في قاعة دراسية حُفرت هذه الكلمات على مقعد خشبي «أنا أحبك وأكرهك»، تلك الكلمات لها تأثير كبير في مشاعرنا؛ إذ ينتابنا هذا الشعور أحيانًا تجاه أشخاص معينين، يُعرف ذلك بالتناقض العاطفي أو عدم توازن المشاعر.

تعكس تلك الكلمات مشاعر اختبرها معظمنا من عدم توازن عاطفي وتخبط مشاعر، ونرى ذلك شائعًا عند الأطفال عندما ينزعجون من إخوتهم أو آبائهم بقولهم: «أنا أكرهك» بعفوية، غالبًا ما تكون هذه العبارات جوفاء وغير صحيحة، وهي تعبير عن العجز والإحباط. فعندما نكون أطفالًا لا نمتلك العديد من الطرق لتأمين الأشياء التي نريدها لأنفسنا، ولا نملك القوة لنجبر الآخرين على إعطائنا إياها، فنتعلم بطريقة ما أننا قد نحقق غايتنا إذا أقنعنا الآخرين أن حبنا لهم مشروط، وإن لم يزودونا بما نريد فسنكرههم، آملين أن يعدلوا عن رأيهم ويعطوننا ما نريد.

في الحقيقة قد نواجه جميعنا ازدواجيةً في العواطف فنملك مشاعر إيجابيةً وسلبيةً تجاه الشيء ذاته، فلماذا نختبر هذا النوع من التناقض العاطفي؟

من الصعب فهم شخصيات الناس، مثلًا نحن نحب روح الدعابة لدى شخص ما ولكننا لا نثق بكلامه، أو نُقدر جرأة شخص ما ولكننا نظن أنه يفتقر إلى التعاطف. في أوقات أخرى يكون مصدر التناقض مختلفًا؛ إذ يجب ألا يتعلق الأمر كثيرًا بشخصية الآخر بل بعلاقتنا مع الآخر تحديدًا، وعلى ذلك قد تحب عمك ولكنك تملك شعورًا بأنه يميل إلى مقارنتك بابنه، وتجد ذلك منفرًا ومزعجًا، أو أنك تحب أختك ولكنك تعتقدين أنها تغازل زوجك أو تحاول سرقة أصدقائك.

ما هو التناقض العاطفي - عدم توازن المشاعر - عدم التوازن العاطفي وتخبط المشاعر - ما هي ازدواجية العواطف؟ ولماذا نختبر هذا النوع من التناقض

غالبًا ما يكون عدم التوازن العاطفي مؤلمًا، لا سيما النوع الثاني الذي يتعلق بعلاقتك مع الآخر وليس بشخصيته. جسَّد الشاعر الروماني كاتولوس هذا الألم في قصيدة لحبيبته التي سماها ليسبيا: «أنا أكره وأحب. ربما تسألين لماذا؟ في الواقع لا أعرف، لكن هذا ما أشعر به والأمر يعذبني».

قد تكون العلاقة غير المتزنة مع الحبيب أكثر ألمًا من علاقة سيئة واضحة، فالعلاقة السيئة مثل الطقس البارد الذي نعرف كيف نستعد له، فنرتدي ملابس مناسبة، أما العلاقة غير المتزنة فتشبه الطقس المتقلب الذي لا يمكنك توقعه أو تحضير نفسك لمواجهته، كأن تسترخي في يوم دافئ وتنصدم فجأةً برياح باردة.
يعد البعض التناقض العاطفي مؤلمًا للغاية لدرجة أنهم يبغضونه حتى في الفن، فيختارون الخيال الذي لا يتطلب تبني مواقف متناقضةً تجاه الشخصية الخيالية نفسها. في بعض الأحيان يبدع مخرجو الأفلام في إنشاء خيال معقد عاطفيًا ولكنهم لا يوضحون نهاية الشخصية التي تجسد ذلك الخيال، فمثلًا يروي فيلم «American Gangster» قصة مجرم صُوِّر بتعاطف شديد إلى درجة أن الجمهور شجعوا المجرم وتمنوا نجاحه بدلاً من اختلاط مشاعرهم تجاه شخصيته، ربما صوَّره المخرج ريدلي سكوت بتلك الطريقة لأنه واجه مقاومةً داخليةً لفكرة التناقض الحقيقي، أو لأنه لم يثق بقدرة الجمهور على استيعاب التعقيدات العاطفية لتلك الشخصية. لكن لشخص يتمتع بذوق معين قد يمنح التناقض العاطفي في الفن متعةً جماليةً رائعةً مع أنها ممزوجة ببعض الألم.

قد يصعب التعرف على التناقض العاطفي في أنفسنا، إذ يبدو الأمر غير منطقي أبدًا، فهل نحب هذا الشخص أم لا؟ لسنا متيقنين، وقد نتوصل إلى استنتاجات مختلفة في مناسبات مختلفة.

قد نفشل في الاعتراف باحتمالية أن يشعر الآخرون بالتناقض تجاهنا أيضًا، فنظن أن الذين يملكون حبًا نقيًا تجاهنا هم فقط من يحبوننا، لكننا عندما نكتشف منهم أي نوع من العداوة أو الكراهية أو الحسد، نستنتج أن تعبيرات الحب والصداقة كانت خاطئة، أو نحاول شرح الموقف السلبي بإقناع أنفسنا بأننا نتخيل تلك المشاعر، مع أننا نعلم من حالتنا وجود مواقف متناقضة تتضمن كلًا من الحب والكراهية للآخر.

ماذا نفعل حيال التناقض العاطفي والألم المصاحب له؟

قد نتمكن أحيانًا من تحرير أنفسنا من تلك المشاعر، ونرى ذلك في مشاعر الطفل حيال زوجة أبيه؛ في وقت لاحق من حياته يرى الموقف من وجهة نظر والديه، وعندما يكبر يدرك الصعوبات التي يواجهها الوالد، ناهيك بالزوجة، فيتعاطف مع الأشخاص الذين ربوه. لذلك يفسح التناقض العاطفي المجال للتعاطف والتقدير والحب.

لا يحدث ذلك دائمًا للأسف، لكن يمكننا أن نتعلم قبول تناقضنا من دون محاولة إنكار مشاعرنا الإيجابية أو السلبية، فأحد الأسباب الرئيسية التي تجعل التناقض العاطفي مؤلمًا للغاية هو فشلنا في محاولة التخلص منه؛ إذ نحاول إقناع أنفسنا بأننا نملك مشاعر إيجابيةً فقط أو سلبيةً فقط تجاه شخص ما أو موقف ما، لكن هذا ببساطة غير صحيح، ويثبت خطأنا كل مرة. قد تكون الأمور أسهل إذا تقبلنا تلك المشاعر من دون محاولة تغيرها.

اقرأ أيضًا:

هل يوجد اختلافات في الذاكرة والعاطفة بين الذكر والأنثى؟

إنه عصر الروبوتات الجنسية، فما المخاطر المحتملة؟

ترجمة: محمد علي شيخ عثمان

تدقيق: راما الهريسي

المصدر