقود مفهوم الأزمة الوجودية بدءًا من عام 1929، ولكن حتى مع غزارة الأبحاث القديمة والحديثة حول الموضوع، فإنك قد تكون جاهلًا بمعناه أو غير مدرك لمدى اختلافه عن القلق الاعتيادي والاكتئاب.

تعريف الأزمة الوجودية

تفسر كايتي ليكام المختصة في علاج القلق والعلاقات المتوترة والهوية الجندرية قائلةً: «تكون الأزمة وجودية عندما يبدأ الأشخاص بالتساؤل حول معنى الحياة وهدفهم منها، أو الهدف من الحياة إجمالًا. قد يبدو ذلك شرخًا في نمطية التفكير، إذ ترغب فجأةً في إجابات عن الأسئلة الوجودية الكبرى».

لا يعد البحث عن مغزى حياتك وهدفها غريبًا، لكن تكمن مشكلة الأزمة الوجودية في انعدام إمكانية إيجاد إجابات مقنعة ومرضية، وقد يخلق انعدام الإجابات لدى البعض صراعًا داخليًّا، ما يؤدي إلى الإحباط وخسارة السلام الداخلي.

تحدث الأزمة الوجودية لأيّ شخص وفي أيّ سن، لكن يعاني معظمنا الأزمة عند مواجهة موقف عصيب، مثل الصراع من أجل النجاح.

الأسباب

قد لا تثير التحديات والمصاعب اليومية أزمةً وجودية، إذ ينجم هذا النوع من الأزمات غالبًا عن اليأس الشديد، أو يتلو حدثًا جَللًا مثل صدمة أو خسارة كبيرة. وتشتمل بعض أسباب الأزمة الوجودية على ما يأتي:

  •  الإحساس بالذنب حيال موضوع ما.
  •  موت شخص عزيز، أو مواجهة الشخص موته المحتّم.
  •  الشعور بعدم الإشباع على الصعيد الاجتماعي.
  •  تاريخ من المشاعر المكبوتة.

العنوان: ما الأزمة الوجودية وكيف نتخطاها - مشاعر القلق والاكتئاب والتوتر التي يعانيها بعض الناس خلال فترة ما من حياتهم - التفكير في موقفنا من الحياة

أسئلة الأزمة الوجودية

تشمل الأنواع المختلفة من الأزمات الوجودية ما يأتي:

أزمة التحرر والمسؤولية

أنت حر في اختياراتك الخاصة وهذا قد يغير حياتك نحو الأفضل أو الأسوأ. تفضل الأغلبية هذه الحرية على أن يتحكم غيرها في أمرها، لكن يترتب على هذه الحرية مسؤوليات عليك تقبّل عواقبها، وإذا قادتك حريتك إلى اتخاذ قرار سيىء العواقب فلا يمكنك إلقاء اللوم على أحد سواك. قد تكون المسؤولية أكبر من قدرة البعض على التحمل ما يحرّض لديهم قلقًا وجوديًّا، وهو قلق حول معنى الحياة والاختيارات التي تمنحنا إياها.

أزمة الموت والفناء

قد تحدث الأزمة الوجودية بعد تجاوز سن معينة، فمثلًا قد يدفعك عيد ميلادك الخمسين إلى مواجهة فكرة أنّ حياتك في طريقها إلى النهاية، ما يدفعك إلى التشكيك في أسس حياتك. وقد تتأمل في معنى الحياة والموت وتطرح أسئلةً من قبيل: «ماذا يحدث بعد الموت؟»، إذ يحرّض الخوف من الحياة الأخرى القلق. قد تحدث هذه الأزمة أيضًا بعد تشخيص مرض خطير، أو عند اقتراب ساعة الموت.

أزمة التواصل والعزلة

يعد البشر كائنات اجتماعيةً حتى لو كنت تستمتع بفترات من العزلة والوحدة، فالعلاقات القوية تمنحك الدعم النفسي والعاطفي والرضا والسلام الداخلي. يتباعد الناس جسديًّا وعاطفيًّا، وغالبًا ما يفرّق الموت بين الأحباء، ما يؤدي إلى العزلة والوحدة، ويدفع البعض إلى الاعتقاد بأن حياتهم عديمة المعنى.

أزمة المعنى وانعدامه

قد يعطي وجود المعنى والهدف في الحياة بعض الأمل، لكنك قد تشعر أنك لم تنجز أي شيء مهم، ولم تصنع أي فرق، وهذا ما يدفع البعض إلى التشكيك في جدوى وجودهم.

أزمة الشعور والتجارب والاعتناق

قد يؤدي منع نفسك من اختبار مشاعر سلبية إلى أزمة وجودية، إذ يلجأ البعض إلى كبت الألم والمعاناة معتقدين أن هذا سيجعلهم سعداء، لكنه غالبًا ما يؤدي إلى إحساس مزيّف بالسعادة. يؤدي انعدام إحساسك بسعادة حقيقية إلى الإحساس بأن حياتك خاوية، ومن جهة أخرى يفتح اعتناق مشاعر الألم وانعدام الرضا والاعتراف بها الباب للنمو الذاتي، ويمنحك نظرةً أشمل للحياة.

أعراض الأزمة الوجودية

لا تعني إصابتك بالقلق والاكتئاب عندما تكون حياتك خارجةً عن مسارها أنك تمر بأزمة وجودية، بل تترافق هذه الأحاسيس مع الأزمة الوجودية عندما يصحبها حاجة ملحة إلى إيجاد المعنى من الحياة.

  •  اكتئاب الأزمة الوجودية

قد تعاني خلال أزمتك الوجودية أعراض اكتئاب نموذجية مثل فقدان الاهتمام بالنشاطات المفضلة والتعب والصداع وضياع الأمل والحزن المستمر، تقول ليكام: «قد يترافق الاكتئاب الوجودي مع أفكار انتحارية، أو أفكار نهاية العالم، أو مع الشعور بأن حياتك بلا هدف».

ينتج فقدان الأمل في هذا الشكل من الاكتئاب عن آراء مثل تفاهة الحياة، والتشكيك في معنى كل شيء، فتتساءل عن الغرض من كل ذلك: «هل الحياة مجرد عمل مستمر وتسديد للفواتير ومن ثم الموت؟!».

  •  قلق الأزمة الوجودية

تقول ليكام: «يتمثل القلق الوجودي بالانشغال بالحياة الآخرة، وما وراء الموت، أو الشعور بالحيرة والتوتر حيال مكانتك في الحياة».

يختلف هذا القلق عن توتر الحياة اليومية في ارتباكك وانزعاجك وقلقك حيال كل شيء متضمنًا وجودك بحد ذاته، قد تسأل نفسك: «ما هدفي؟ وإلى أين أنتمي؟»

  •  الوسواس القهري الوجودي

قد يثقل التفكير في معنى الحياة وهدفها كاهلك، ويسبب تسارعًا في الأفكار، وفقًا لما يُعرَف بالوسواس القهري الوجودي، الذي يحدث إذا استحوذت عليك فكرة مثل المغزى من الحياة.

تقول ليكام: «قد يتجلى الوسواس القهري الوجودي بالحاجة إلى طرح الأسئلة مرارًا وتكرارًا، أو عدم القدرة على الراحة حتى تجد إجابات عن أسئلتك».

كيفية تخطي الأزمة الوجودية

قد يساعدك إيجاد الهدف من حياتك على تجاوز أزمتك الوجودية. إليك بعض النصائح:

  •  سيطر على أفكارك

استبدل الأفكار الإيجابية بأفكارك السلبية والمتشائمة، إذ إن تفكيرك بأن حياتك عديمة الجدوى قد تكون نبوءةً في طور التحقق. عوضًا عن ذلك اتخذ خطوات تعيش فيها حياة أكثر قيمةً؛ اتبع شغفك، أو تطوع لخدمة قضية تؤمن بها، أو حاول أن تتعاطف أكثر.

  •  سجل كل شيء يجعلك ممتنًا وشاكرًا

قد تعني حياتك أكثر مما تظن، اكتب كل شيء يجعلك ممتنًا، قد يشمل هذا عائلتك وعملك ومواهبك ومزاياك وإنجازاتك.

  •  ذكر نفسك بجدوى الحياة

تقول ليكام: «قد يساعد تخصيص الوقت لاكتشاف الذات على تخطي الأزمة الوجودية». إذا واجهت صعوبةً في رؤية إيجابياتك فاسأل الأصدقاء والعائلة لتحديد مزاياك وأثرك الإيجابي في حياتهم.

  •  لا تتوقع إيجاد كل الإجابات

لا يعني ذلك عدم البحث عن إجابات أسئلة الحياة الكبرى، بل يعني أن تتفهم فكرة بقاء بعض الأسئلة من دون إجابة. تقترح ليكام طريقة لتجاوز الأزمة الوجودية تتجلى في تحليل الأسئلة إلى إجابات صغيرة، والتصالح مع إجابات الأسئلة الصغيرة التي تشكل الصورة الكبرى.

متى عليك استشارة طبيب؟

بإمكانك تخطي الأزمة الوجودية بمفردك من دون مساعدة الطبيب، لكن إن لم تتراجع الأعراض أو تفاقمت فعليك استشارة طبيب نفسي أو عالم نفسي أو معالِج. قد يساعدك الخبراء النفسيون على التكيف مع الأزمة بواسطة العلاج بالكلام، أو المعالجة المعرفية السلوكية، إذ يهدف هذا النمط من العلاج إلى تغيير أنماط التفكير والسلوك.

ابحث عن المساعدة فورًا إذا راودتك الأفكار الانتحارية، ولا تنتظر تفاقم أزمتك لتستشير طبيبًا. حتى إن لم تراودك أفكار انتحارية يستطيع الطبيب مساعدتك على علاج أفكار القلق والاكتئاب والوساوس التي تراودك.

الخلاصة

تحدث الأزمة الوجودية لأي شخص دافعةً العديد إلى التشكيك في جدوى وجودهم وغايتهم في الحياة. ورغم الخطر المحتمل المرافق لهذه الطريقة في التفكير، يمكن تخطيها وتجاوز هذه المعضلة، إذ يكمن المفتاح في إدراك مدى اختلاف الأزمة الوجودية عن الاكتئاب والقلق الاعتياديين، والسعي للحصول على المساعدة عندما تراودك أحاسيس وأفكار لم تتمكن من طردها أو التخلص منها.

اقرأ أيضًا:

هل انعدام معنى الحياة أمرٌ شائع؟

ما الذي يعطي حياتنا معنى؟

العدمية: من نيتشه إلى العدمية الوجودية.

ترجمة: سِوار قوجه

تدقيق: راما الهريسي

مراجعة: رزان حميدة

المصدر