يزعم مروِّجو بيتكوين والعملات المشفرة الأخرى أنها تصبح سائدة مع الوقت، ولديهم سبب مقنع لرغبتهم في تصديق الناس لهم، ولكن الفائدة الوحيدة للعملات المشفرة هي بيع المُضارب لها بسعر أعلى من سعر الشراء، لذلك يجب ألا نغفل عن اعتمادها على الشعور بالخوف من عدم اللحاق بالركب.

توجد ادعاءات مشكوك بصحتها بشأن تملُّك 10% إلى 30% من الأستراليين العملات المشفرة. تُجمع هذه الإحصائيات بناء على استبيانات من الأثرياء أو احتساب عدد مَحافظ العملات المشفرة، ولكن تُظهر البيانات الموثوقة بشأن استخدام بيتكوين أنها نادرًا ما تُشترى بهدف استخدامها للسبب الرئيسي لوجودها كما يُزعَم، وهو شراء الأشياء بواسطتها.

قلة استخدام بيتكوين وسيلةً للدفع:

أنشأ ساتوشي ناكوتو بيتكوين ونشر في عام 2008 مستندًا يصف المغزى منها قائلًا: «ستسمح صيغة من النقود الإلكترونية تعتمد بالكامل على مبدأ النظير للنظير للدفع الإلكتروني بأن يجري الإرسال مباشرة من طرف إلى آخر مع تجاوز المؤسسات المالية».

ولكن البيانات الصادرة مؤخرًا من البنك المركزي الأسترالي تدحض هذه الفكرة تمامًا، ويجري البنك المركزي الأسترالي إحصائية كل 3 سنوات وفق عينة من 1000 بالغ حول أدوات الدفع التي يستخدمونها، وتظهر البيانات ندرة استخدام العملات المشفرة أداةً للدفع، واستخدامها بما لا يزيد عن 2% من السكان، بخلاف الأدوات الحديثة مثل خدمات PayID وخدمات buy now, pay later التي يستخدمها ثلث المستهلكين تقريبًا.

تؤكد الدراسة السابقة دراساتٍ أجراها الاحتياطي الفيدرالي عام 2022 مفادها دفع 2% فقط من البالغين في الولايات المتحدة باستخدام العملات المشفرة (أهمها بيتكوين)، والبنك المركزي السويدي الذي خلص إلى أن أقل من 1% من السويديين يدفعون مستخدمين العملات المشفرة.

مشكلة تقلب سعر بيتكوين والعملات المشفرة:

يعد تغير أسعار العملات المشفرة باستمرار أحد أهم أسباب عدم استخدامها لتسعير السلع والخدمات. فعلى سبيل المثال، سيلزم على المقهى الذي يُسعِّر منتجاته وفق بيتكوين بأن يغير الأسعار كل ساعة.

نشر بنك التسويات الدولية مؤخرًا بيانات تظهر تغيرات أسعار صرف أهم 10 عملات رقمية مقابل الدولار الأمريكي ومقارنتها باليورو والين الياباني لمدة 5 سنوات.

لا شك أن النتائج كانت أن شدة تقلب قيمة بيتكوين وأخواتها تلغي إمكانية تصنيفها عملات.

تجسدت محاولات لحل هذه المشكلة بظهور العملات المستقرة التي تدعي إبقاء قيمتها ثابتة، وعادةً يجري تثبيت سعرها مقابل الدولار الأمريكي، ولكن انهيار تيرا -التي كانت أحد أكبر مشاريع العملات المستقرة- أظهر ضعف الأساسات التي تعتمد عليها العملات المستقرة، لدرجة تخلي شركة ميتا التي تملك موارد هائلة عن مشروع عملتها المستقرة ليبرا.

فشلت تجربتان في جعل بيتكوين عملة رسمية؛ في جمهورية أفريقيا الوسطى التي تراجعت عن قرارها، وفي السلفادور حيث لم تقبل إلا 20% من الشركات الدفع باستخدام بيتكوين. ومع أن القانون يفرض على جميع الشركات قبول بيتكوين، فإنها لم تُستخدم إلا في تشكيل 5% من قيمة المبيعات.

استخدام بيتكوين مخزنًا للقيمة والتحوط من التضخم:

ما استخدام بيتكوين بما أنها لا تستخدم للدفع؟

أهم عامل يجذب الناس لشراء بيتكوين وفق أهم الأبحاث المالية هو استخدامها مخزنًا للقيمة، خاصة في أوقات التضخم، وذلك بسبب وضع سقف لكمية بيتكوين التي سيجري تعدينها، كما ذُكر في مقال نشرته مجلة فوربس مؤخرًا: «أما فيما يخص الكمية، يوجد 21 مليون بيتكوين فقط وفق القانون الأمريكي لتبادل المعلومات-ASCII. ولذلك، ومع ارتفاع الطلب على بيتكوين سترتفع قيمتها، ما قد يتماشى مع السوق ويتجنب التضخم على المدى الطويل».

لكن البيانات لا تقف في صف الادعاء السابق، فقد انخفضت القيمة الشرائية في عام 2022 للعملات الرئيسية (الدولار الأمريكي واليورو والجنيه الإسترليني) بين 7% و10%، أما قوة بيتكوين الشرائية فقد انخفضت بنسبة 65%.

شراء بيتكوين، مضاربة أم قمار؟

دائمًا ما كان -وسيكون- سعر بيتكوين متقلبًا، وفي حال استقر بطريقة ما، سيبيع من اشترى بيتكوين بهدف المضاربة، ما سيخفض سعرها.

تكمن المشكلة في أنه من المرجح أن يخسر معظم من اشترى بيتكوين بهدف المضاربة، وقد خلصت دراسة أجراها بنك التسويات الدولية إلى أن معظم مشتريي بيتكوين عالميًّا بين أغسطس عام 2015 وديسمبر عام 2022 قد تعرضوا لخسائر، وهو ما يتفق مع القيمة السوقية الإجمالية للعملات المشفرة التي وصلت ذروتها لتبلغ 3 ترليون دولار في نوفمبر عام 2021 وأصبحت الآن 1 ترليون دولار تقريبًا.

بلغ أعلى سعر لبيتكوين عام 2021 نحو 60,000 دولار و40,000 دولار عام 2022، أما في عام 2023 فلم تتجاوز عتبة 30,000 دولار، وتظهر أبحاث غوغل وصول الاهتمام العام ببيتكوين ذروتَه عام 2021 عندما كانت نسبة امتلاك بيتكوين بين البالغين -ممن يستطيعون الاتصال بالإنترنت- في الولايات المتحدة 11%، وانخفضت هذه النسبة لتصبح 8% عام 2022.

وفق بحث نشرته حكومة المملكة المتحدة عام 2022، فقد عدَّها 52% من مالكي العملات الرقمية البريطانيين «استثمارًا بهدف المتعة» وكأن هذا التعبير كناية عن المقامرة، أما 8% فقالوا بصريح العبارة إنها مقامرة.

أوصت لجنة الخزانة في برلمان المملكة المتحدة بتشريع العملات الرقمية بصفتها نوعًا من المقامرة بدلًا من سن التشريعات على أنها منتجات مالية، ورأى أعضاؤها أن الاستمرار في التعامل مع «الأصول الرقمية غير المدعومة إنما هو خدمات مالية ستخلق تأثير الهالة حولها وهو ما سيؤدي إلى إيمان المستهلكين بأن هذا النشاط أكثر أمانًا مما هو عليه، أو أنه محمي وهو ليس كذلك».

مهما كانت درجة موضوعية الاقتراح السابق، فإن النقطة المحورية لرأي اللجنة واضحة، وهي أن شراء بيتكوين وسواها من العملات الرقمية أقرب للمقامرة من الاستثمار، وبإمكانك ممارسته على مسؤوليتك الشخصية، ولكن لا تستثمر أبدًا مبلغًا لا يمكنك تحمل خسارته.

اقرأ أيضًا:

هل يمكن أن يفقد الدولار مكانته بوصفه عملة احتياط؟

اضطرابات سوق الأسهم وانخفاض مؤشرات وول ستريت

هل تتيح الأزمة الاقتصادية لألمانيا فرصة تغيير سياساتها؟

ترجمة: كميت خطيب

تدقيق: تسنيم المنجد

المصدر