كانت رؤية القمر الصناعي بالعين المجردة حدثًا نادرًا في السبعينيات، أما الآن فأصبح الأمر شائعًا بسبب عددها الكبير، فقد أُطلقت آلاف الأقمار الصناعية إلى مدار الأرض خلال العقد الماضي، ومن المخطط إطلاق عشرات الآلاف في السنوات المقبلة، ومنها مجموعات ضخمة مثل أقمار ستارلينك التي تهدف إلى تغطية الكرة الأرضية بأكملها.

تشكل هذه الأقمار الصناعية اللامعة مشكلة لعلماء الفلك، وبالنتيجة فهي مشكلة لفهمنا للكون، ما يعرض اتصالنا بالكون للخطر. وقد كان هذا أمرًا مهمًا لآلاف السنين إلى أن تضاءل كثيرًا بسبب نمو المدن والإضاءة الاصطناعية.

وقد أشار بحث جديد في مجلة (Astronomy and Astrophysics Letters) أن أقمار ستارلينك الصناعية تسرب إشارات راديوية تتداخل مع علم الفلك الراديوي. وحتى في منطقة الراديو الهادئة في المناطق النائية بغرب أستراليا، نجد أن ما تبثه الأقمار الصناعية أقوى بكثير من أي مصدر طبيعي في السماء.

مشكلة في فهمنا للكون:

استخدم فريق في جامعة كيرتن التلسكوبات الراديوية في غرب أستراليا لفحص إشارات الراديو القادمة من الأقمار الصناعية. فوجد إرسالات راديوية متوقعة على ترددات راديوية محددة ومرخصة، تستخدم للتواصل مع الأرض، ولكن وجد أيضًا إشارات على ترددات غير متوقعة وغير مقصودة.

تأتي كثير من هذه الإشارات من أقمار ستارلينك الصناعية، ويبدو أيضًا أن الإشارات قد تنشأ من الأجهزة الإلكترونية الموجودة على متن مركبة فضائية.

ما المشكلة في ذلك إذن؟

التلسكوبات الراديوية حساسة جدًا إذ تستطيع التقاط الإشارات الخافتة من على بعد سنوات ضوئية لا تحصى. وعليه، فوجود جهاز إرسال راديوي ضعيف جدًا وحتى على بعد مئات أو آلاف الكيلومترات من التلسكوب سيبدو قويًا مثل أقوى مصادر الراديو الكونية التي نراها في السماء.

لذلك تمثل هذه الإشارات مصدرًا خطيرًا للتداخل في موقع الاختبار في غرب أستراليا، حيث بدأ إنشاء جزء لأكبر مرصد راديوي على الإطلاق (مصفوفة الكيلومتر المربع SKA)، إذ يشمل هذا المشروع 16 دولة، وهو قيد التنفيذ منذ 30 عامًا، وسيكلف مليارات الدولارات على مدى العقد المقبل.

تضمن تحديد موقع SKA ومرافق علم الفلك الأخرى بعيدًا عن البشر استثمار جهد ونفقات ضخمة، لكن الأقمار الصناعية تمثل تهديدًا جديدًا في الفضاء لا يمكن مراوغته.

ماذا نستطيع أن نفعل حيال هذا؟

من المهم ملاحظة أن مشغلي الأقمار الصناعية لا يبدو أنهم ينتهكون أي قواعد تخضع للقوانين المتعلقة باستخدام الطيف الراديوي من الاتحاد الدولي للاتصالات، وهي معقدة. في هذه المرحلة لا يوجد أي دليل على أن مشغلي ستارلينك يرتكبون أي خطأ.

يُعد الطيف الراديوي أمرًا بالغ الأهمية للشركات الكبيرة والحياة الحديثة، إذ يتضمن الهواتف المحمولة، وشبكة الوايفاي، ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وملاحة الطائرات، والاتصالات بين الأرض والفضاء.

لكن الفوائد التي لا شك فيها للاتصالات الفضائية -مثل اتصالات الإنترنت السريعة القابلة للوصول عالميًا- تتعارض مع قدرتنا على رؤية الكون واستكشافه. وما يثير السخرية أن شبكة الوايفاي ترجع أصولها جزئيًا إلى علم الفلك الراديوي.

تتطور القوانين ببطء، بينما تتطور التقنيات التي تقود مجموعات الأقمار الصناعية -مثل ستارلينك- بسرعة البرق. لذلك من غير المرجح أن تحمي القواعد التنظيمية علم الفلك على المدى القريب.

ولكن في سياق البحث كان التواصل مع مع مهندسي SpaceX الذين يعملون على أقمار ستارلينك الصناعية إيجابيًا جدًا، ومن المرجح أن حسن نية مشغلي الأقمار الصناعية، واستعدادهم للتخفيف من توليد هذه الإشارات، هو المفتاح لحل المشكلة.

وقد أجرت شركة SpaceX تحسينات ردًا على الانتقادات السابقة، فخفضت كمية ضوء الشمس التي تعكسها أقمار ستارلينك الصناعية إلى نسبة 1/12 مما كانت عليه في الضوء المرئي.

تشير التقديرات إلى وجوب تقليل الانبعاثات في الأطوال الموجية الراديوية بمعامل ألف أو أكثر لتجنب حدوث تداخل كبير مع علم الفلك الراديوي. ونأمل أن تجُرى هذه التحسينات للحفاظ على رؤية البشرية المستقبلية للكون، والاكتشافات الأساسية التي سنحققها، والتقنيات المستقبلية التي ستغير المجتمع -مثل الوايفاي- التي تنتج عن تلك الاكتشافات.

اقرأ أيضًا:

الأقمار الصناعية التابعة لستارلينك تعاني تسربًا إشعاعيًا

صور تلسكوب هابل الفضائي تتأثر بأقمار ستارلينك الصناعية

ترجمة: ياسمين سيد نبوي

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر