إن نقل البشر إلى المريخ والعودة أمر صعب نوعًا ما. في الواقع، صعب جدًا. تواجه وكالة ناسا وغيرها من رواد المريخ المحتملين العديد من التحديات عند التخطيط لبعثات إلى الكوكب الأحمر، لكن أهمها هو كمية الوقود اللازم. قبل 50 عامًا، خلال برنامج أبولو تحديدًا، ذهب البشر إلى القمر باستخدام الدفع الكيميائي، أي باستخدام محركات الصواريخ التي تحرق الأكسجين السائل والهيدروجين في غرفة احتراق. كان لذلك مزاياه، مثل القدرة على بدء تشغيل المحرك وإيقافه بسرعة، وكانت التكنولوجيا آنذاك هي الأكثر تطورًا للسفر عبر الفضاء. منذ ذلك الحين، ابتُكر القليل من تقنيات الدفع الجديدة في الفضاء. لكن لا يوجد أفضل وأسرع للبشر من الدفع الكيميائي.

هذه مشكلة. لدى ناسا مهمتان أساسيتان لإرسال أربعة رواد فضاء أو أكثر إلى المريخ، لكن الاعتماد على الدفع الكيميائي للمغامرة بالسفر أبعد من القمر قد لا ينجح. السبب الرئيسي هو أن إرسال المؤن ورواد الفضاء إلى المريخ يتطلب الكثير من وقود الصواريخ. حتى في الظروف المواتية حين تصطف الأرض مع المريخ كل 26 شهرًا، ستتطلب مهمة البشر إلى المريخ 1000 – 4000 طن متري من الوقود.

لتستطيع تصور الأمر، فعند الترقية إلى تكوين «بلوك 1 بي» الخاص به، سيتمتع صاروخ نظام الإطلاق الفضائي التابع لناسا بسعة حمل 105 طن إلى مدار أرضي منخفض. تتوقع ناسا إطلاق هذا الصاروخ مرة واحدة في السنة، ومن المرجح أن تبلغ تكلفته نحو ملياري دولار للرحلة.

لذا فإن الحصول على وقود كافٍ في المدار لمهمة المريخ سيتطلب ما لا يقل عن 10 عمليات إطلاق لصاروخ نظام الإطلاق الفضائي، أو نحو عقد من الزمن و 20 مليار دولار، فقط من أجل الوقود.

الخلاصة: إذا أردنا الذهاب إلى المريخ، فربما نحتاج إلى التفكير في طرق أخرى لتحقيق ذلك.

الدفع النووي.. الطريقة الواقعية الوحيدة لإرسال البشر إلى المريخ - نقل البشر إلى المريخ والعودة - التخطيط لبعثات إلى الكوكب الأحمر

التحول إلى الوقود النووي

يقدم تقرير جديد من الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب بعض الإجابات عن طريقتين بديلتين. بناءً على طلب وكالة ناسا، قيّمت لجنة واسعة من الخبراء جدوى وسيلتين للدفع -حراري نووي وكهربي نووي- لمهمة بشرية ستُطلق إلى المريخ عام 2039

قال بوبي براون، مدير علوم الكواكب في مختبر الدفع النفاث، الرئيس المشارك للجنة صاحبة التقرير: «إن إحدى النقاط الرئيسية للتقرير هي أننا إذا أردنا إرسال البشر إلى المريخ ، ونريد القيام بذلك مرارًا وتكرارًا وبطريقة مستدامة، فإن الدفع الفضائي النووي هو الطريق الصحيح».

لم يُطلب من اللجنة التوصية بتكنولوجيا معينة، يعتمد كل منها على التفاعلات النووية، لكنها تعمل عملًا مختلفًا. يتضمن الدفع الحراري النووي محركًا صاروخيًا يحل فيه المفاعل النووي محل غرفة الاحتراق ويحرق الهيدروجين السائل وقودًا.

يحول الدفع الكهربائي النووي الحرارة من مفاعل الانشطار إلى طاقة كهربية، مثل محطة توليد الطاقة على الأرض، ثم يستخدم هذه الطاقة لإنتاج قوة الدفع بتسريع دافع مؤين، مثل الزينون.

قال براون عن هدف المريخ 2039: «إذا نظرت إلى توصيات اللجنة الخاصة بالدفع الحراري النووي، فقد رأينا أنه برنامج قوي، مبني على العمل التأسيسي الذي أُنجز حديثًا، قد يقودنا إلى هناك. فيما يتعلق بالدفع الكهربائي النووي، رأينا أنه من غير الواضح أن مثل هذا البرنامج يمكنه إيصالنا إلى هناك، لكننا لم نجزم بالعكس ذلك».

يتطلب الدفع النووي وقودًا أقل بكثير من الدفع الكيميائي، غالبًا أقل من 500 طن متري. سيكون ذلك مفيدًا لمهمة المريخ التي ستشمل عدة مهام متقدمة لتجهيز الإمدادات مسبقًا على الكوكب الأحمر. أيضًا فإن استهلاك وقود الدفع النووي أكثر اتساقًا مع فرص الإطلاق التي تتيحها مدارات الأرض والمريخ. في أثناء بعض عمليات الاقتران، التي تحدث كل 26 شهرًا تقريبًا، يكون الوقود المطلوب لإكمال مهمة المريخ بالوقود الكيميائي مرتفعًا لدرجة أنه ببساطة غير ممكن.

خطة وكالة ناسا

يقول التقرير إنه إذا كانت ناسا ستستخدم الدفع النووي في مهمات بشرية خلال ثلاثينيات القرن الحالي، فيجب أن تبدأ بتطوير التكنولوجيا فورًا. حتى الآن، كانت الوكالة متحفظة إلى حد ما للتحرك بسرعة في مجال الدفع النووي. قد يكون هذا جزئيًا بسبب حقيقة أن الوكالة تستثمر استثمارًا كبيرًا في صاروخ نظام الإطلاق الفضائي والدفع الكيميائي اللازم لبرنامج القمر أرتميس. لذلك، في السنوات الأخيرة، لم تطلب ناسا تمويل برنامج الدفع النووي. لقد خصص الكونجرس المال لهذا الجهد على أي حال. في مشروع قانون موازنة العام المالي 2021، تلقت وكالة ناسا 110 مليون دولار لتطوير الدفع الحراري النووي.

قال براون إن الأمر سيكون مكلفًا للغاية، على الأقل يجب على ناسا أن تعمل مع وزارة الطاقة وأقسام أخرى من الحكومة لتطوير هذه التكنولوجيا والبدء برحلات الشحن إلى المريخ منتصف ثلاثينيات القرن الحالي. ومع ذلك، أضاف أن هذا النوع من المشروعات هو ما ستتمكن ناسا من تحقيقه.

قال براون: «إنه نوع التحدي التكنولوجي الذي أُنشئَت ناسا من أجله، وهو نوع من التحدي التكنولوجي الذي تتوقع أمتنا أن تستطيع ناسا التغلب عليه، كما فعلت من قبل في برنامج أبولو».

مشروع ستارشيب

ماذا عن مفهوم المركبة الفضائية التي تبنيها شركة سبيس إكس لإرسال البشر إلى المريخ ؟ يسعى المشروع إلى معالجة مشكلة الحاجة إلى الكثير من الوقود الكيميائي، بتطوير نظام إطلاق منخفض التكلفة قابل لإعادة الاستخدام. يعرف مهندسو سبيس إكس أن الوصول إلى المريخ سيستغرق الكثير من الوقود، لكنهم يظنّون أن المشكلة قابلة للحل إذا تمكنوا من بناء مركبة ستارشيب تحلّق بعيدًا بتكلفة قليلة نسبيًا. المفهوم الأساسي هو إطلاق مركبة ستارشيب إلى المدار مع خزانات فارغة، ونقل الوقود الذي أطلقته مركبات ستارشيب الأخرى في مدار أرضي منخفض قبل إطلاق المركبة إلى المريخ.

قال براون إن سبيس إكس تطور خطة لإرسال البشر إلى المريخ بافتراضات مختلفة عن وكالة ناسا. وقال: «أعتقد أنه يوجد اختلاف جوهري في الافتراضات التي تسعى ناسا لتحقيقها بشأن نوع البنى التحتية اللازمة على سطح المريخ».

هذا لا يعني أن مركبة ستارشيب لن تعمل. ومع ذلك، فإنه يوضح التحدي المتمثل في إرسال مهمة إلى المريخ بالدفع الكيميائي فقط. لاستخدام الدفع التقليدي، يحتاج المرء إلى دفع إعادة الاستخدام والصواريخ الثقيلة إلى حدودها القصوى، وهو بالضبط ما تحاول سبيس إكس تحقيقه مع نظام الإطلاق القابل لإعادة الاستخدام.

اقرأ أيضًا:

خطة روسية جنونية للوصول الى المريخ خلال 45 يوم باستخدام الطاقة النووية

محركات الاعوجاج التي تفوق سرعتها سرعة الضوء، هل سنحوزها يومًا؟

ترجمة: أمين المومني

تدقيق: مازن النفوري

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر