ما زال الأمر محيرًا، كيف هبطت نوكيا سريعًا من تصنيفها بوصفها شركة هواتف مهيمنة في العالم ثم بيعت لصالح مايكروسوفت في غضون خمس سنوات؟ كيف حدث ذلك؟ والأهم، هل قد يحدث الشيء نفسه لشركات أخرى؟ هذه الأسئلة التي حاول الباحثون الإجابة عنها في دراسة مستفيضة تضمنت 76 مقابلة مع مديري نوكيا السابقين الكبار والمتوسطين.

حدد الباحثون عدة عوامل رئيسية، منها الخوف، وكتمان المعلومات، والثقة المفرطة، وانخفاض الكفاءة التكنولوجية للإدارة، وخطوط الإنتاج المنافسة.

العامل الأول: الخوف

أدركت الإدارة العليا في وقت مبكر من عام 2005 أن شركة أبل تعمل على طرح هاتف ذكي يعمل بنظام IOS. استنتجوا مما جمعوه من معلومات أنهم بحاجة ماسّة إلى حل تنافسي. حينها كانت مخاوف الإدارة العليا مركزة خارجيًا ومن ثم وُضعت الإدارة الوسطى تحت ضغط لإيجاد الحل.

لم يكن لدى المديرين المتوسطين القدر الكافي من المعلومات الخارجية، وكان جلّ تركيزهم داخليًا، وتضمن ذلك المخاوف الداخلية من خسارة مواقعهم.

أدّى ميل نوكيا إلى تغيير هياكلها التنظيمية تكرارًا إلى فقدان الموظفين إيمانهم بها، إذ تعيّن عليهم إجراء مقابلات داخلية للحصول على مهام جديدة، مما خلق مستويات عالية من الشك لديهم.

قامت ثقافة نوكيا على عدوانية الإدارة العليا -خاصةً الرئيس التنفيذي- التي نتج عنها خوف المديرين المتوسطين من فقدان مواقعهم، وسمعتهم، أو حتى عملهم ذاته. أما أعضاء الإدارة المتوسطة الذين كانوا يقدمون الاعتراضات، فكانوا يُهمشون لاحقًا أو تُخفض رتبتهم.

كيف خسرت نوكيا معركة الهواتف الذكية - كيف هبطت نوكيا سريعًا من تصنيفها بعد أن كانت شركة هواتف مهيمنة في العالم - خسارة شركة الهواتف

العامل الثاني: كتمان المعلومات

مالت الإدارة المتوسطة إلى تقديم تقارير مفرطة التفاؤل، وكتمان المعلومات التي تظهر عكس ذلك، لأن الإدارة العليا كانت تعاقب أعضاء الإدارة المتوسطة ذوي المعلومات أو الآراء المغايرة. نتيجةً لذلك، أصبح أعضاء الإدارة العليا مخدوعين بالمعلومات المغلوطة التي تؤكد معتقداتهم. أفادت تقارير قدمها عدة مديرين متوسطين أن الإدارة المتوسطة تكذب مباشرة على الإدارة العليا، لأن ثقافة نوكيا كانت قائمة على إرضاء الإدارة العليا.

لم تشجع الإدارة العليا تركيز أعضاء الإدارة المتوسطة الخارجي لضمان التنفيذ الفعال. ولم يُشجع أعضاء الإدارة المتوسطة على جمع المزيد من المعلومات الخارجية.

نتيجةً للعاملين السابقين، خلقت الإدارة العليا بيئة نفسية غير آمنة، أدت إلى كتمان المعلومات، وعدم السماح بإثارة القضايا الحرجة، ومعاقبة من يفشل، ومنع بناء علاقات قائمة على الثقة.

العامل الثالث: الثقة المفرطة

نتيجة كتمان المعلومات، وحقيقة أن معظم المديرين المتوسطين كانوا في فنلندا ولم يتعاملوا مباشرة مع الشركات التكنولوجية الأخرى، والفكرة المعززة بأن موظفي نوكيا هم الأفضل على الإطلاق، كان موظفو نوكيا يميلون إلى رؤية حلولهم بوصفها الأفضل ويتجاهلون النصائح التي تخالفها.

كانت الطريقة التي يقيّم بها أعضاء الإدارة المتوسطة منتجات منافسيهم منحازة، وغالبًا ما قُورنت تطويرات نوكيا المستقبلية بمنتجات المنافسين السابقة. وبهذه الطريقة بدت منتجات نوكيا دائمًا أفضل من منتجات المنافسين، ومن ثم لا يوجد ما يمكن تعلمه منهم.

كان يُنظر إلى الوافدين الجديدين أبل وجوجل بوصفهما تهديدًا ضعيفًا لقلة خبرتهما في مجال الهواتف.

العامل الرابع: نقص الكفاءة التكنولوجية

كان لدى الإدارة العليا -متضمنةً الرئيس التنفيذي- كفاءة تكنولوجية منخفضة، وليس بمقدورها الحكم على الوضع الحقيقي للتطور التكنولوجي، ومن ثم لم يفهموا الوضع الحقيقي عندما أطلعتهم الإدارة المتوسطة على التطور التكنولوجي الحالي.

لم تكن نوكيا مستعدةً لتغيير شامل في كفاءة الأجهزة والبرامج المطلوبة. كان اختصاص نوكيا الأساسي في أجهزة الراديو، في حين تتطلب صناعة الهواتف الذكية كفاءة في الحاسوب والبرمجيات، وواجهات شاشات اللمس، ومهارات تصميم تجربة المستخدم.

العامل الخامس: خطوط الإنتاج المنافسة

نظرًا إلى قيام نوكيا بالعشرات من عمليات طرح المنتجات كل عام، فقد تنافست هذه المجموعات على الموارد وأجبرت نوكيا على تحديث نظام تشغيل «سمبيان» القديم حتى أصبح غير قابل للاستخدام على الهواتف الذكية.

مقارنة

يظهر وضع نوكيا في الفترة بين عامي 2005 و 2010 الكثير من أوجه التشابه مع صناعة السيارات. في حين تدرك الإدارة العليا وجود تحول جذري قادم، فإن الإدارة المتوسطة غالبًا لا تدرك ذلك. فالإدارة المتوسطة معزولة في مراكز التصنيع الرئيسية ولديهم ثقة زائدة في أن مهاراتهم وخبراتهم تجعل من الصعب على الوافدين الجدد تجاوزهم. وما غفلوا عنه هو وجود تغير جذري في التركيز على البرمجيات بدلًا من الأجهزة.

تحدد البرامج في المركبات ذاتية القيادة وإدارة البطارية والتجارب جودة السيارة، كما فعل نظام التشغيل IOS في الهاتف الذكي.

كما توضح هذه المقالة بالتفصيل، فإن العديد من المهارات الأساسية الحالية التي تملكها الأقسام القوية والمؤثرة داخل شركات السيارات التقليدية ستصبح غير ضرورية. سوف يتغير أو يختفي المحرك وخزان الوقود ونظام التحكم في الجر وما إلى ذلك في السيارات الكهربائية وسيجدد هيكلها بالكامل. وبدلًا من ذلك، تحتاج الشركات إلى معرفة مهارات تطوير البطاريات. لا تحتاج المركبات ذاتية القيادة إلى المقود، فهي تتطلب أشياءً أخرى مثل تقنية اكتشاف الضوء وتحديد المدى ومعالجة البيانات الضخمة، وبالطبع تصميم ترفيهي داخلي متكامل وجديد.

لا يوجد هذا النوع من المعرفة والمهارات إلا بدرجة محدودة في شركات تصنيع السيارات التقليدية، وبالتحديد في الإدارة العليا التي نشأت على المهارات القديمة. إضافة إلى تنافس خطوط الإنتاج الحالية على الموارد.

في حين أن دورة حياة السيارات أطول (5 – 10 سنوات)، فإن الشركات التي تبني هذه الموارد والمهارات الآن مثل تسلا وجوجل وأبل ستعرض مصنعي السيارات الحاليين لخطر بالغ.

خاتمة

يُعد زوال نوكيا مثالًا رئيسيًا على ما يمكن أن تتعلمه الصناعات الأخرى واستجابتها للابتكار القادم من خارج الصناعة. حتى أن الشركة التي كانت على القمة ومهيمنة على السوق، تعرضت للخطر بصورة مدهشة للغاية وسقطت من القمة إلى القاع في غضون 5 سنوات.

يُعد تحليل هذه العوامل ومقارنتها بشركتك أو صناعتك، ثم الاستجابة لها بالقيام بالتحسينات اللازمة، الخطوات الأولى لجعل مؤسستك تصمد طويلًا.

اقرأ أيضًا:

إدارة الجودة الشاملة

شهادة أيزو 9000: كل ما تود معرفته

ترجمة: ذو الفقار مقديد

تدقيق: مازن النفوري

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر