في يوم الاثنين في 15 سبتمبر 2008 عند الساعة 1:45 صباحًا، قدمت شركة ليمان برذرز القابضة عريضة في محكمة الولايات المتحدة للإفلاس لمنطقة جنوب مدينة نيويورك. كان ذلك الحدث هو عملية الإفلاس الأكبر على مستوى التاريخ الأمريكي، شركة بعمر 164 عام ورابع أكبر بنك استثماري في الولايات المتحدة، أطلق بإفلاسه الأزمة المالية العالمية.

اعتمد بنك ليمان على نماذج أعمال ذات تأثير كبير تطلب جمع كميات كبيرة جدًا من السيولة كل يوم لكي تبقى مستمرة. عام 2006 استثمر البنك بقوة في العقارات ذات نسب المخاطرة العالية وفي الرهونات العقارية، وعندما ساءت أحوال أسواق العقارات هذه، لم يعد باستطاعة ليمان أن يوفر سيولة كافية ليبقى داخل اللعبة.

كيف حاولت الحكومة أن تنقذ ليمان برذرز وتجنب الأزمة المالية؟

أعلن كل من وزير الخزانة الأمريكي هانك بولسن ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي عن قلقهما المتزايد حول إمكانية إفلاس بنك ليمان برذرز في مارس 2008، وكان ذلك بعد إنقاذ الاحتياطي الفيديرالي بنك بير ستيرنز الاستثماري، وأتت التوقعات بأن ليمان برذرز سيكون التالي.

حثّ بولسن، رئيس بنك ليمان ديك فولد على إيجاد مُشتري كما فعل المسؤولون في بنك بير ستيرنز، وشجع بولسن شخصيًا البنكين الوحيدين اللذين كانا مهتمين في هذه الصفقة وهما بنك أمريكا وبريتش باركليز، وحذرهما بأن الخزينة الأمريكية والاحتياطي الفيدرالي غير قادرين على المساعدة بالأموال الحكومية.

سبب ذلك أن ليمان برذرز بنك استثماري ولا تستطيع الحكومة تأميمه كما فعلت مع المؤسسات (فاني ماي وفريدي ماك)، ولهذا السبب أيضًا، لا يُسمح لأي منظم فيدرالي (كالمؤسسة الفيدرالية للتأمين مثلًا) بالاستحواذ عليه.

إضافة إلى ذلك، لم يستطع الاحتياطي الفيدرالي أن يضمن قرضًا كما فعل مع بنك بير ستيرنز، لأن بنك ليمان برذرز لم يملك أصولًا كافية لتغطية تأمين هذا القرض.

لم يرغب بنك أمريكا بعرض قرض بأي حال، وكان يريد أن تغطي الحكومة 65 إلى 70 مليار دولار من الخسائر المحتملة، لكن بولسن رفض هذا الطرح. وبدلًا من القبول حضّر اجتماع يضم أرفع البنكيين في الدولة إلى جانب رئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك تيم جيثنر، وذلك لإيجاد حل لتمويل بنك ليمان برذرز وتجنب الأزمة المالية.

قضى البنكيون اليومين التاليين محاولين إيجاد طريقة لنجاح خطة الإنقاذ هذه، ولكن قبل أن يتمكنوا من ذلك، انسحب بنك أمريكا من الصفقة، وفي اليوم التالي أعلن مُنظمي بريتش باركليز عدم موافقتهم على صفقة ليمان برذرز، وهكذا انسحب المنقذين المحتملين لهذه الأزمة المالية ولم يبقى سوى الانتظار حتى إعلان إفلاس بنك ليمان برذرز.

أسباب إفلاس بنك ليمان برذرز

توجد أربعة أسباب كامنة وراء إفلاس بنك ليمان برذرز:

  1.  المخاطرة: اتخذ البنك إجراءات ذات نسب مخاطرة عالية دون وجود قدرة متوافقة على جمع السيولة النقدية بسرعة لمواجهة هذه المخاطر. في عام 2008، كان البنك يملك 639 مليار دولار بهيئة أصول، وهي عمليًا أكثر من كافية لتغطية ديونه البالغة 613 مليار دولار. لكن كان من الصعب بيع هذه الأصول. كانت الحصيلة عجز البنك عن توفير السيولة النقدية الفعّالة، وهذا ما أدى في النهاية إلى الإفلاس.
  2.  الثقافة الإدارية: كافأت الإدارة أفعال المجازفة المفرطة، إذ ذكر كبير مسؤولي المخاطر في بنك ليمان أن الإدارة العليا تجاهلت كثيرًا من استراتيجيات إدارة المخاطر التي وضعتها، وذلك لأن رغبة الإدارة العليا كانت تتمثل بالبقاء أمام المنافسين الذين يستخدمون أيضًا استراتيجيات عالية الخطورة، إضافة إلى اعتقادهم أن الشركة أذكى من أن تقع في أزمة مالية.
  3.  الثقة المبالغ فيها: اعتمدت الشركة على منتجات مالية معقّدة تتعلق بالنمو السريع لسوق العقارات في اللحظة التي بدأ فيها سوق العقارات بالانحدار. في فترة 2000-2006، حقّقت إيراداتها نموًا قدره 130% والفضل يعود في ذلك إلى النجاح المبكر للسندات المدعومة بالرهن العقاري. في فترة 2003-2004، اشترى البنك خمسة مقرضي رهون عقارية، ما سمح له بإنشاء قروض الرهن العقاري وكفالتها، محققًا بذلك زيادة في الأرباح. في مارس 2006، أنفق بنك ليمان برذرز الكثير على العقارات التجارية والقروض الخطرة، وبدلًا من بيعها على الفور، احتفظ بها في سجلاته، وذلك بسبب اعتقاد الإدارة أنها ستحقق أرباحًا أكبر بامتلاكها لهذه الأصول، لكن توقيت قرارهم كان سيئًا جدًا، إذ كان سوق العقارات قد بدأ بالهبوط.
  4.  تقاعس المنظّمين: في خضم كل ذلك، لم تتّخذ لجنة الأوراق المالية ولا البورصة ولا الجهات التنظيمية الأخرى أي إجراء، في وقت مبكر من عام 2007، علمت لجنة الأوراق المالية والبورصات أن بنك ليمان برذرز يجازف بالكثير من المخاطر، لكن اللجنة لم تطلب من البنك أي فعل حيال ذلك، ولم تكشف علنًا لوكالات التصنيف أن البنك قد تجاوز حدود المخاطر.

تأثير إفلاس بنك ليمان برذرز في بدء الأزمة المالية

أدى إفلاس بنك ليمان إلى ترنّح الأسواق المالية، وانخفض مؤشر داو جونز الصناعي بمقدار 504.48 نقطة، وهو أسوأ انخفاض له منذ سبع سنوات. استمرت الخسائر حتى 5 مارس 2009، عندما أغلق مؤشر داو عند 6,594.44، وكان ذلك انخفاضًا بمقدار 53% من الذروة التي وصل إليها وكانت 14,164.53 في 10 أكتوبر 2007. ونتيجة لذلك، هرع المستثمرون إلى الأمان النسبي لسندات الخزانة الأمريكية، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار.

كان المستثمرون يعلمون أن إفلاس بنك ليمان يهدد المؤسسات المالية التي تمتلك سنداته، وفي 16 سبتمبر 2008، كسر صندوق احتياطي سوق المال الأساسي الدولار، وهذا يعني أن أسهمه التي تبلغ قيمتها دولارًا واحدًا على الأقل أصبحت تساوي 0.97 دولار فقط. وبذلك فقد المستثمرون الثقة في صندوق سوق المال عندما أعلن عن خسائر بقيمة 785 مليون دولار في الأوراق التجارية لبنك ليمان.

في 17 سبتمبر 2008 انتشر الانهيار ولاحت الأزمة المالية بوضوح، وسحب المستثمرون مبلغًا قياسيًا قدره 196 مليار دولار من حساباتهم في سوق المال.

ما كان ليسمح استمرار السحب بهذه الحال للأعمال التجارية بالحصول على السيولة اللازمة لتسيير عمليّاتها اليومية، ما يعني انهيار الاقتصاد في غضون أسابيع قليلة. وللتوضيح تخيل أن عمّال الشحن لن يتمكنوا من توصيل الطعام إلى محلات البقالة لعدم توفر السيولة اللازمة.

في 18 سبتمبر 2008، التقى بولسون وبيرنانكي بقادة الكونجرس لتوضيح أن أسواق الائتمان كانت على بعد أيام قليلة فقط من الانهيار، وطلبوا 700 مليار دولار لإنقاذ البنوك ما سيسمح لوزارة الخزانة بشراء أسهم البنوك المتعثرة، وكانت تلك أسرع طريقة لضخ رأس المال في النظام المالي المتجمد وربما تخفيف الأزمة المالية.

في 29 سبتمبر 2008، رفض الكونجرس الاقتراح ما أدّى إلى انخفاض مؤشر داو جونز بمقدار 777.68 نقطة، وهو أكبر انخفاض في أي يوم في التاريخ حتى عام 2018.

كيف تؤثر حادثة إفلاس ليمان برزرذ علينا اليوم

أطلقت حادثة الإفلاس شرارة الأزمة المالية الأولى عام 2008 والركود الذي تلاها، إضافة إلى ذلك، كان جيل الألفية يدخل سوق العمل فكان بالنتيجة الأكثر تأثرًا.

ارتفعت معدلات البطالة كثيرًا، لكن جيل الألفية عانى أكثر من غيره إذ ارتفعت معدلات البطالة لعمر 16-24 من 9.9% في مايو 2007 إلى مستوى قياسي بلغ 19.5% بحلول أبريل 2010. بلغت نسبة البطالة 8.8% لمن تتراوح لعمر 25-54 وصلت 7% لمن هم في سن 55 أو أكبر. بحلول ديسمبر 2017، انخفضت البطالة إلى 8.9% لجيل الألفية، لكن الضرر بالنسبة لهم كان قد حدث بالفعل.

يعد تأثير الركود الذي تلى الأزمة المالية على جيل الألفية مذهلًا عند مقارنته بالأجيال السابقة في نفس العمر، لأنهم:

  1.  لديهم ثروة أقل.
  2.  عليهم المزيد من الديون الدراسية.
  3.  أكثر احتمالية للعيش مع والديهم.
  4.  أبطأ في إنشاء العائلات.

التأثير الإيجابي الوحيد من هذه الأزمة المالية هو أن جيل الألفية حصل على تعليم أفضل من الأجيال السابقة، فنظرًا لعدم توفر الوظائف، اتجه جيل الألفية للتعلم، وهذه النقطة أعطت ثمارها لأولئك الحاصلين على شهادة جامعية، فكان متوسط دخل الأسرة لديهم هو الضعف بالنسبة لأولئك الحاصلين على شهادة الثانوية العامة فقط.

وقد مهد إفلاس بنك ليمان أيضًا لوضع قانون دود-فرانك لإصلاح وول ستريت. كان الإصلاح المالي الأكثر شمولًا منذ قانون جلاس ستيجال. نظم جلاس-ستيجال البنوك بعد انهيار سوق الأوراق المالية عام 1929، ولكنه أُلغي عام 1999، وسمح ذلك للبنوك باستثمار أموال المودعين مرة أخرى في مشتقات غير منظمة مثل الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري.

أنشأ قانون دود فرانك مجلس مراقبة الاستقرار المالي الذي يحدد المخاطر التي تؤثر على القطاع المالي بأكمله. فإن أصبحت أي شركة كبيرة جدًا، سيسلمها المجلس إلى الاحتياطي الفيدرالي للإشراف عليها من كثب. فمثلًا، يستطيع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن يدفع أحد البنوك إلى زيادة متطلبات الاحتياطي الخاص به، والتأكد من أن لديه ما يكفي من النقد في متناول اليد لمنع الإفلاس.

اقرأ أيضًا:

ما المقصود بمصطلح الانهيار الاقتصادي

ما المقصود بمصطلح القوة الاقتصادية للدول؟

ترجمة: صقر التركاوي

تدقيق: آلاء رضا

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر