تشهد مبيعات السيارات الكهربائية نموًا أسرع من المتوقع في جميع أنحاء العالم، أمّا مبيعات المركبات التي تعمل بالبنزين والديزل فتشهد انخفاضًا ملحوظًا. ومع ذلك، ما تزال الحكومة الأمريكية تتوقع زيادة الطلب على النفط، وتضاعف صناعة النفط معدل الإنتاج.

ما السبب وراء ذلك؟ وماذا سيحدث إذا كانت التوقعات الأمريكية بشأن نمو الطلب على النفط خاطئة؟

صعود السيارات الكهربائية السريع:

في 12 سبتمبر 2023، لفت فاتح بيرول -مدير وكالة الطاقة الدولية- انتباه العالم عندما كتب في صحيفة فايننشال تايمز أنّ وكالة الطاقة الدولية تتوقع الآن ذروة عالمية في الطلب على النفط والغاز والفحم بحلول عام 2030.

يمثل التاريخ الجديد قفزة كبيرة إلى الأمام مقارنة بالتقديرات السابقة التي تشير إلى أن الذروة لن تصل حتى ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين بالنسبة للنفط وحتى وقت لاحق بالنسبة للغاز. وبرز هذا الأمر أيضًا لأن وكالة الطاقة الدولية كانت عادةً محافظةً تمامًا في وضع نماذج للتغيرات في نظام الطاقة العالمي.

أشار بيرول إلى التغيرات في سياسات الطاقة، والارتفاع الأسرع من المتوقع في التقنيات النظيفة، بما في ذلك السيارات الكهربائية، إلى جانب تحول أوروبا عن الوقود الأحفوري في خضم الحرب الروسية الأوكرانية كأسباب رئيسية.

كتب بيرول: «إن توقعات الطاقة العالمية المقبلة الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية تُظهر أن العالم على أعتاب نقطة تحول تاريخية».

أصدرت الأمم المتحدة تقريرها عن (التقييم العالمي) في أوائل سبتمبر، لتقييم التقدم الذي أحرزه العالم نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ المتمثلة في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بدرجات الحرارة قبل الثورة الصناعية، ووجد التقرير ثغرات خطيرة في الجهود الرامية إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى الصفر بحلول منتصف القرن. ومع ذلك، فقد أشار التقرير إلى نقطتين مشرقتين:

  •  أن العالم يسير بشكل أو بآخر على المسار الصحيح في نمو الطاقة الشمسية الكهروضوئية للطاقة المتجددة وفي نمو السيارات الكهربائية.
  •  تعد حيثيات التوسع في السيارات الكهربائية مهمة لأن كل مركبة تستخدم الكهرباء بدلاً من البنزين أو وقود الديزل ستؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط.

ومع أنّ الطلب على المنتجات البترولية في قطاعات أخرى، مثل الطيران والبتروكيماويات ما يزال يتزايد، فإن وكالة الطاقة الدولية تتوقع أن يؤدي انخفاض حصة النقل البري من استهلاك النفط بنسبة 50% ما سيؤدي إلى ذروة إجمالية في الطلب في غضون بضع سنوات.

قادة مبيعات السيارات الكهربائية على مستوى العالم:

تسير السيارات الكهربائية الآن في طريقها للسيطرة على مبيعات السيارات العالمية بحلول عام 2030، مع نمو سريع في الصين على وجه الخصوص وفقًا لمحللين في معهد روكي ماونتن. وكتبوا في تقرير جديد أنه إذا استمرت الدول في تحديث بنيتها التحتية للكهرباء والشحن، فإن الطلب العالمي على النفط سينخفض ٢٥٪؜، وكتب المحللون أنه مع انتشار الشاحنات الكهربائية، فمن المرجح أن ينخفض الطلب على النفط أسرع.

تظهر المبيعات العالمية للمركبات الخفيفة بالفعل انخفاضًا في مبيعات سيارات الاحتراق الداخلي (البنزين والديزل) ويرجع ذلك أساسًا إلى زيادة مبيعات السيارات الكهربائية، ولكن أيضًا بسبب الانخفاض العام في مبيعات السيارات الذي بدأ حتى قبل الوباء.

لماذا تتوقع الولايات المتحدة نمو الطلب على النفط؟

بناءً على البيانات، يبدو أن الطلب العالمي على النفط سيصل إلى ذروته قريبًا. ومع ذلك، تقول شركات النفط الكبرى أنها تخطط لزيادة إنتاجها، وما تزال إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تتوقع أن الطلب العالمي على النفط والوقود الأحفوري سيستمر في النمو. فالمركبات تدوم اليوم فترةً أطول مما كانت عليه قبل عقدين من الزمن، حتى أنها أصبحت أكبر حجمًا، مما يؤدي إلى إبطاء الكفاءة. ولكن يبدو أن إدارة معلومات الطاقة تقلل من توقعات نمو مشروع السيارات الكهربائية.

اتخذت إدارة بايدن، التي دفعت بحوافز كبيرة لشراء السيارات الكهربائية، خطوات لتمهيد الطريق لزيادة بعض عمليات التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي. وتستمر الإعانات الحكومية الكبيرة في التدفق على صناعات الوقود الأحفوري في العديد من البلدان.

تقوض هذه التناقضات أهداف اتفاق باريس ويمكن أن تؤدي إلى أصول عالقة مكلفة.

ماذا يعني هذا الاتجاه لصناعة النفط؟

من العدل أن نفترض أن الصناعات الكبيرة يجب أن تتعامل جيّدًا مع التطورات المستقبلية التي من المتوقع أن تؤثر على مجالاتها. ولكن غالبًا ما تُجبرهم التنافسية على التأكد من الحفاظ على المكاسب القصيرة الأجل كأولويّة.

المرافق الكهربائية هي مثال على ذلك.. إذ لم يكن لديهم شعور بالتهديد من الكهرباء المتجددة حتى توسع انتشارها بسرعة في هذا السوق.

ردًا على ذلك، فقد مارس بعضهم ضغوطًا لمنع المزيد من التقدم واخترعوا أسبابًا زائفة لتفضيل الوقود الأحفوري على مصادر الطاقة المتجددة.

وبطبيعة الحال، غيّرت بعض الشركات نماذج أعمالها لتبني التحول إلى الطاقة المتجددة، ولكن يبدو أن هذه الشركات ما تزال أقلية.

تستثمر الشركات الكبرى مثل BP و”TotalEnergies” في مصادر الطاقة المتجددة، ولكن هذه الاستثمارات غالبًا ما تُقابَل باستثمارات كبيرة بنفس القدر في استكشاف الوقود الأحفوري الجديد.

تراجعت شركتا BP و Shell مؤخرًا عن التزاماتهما المناخية السابقة، ومع أنهما اعترفتا ضمنيًا بأن زيادة إنتاج النفط لا تتسق مع جهود تخفيف تغير المناخ. وقال الرئيس التنفيذي لشركة إكسون في يونيو 2023 إن شركته تهدف إلى مضاعفة إنتاجها من النفط الصخري في الولايات المتحدة على مدى السنوات الخمس المقبلة.

يبدو أن ما يحدث في صناعة الوقود الأحفوري هو مثال لما يسمى (المفارقة الخضراء)، إذ يكون من العقلاني من وجهة نظر تعظيم الربح استخراج هذه الموارد في أسرع وقت ممكن عندما تواجه مخاطر التهديد المستقبلي بانخفاض القيمة السوقية.

وهذا يعني أنه إذا تمكنت الشركة من رؤية أن منتجها سيدر أموالاً أقل في المستقبل أو سيتعرض للتهديد بسبب السياسات البيئية، فمن المرجح أن تبيع أكبر قدر ممكن الآن، وكجزء من هذه العملية، قد تكون على استعداد تام لتشجيع بناء البنية التحتية للوقود الأحفوري التي من الواضح أنها لن تكون قابلة للاستمرار بعد عقد أو عقدين من الزمن في المستقبل، مما يخلق ما يعرف بالأصول العالقة.

وعلى المدى الطويل، فإن البلدان التي تُشجّع على الاقتراض للقيام بهذه الاستثمارات قد تتعثر في الدفع، بالإضافة إلى تأثيرات تغير المناخ العالمي التي ستترتب على ذلك.

لقد عرفت الصناعات الاستخراجية موضوع تغير المناخ منذ عقود، ولكن بدلًا من تحويل نفسها إلى شركات طاقة ذات مصادر متنوعة، ضاعفت معظمها استثماراتها في النفط والفحم والغاز الطبيعي، وتقاضي الآن أكثر من عشرين مدينة ومقاطعة وولاية أمريكية شركات الوقود الأحفوري بسبب الأضرار الناجمة عن تغير المناخ وتتهمها بتضليل الجمهور، إذ رفعت كاليفورنيا أحدث دعوى قضائية في 15 سبتمبر 2023.

والسؤال هو ما إذا كانت هذه الشركات ستكون قادرة على التكيف بنجاح مع عالم الطاقة المتجددة، أو ما إذا كانت ستتبع مسار شركات الفحم الأمريكية ولن تعترف بتراجعها إلا بعد فوات الأوان.

اقرأ أيضًا:

‎ماذا يعني توسيع مجموعة بريكس وانضمام دول جديدة؟

هل ينجح ايلون ماسك بتحويل تويتر إلى تطبيق كل شيء؟

ترجمة: دياب حوري

تدقيق: علام بخيت كباشي

المصدر