اسأل أي مهووس محب للعلم عن أقسى مادة في العالم، وسيكون جوابه الماس بلا شك. كلمة «الماس» لها أصل يوناني، وتُقرأ «أدامس» وتعني المادة التي لا تُكسر. طوال عقود كان البشر يستخدمون الماس في عمليات القطع نظرًا إلى قساوته الشديدة، فضلاً عن كونه من أنواع المجوهرات المرغوبة جدًا لدى النساء بسبب قدرته على التفاعل مع الضوء بارزًا جماله، ولكن هل هو فعلًا المادة الأكثر قساوة على وجه الأرض؟

حسنًا، إذا كانت إجابتك «نعم»، فأنت تقريبًا على حق. لكن العلماء اكتشفوا منافسًا محتملًا، يُعتقد أنه أكثر قساوة من الماس.

كيف تُقاس الصلابة؟

في علم المواد، يعتبر تقييم صلابة المادة أمرًا في غاية الأهمية، ويمكن قياس قيمة الصلابة بطرق مختلفة، اعتمادًا على الحالة وقابلية التطبيق.

مقياس موس للصلابة

مقياس موس للصلابة

أحد أكثر مقاييس الصلابة شيوعًا هو مقياس موس، الذي صممه العالم الألماني «فريدريك موس» في القرن التاسع عشر. في هذا المقياس، تعرّف الصلابة على أنها مقدار المقاومة التي تظهرها المادة المُقاسة عند محاولة خدشها بمادة أخرى. وتُسجل نتيجة المادة على مقياس من 0 إلى 10، إذ يشير الرقم 10 إلى المادة الأقل تأثرًا بالخدوش «المادة الأكثر قساوة»، ويشير الرقم 0 إلى المادة الأكثر تأثرًا «المادة الأقل قساوة».

مقياس موس للصلابة

على هذا المقياس، سجل الماس الدرجة الكاملة، ما يشير بوضوح إلى أنه أكثر المواد الطبيعية مقاومة للخدش، في حين سجل الفولاذ «المعروف بصلابته» أربع درجات ونصف الدرجة فقط!

لم يتفق جميع الباحثين على قياس قيمة الصلابة باعتبارها مقاومة الخدش فقط، وبحثوا عن طريقة أخرى لقياس الصلابة، ليتوصلوا في النهاية إلى تطوير تقنية بديلة لتقييم الصلابة.

اختبار فيكرز للصلابة

يستخدم في هذا الاختبار جسم صلب هرمي الشكل يطلق عليه اسم «إندينتر – Indenter»، أو ما يُعرف بجسم المسافة البادئة، يُضغط الجسم على المادة المختبرة بمقدار معين من القوة ولفترة محددة. بعد ذلك، تُقاس مساحة السطح الذي تم إحداثه على المادة بواسطة الجسم الهرمي.

وفقًا لهذا الاختبار أيضًا، كان الماس هو الأصلب على وجه الأرض.

ما الذي يجعل الماس صلبًا؟

تكمن الإجابة في البنية الجزيئية لهذا العنصر اللامع، يتكون الماس من خمس ذرات كربون تتشارك الإلكترونات فيما بينها على شكل هيكل شبكي رباعي السطوح. تكون الرابطة التشاركية بين ذرات الكربون قوية للغاية ويصعب كسرها في درجات الحرارة العادية.

الماس بشكل هيكل رباعي السطوح من الكربون

الماس بشكل هيكل رباعي السطوح من الكربون

لا يحتوي الماس على إلكترونات حرة ما يجعله ناقلًا كهربائيًا ضعيفًا، لكنه ناقل ممتاز للحرارة، أفضل من النحاس بخمسة أضعاف تقريبًا، نظرًا إلى هذا، يُستخدم في صنع المبردات الحرارية للدارات الإلكترونية.

أسطورة الماس الذي لا يقهر

بعد قراءة هذا، قد تشعر بأن الماس لا يمكن التغلب عليه، لكن هذا ليس صحيحًا. ففي درجات الحرارة العالية، يصبح الماس ضعيفًا.

عند تسخين الماس إلى درجة حرارة أعلى من 800 درجة مئوية، فإن خواصه الكيميائية والفيزيائية تتغير، ويصبح قابلًا للتفاعل كيميائيًا مع الحديد، ما يجعل منه مادة غير مرغوب بها في عملية تصنيع الفولاذ.

حاول العلماء إيجاد مواد بديلة ذات استقرار كيميائي أفضل. وفي عام 2009، ادعى باحثون في جامعة شانغهاي جياو تونغ وجامعة نيفادا، أنهم عثروا على مادتين قد يزيحا الماس عن عرش المادة الأكثر قساوة.

الفورتزيت – نتريد البورون Wurtzite boron nitride w-BN

يشبه هيكل نتريد البورون هيكل الماس، لكنه يتكون أساسًا من ذرات البورون والنيتروجين، جنبًا إلى جنب مع ذرات الكربون. يعتبر هذا العنصر نادرًا للغاية، ولا يوجد إلا نتيجة أنواع معينة من الثورانات البركانية.

في محاكاة أجراها باحثون عام 2009 للهيكل السداسي لفورتزيت نتريد البورون، وجدوا أنه أقسى من الفولاذ بنسبة 18%، كما أنه كيميائيًا أكثر استقرارًا من الماس في درجات الحرارة العالية.

اللونسداليت – Lonsdaleite

يتكون من ذرات الكربون فقط، مثل الماس، لكن بهيكل مختلف، ويعتبر أكثر قساوة من كوارتزيت نتريد البورون.

من المثير للاهتمام أن اللونسداليت مادة كونية تنتج عن اصطدام نيزك غني بالغرافيت بالأرض.

أظهر اختبار فيكرز أن اللونسداليت أقوى من الماس بنسبة 58%، ما يجعله المادة الأكثر قساوة التي عُرفت على الأرض.
لكن، هناك مشكلة!

تستند الادعاءات السابقة إلى برنامج محاكاة حاسوبي، ولم يُجرى أي اختبار مادي للتأكد من نتائج المحاكاة بسبب صعوبة العثور على هذه المواد.

مع ذلك، تشير المحاكاة إلى أن هذه المواد تتمتع باستقرار كيميائي وحراري جيد، وإنتاجها صناعيًا بكميات كبيرة ربما يغير قواعد اللعبة، كما أن استقرارها في درجات الحرارة العالية يجعلها مفيدة في الرحلات الفضائية.

عمومًا، يحاول الباحثون إيجاد بديل عن الماس، لكن تكوّنه أساسًا نتيجة تعرضه لضغط أطنان من الصخور، لذا يمكننا القول إنه اعتاد التعامل مع الضغط.

اقرأ أيضًا:

باحثون ينجحون في مهمة صنع الماس اقوى من الموجود في الطبيعة !

حالة جديدة للكربون يمكنها ان تتحول الى الماس في درجات الحرارة العادية

ترجمة: رضوان يوسف

تدقيق: محمد أبو دف

المصدر