طور العلماء نوعًا جديدًا من شرائح الحاسوب المبردة القادرة على العمل تحت درجة حرارة تقترب من الصفر المطلق، ويضع هذا النظام المبرد المسمى «جوسبري» الأساس لما قد يكون ثورةً في الحوسبة الكمية ، وذلك بإمكانية صنع جيل جديد من الأجهزة القادرة على إجراء الحسابات بآلاف الكيوبتات أو أكثر، مقارنةً بالأجهزة الحالية المتقدمة التي تتضمن عشرات الكيوبتات فقط.

قال عالم الفيزياء الكمية دافيد ريلي من جامعة سيدني: «تعمل أكبر الحواسيب الكمية في العالم حاليًا بـ 50 كيوبت تقريبًا، وترجع قلة العدد جزئيًا إلى محدودية البنية الفيزيائية التي تتحكم في الكيوبتات».

سبب قصور تلك البنية الفيزيائية هو الظروف الخاصة جدًا التي تتطلبها الكيوبتات لإجراء العمليات الكمية الميكانيكية.

تظهر شريحة «جوسبري» بالأحمر بجانب شريحة كيوبت تجريبية بالأزرق وشريحة رنين بالبنفسجي

تظهر شريحة «جوسبري» بالأحمر بجانب شريحة كيوبت تجريبية بالأزرق وشريحة رنين بالبنفسجي

بخلاف البت الثنائي في الحواسيب التقليدية الذي يأخذ قيمة من اثنين، إما صفر أو واحد، تقوم الكيوبتات على فكرة التراكب الكمي، وهي حالة غير معرفة وغير مقاسة، يمكنها تمثيل الصفر والواحد في الوقت ذاته في سياق عملية رياضية معقدة. ما يعني أن بإمكان الحواسيب الكمية -نظريًا- حل مسائل رياضية معقدة للغاية لا تستطيع الحواسيب التقليدية حلها، أو أنها قد تستغرق سنوات في المحاولة.

كما هو الحال دومًا في التقنية، كلما زاد العدد كان ذلك أفضل. حتى اللحظة كان النجاح في تثبيت كيوبتات أكثر في الحواسيب الكمية محدودًا، أحد أسباب ذلك أن الكيوبتات تحتاج إلى مستويات غير مسبوقة من البرودة لتعمل بكفاءة، إلى جانب شروط أخرى. لكن لا بد أن تولد الأسلاك الكهربائية المُستخدَمة في الحواسيب الكمية اليوم كميةً وإن كانت ضئيلة من الحرارة التي تفسد الشروط الحرارية.

يبحث العلماء عن طريقة لعلاج تلك المشكلة، اعتمدت العديد من الاختراعات حتى الآن على تنظيم حزم الأسلاك للحفاظ على ثبات درجات الحرارة بما يسمح بإضافة كيوبتات إضافية، لكن حتى هذا الحل يظل محدودًا.

يقول دافيد ريلي: «تتطلب الأجهزة الحالية مصفوفة رائعة من الأسلاك للتحكم في الإشارات، تشبه تلك الأسلاك ثريا مقلوبة أو عش طائر مقلوب. إنها جميلة قطعًا لكنها غير عملية، إذ لا نستطيع زيادة عدد الأجهزة للقيام بعمليات حسابية أعقد، ما زال ثمة عقبة في الإدخال والإخراج».

قد يمثل «جوسبري» الحل لتلك المعضلة، وهو شريحة تحكم مبردة يمكنها العمل في درجة حرارة تقدر بكسور من الدرجة من الصفر المطلق أو ميلليكيلفن، ما يعني إمكانية تثبيت تلك الشريحة مع الكيوبتات في بيئة فائقة البرودة، والاتصال بالكيوبتات وتمرير الإشارات من الكيوبتات إلى قلب ثانوي يقع بالخارج في خزان فائق البرودة مغمور في الهيليوم السائل، وبذلك نتخلص من كل الأسلاك الزائدة والحرارة المتولدة منها، ما يعني أنه بإمكاننا قريبًا التغلب على مشكلة التبريد بوصفها جزءًا من الماضي.

«تُعد تلك الشريحة أعقد جهاز يعمل في درجة الحرارة تلك. للمرة الأولى تعمل شريحة متعددة الإشارات بها 100 ألف ترانسيستور عند درجة حرارة سالب 273.05 درجة سيليزية».

يتوقع الفريق أن يُمكّن نظامهم تلك الشريحة المبردة من التحكم في آلاف الكيوبتات، نحو 20 ضعف ما هو متاح اليوم، وربما سيساعد النظام نفسه على تمكين الحواسيب الكمية من العمل على مستوى مختلف تمامًا في المستقبل.

قال دافيد ريلي: «لماذا لا نبدأ التفكير في مليارات الكيوبتات؟ كلما زاد عدد الكيوبتات التي يمكن التحكم فيها كان ذلك أفضل».

ما زال أمامنا بعض الوقت قبل أن نرى تلك الثورة في التبريد عمليًا، لكن من المؤكد أننا نرى خطوة كبيرة نحو الحواسيب الكمية وفقًا للخبراء.

صرّح أندرو وايت مدير مركز أنظمة الهندسة الكمية، غير المشارك في الدراسة: «سنشهد العديد من التحولات الكبيرة في السنوات القادمة، وستشكل تلك الشريحة الأساس لكل من يطور حاسوبًا كميًا».

اقرأ أيضًا:

التفوق الكمي: عندما تتخطى الحواسيب حدود قدراتها

جوجل تعلن إطلاق المحاكاة الكمية الأولى من نوعها لتفاعل كيميائي

ترجمة: أحمد جمال

تدقيق: نغم رابي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر