نادرًا ما تنجح خطة زيادة ثروة بلد ما عبر طباعة مزيد من النقود، لأن هذا يوفر قدرًا أكبر من النقود لدى الناس ما يسبب ارتفاع الأسعار. لذا يجدون أنفسهم مضطرين إلى دفع المزيد من المال مقابل الحصول على الكمية ذاتها من البضائع.

حدث هذا حديثًا في زيمبابوي وفنزويلا، عندما طبع هذان البلدان نقودًا أكثر في محاولة دفع عجلة النمو فيهما. لكن زيادة وتيرة الطباعة رفعت مستويات الأسعار بسرعة أكبر، إلى درجة الانزلاق إلى حالة تُسمى «التضخم المفرط»، الذي يحدث عندما ترتفع الأسعار بمعدل هائل في وقت قصير.

سنة 2008 تسبب التضخم المفرط الذي ضرب زيمبابوي في ارتفاع الأسعار بنسبة 231,000,000% في عام واحد فقط. أي أن قطعة حلوى كان سعرها دولارًا زيمبابويًا واحدًا قبل التضخم، أصبحت تكلف 231 مليون دولار في السنة التالية! وأصبحت قيمة الأوراق النقدية المطبوعة لا تساوي تكلفة الورق الذي طُبعت عليه!

ارتفاع الأسعار بعد طباعة النقود

إن صناعة أشياء أكثر وبيعها، سواء كانت سلعًا أم خدمات، هي ما يجعل دولةً ما غنية، وعندها تستطيع هذه الدولة طباعة مزيد من العملة بأمان، ما يمكّن الناس من شراء تلك الأشياء. أما إذا لم تقترن طباعة العملة بزيادة الإنتاج، فسترتفع الأسعار. فكر مثلًا في مجموعة ألعاب حرب النجوم القديمة المنتجة في السبعينيات، التي قد تساوي مبلغًا كبيرًا من المال، إذ لا يصنع أحد المزيد من هذه التصاميم، فإن توفر المزيد من المال لدى الناس لا يعني زيادة قدرتهم على شرائها، لأن البائع يستطيع رفع السعر ببساطة.

دولة واحدة فقط يمكنها أن تزداد ثراءً عبر طباعة المزيد من النقود، هي الولايات المتحدة، وهي دولة غنية بالأساس؛ لأن معظم الأشياء الثمينة التي تتداولها البلدان حول العالم، مثل الذهب والنفط، مُسعرة بالدولار الأمريكي. لذا بوسع أمريكا الحصول على المزيد من الأشياء عبر طباعة المزيد من الدولارات. ومع ذلك قد تؤدي طباعة النقود بإفراط إلى ارتفاع الأسعار.

زيادة سريعة

بوسع كل دولة طباعة عملتها فقط، لا الدولار الأمريكي بالتأكيد. وإذا أقدمت تلك الدول على زيادة الطباعة كثيرًا، ترتفع مستويات الأسعار فيها بسرعة كبيرة ما يؤدي إلى توقف الناس عن استعمال هذه العملات ولجوئهم إلى تبادل السلع، أو التعامل بالدولار الأميركي بدلًا من ذلك. هذا ما حصل في زيمبابوي وفنزويلا وسواهما من الدول التي تأثرت بالتضخم المفرط.

لماذا لا تطبع الدول الفقيرة النقود لتصبح غنية؟ - هل يمكن لطباعة النقود وحدها أن تنقذ بلد من الفقر؟ - ما علاقة طباعة النقود بالتضخم

حاولت فنزويلا حماية الشعب من التضخم المفرط بفرض قوانين تحافظ على مستوى أسعار الاحتياجات الأساسية مثل الأطعمة والأدوية. وكانت النتيجة نفاد مخزون المتاجر والصيدليات من تلك المواد.

العلم البائس

لكن هذا لا يعني استحالة زيادة غنى الدول عبر طباعة العملة. إذ قد يحدث الأمر في الدول التي لا تملك أموالًا كافية تبدأ بها مشاريعها، لأن نقص الأموال يعني نقصًا في مبيعات الشركات ومن ثم تتخلف عن دفع رواتب عمالها. ولن يتمكن الناس من اقتراض النقود من المصارف أيضًا لأنها لا تملك ما يكفي للإقراض.

في تلك الحالة، تمكّن طباعة كمية أكبر من العملة الناس من إنفاق المزيد، وعندها تستطيع الشركات زيادة الإنتاج بدورها وهكذا تتوافر أشياء أكثر، ومن ثم يُستخدم المزيد من المال لشراء تلك الأشياء.

في الأزمة المالية العالمية سنة 2008 خسرت البنوك الكثير من الأموال، ولم يعد الاقتراض ممكنًا. لحسن الحظ، لدى معظم الدول بنوك مركزية تساعد على تشغيل البنوك الأخرى. طبعت البنوك المركزية حينها نقودًا إضافيةً دفعت بها عجلة الاقتصاد إلى التحرك مجددًا.

إن وجود القليل جدًا من النقود يؤدي إلى هبوط الأسعار، وطباعة المزيد منها، دون أن يقابل ذلك زيادة في الإنتاج، تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وكلا الأمرين مضر بالاقتصاد. إذن ليس غريبًا أن يُسمى علم الاقتصاد -علم دراسة النقود والتجارة والأعمال- «العلم البائس» أحيانًا.

اقرأ أيضًا:

دوج كوين: كل ما عليك معرفته عن هذه العملة الرقمية

الضرائب: لمحة تاريخية

ترجمة: مالك عوكان

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر