داء تكور الكريات الوراثي هو اضطراب دموي وراثي يسبب فقر دم انحلالي بالدرجة الأولى. يحدث هذا الاضطراب عندما تتحطم الكريات الحمر أسرع من المعتاد، إذ تفقد شكلها المميز الشبيه بالقرص وتتحول إلى شكل مستدير أو كروي، وتفقد قدرتها الطبيعية على العمل.

من يتأثر بداء تكور الكريات الوراثي؟

يؤثر هذا الداء عادةً في الأشخاص الذين ينحدرون من أصول شمال أوروبا أو أمريكا الشمالية، إذ تتنوع البيانات حول عدد الأشخاص المصابين بداء تكور الكريات الوراثي. يُقدّر معدّل الإصابات بداء تكور الكريات الوراثي بشخص واحد من بين 2000 إلى 5000 شخص في جميع أنحاء العالم.

يشخّص مقدمو الرعاية الصحية عادةً داء تكور الكريات الوراثي لدى الرضع والأطفال الصغار، مع أنه قد لا يعاني بعض الأشخاص علامات أو أعراض حتى سن 30 إلى 40 عامًا. وفي كثير من الأحيان، تبدأ الأعراض في الظهور بين سن 3 و8 سنوات.

في بعض الحالات، يُشخص حديثو الولادة بعد إجراء اختبارات الدم للكشف عن داء تكور الكريات الوراثي، إذ يجرون اختبارات الدم للرضع الذين ظهرت عليهم أعراض فقر الدم الحاد بعد أسبوع من ولادتهم.

كيف يؤثر داء تكور الكريات الوراثي في الجسم؟

إضافةً إلى الإصابة بفقر الدم الانحلالي، قد يعاني معظم الأشخاص المصابين الحالات التالية:

  •  تضخم الطحال: يصاب الناس بتضخم الطحال في داء تكور الكريات الوراثي عندما يمتلئ الطحال بالخلايا الكروية، إذ تتدفق الكريات الحمر إلى الطحال، وتنتقل عبر عدة ممرات ضيقة قبل الانتقال إلى مجرى الدم. يعمل الطحال بمثابة مراقب جودة خلايا الدم، إذ يميّز الخلايا الهرمة أو غير الطبيعية أو التالفة ويصفيها.

تتدفق خلايا الدم الحمراء الطبيعية قرصية الشكل عبر الطحال، ولا يمكن للخلايا الكروية الدائرية الخروج منه، لذا تبقى محاصرة فيه. نتيجةً لذلك يتمدد الطحال لإفساح المجال لعدد كبير غير عادي من خلايا الدم للمرور من الطحال.

  •  اليرقان: تؤثر هذه الحالة في الجلد وبياض العين (الصلبة) والأغشية المخاطية، فيتحوّل لونها إلى الأصفر عندما يرتفع مستوى البيليروبين الناتج عن تحطم الكريات الحمر.
  •  حصى في المرارة: إن ارتفاع مستويات البيليروبين قد يسبب حصوات مرارية.

أعراض فقر الدم الانحلالي:

تشمل أعراض فقر الدم الانحلالي اليرقان وضخامة الطحال، أما الأعراض الأخرى هي:

  •  ضيق التنفس: يحدث ضيق التنفس عندما لا يوجد عدد كاف من الكريات الحمراء لتحمل الأكسجين إلى جميع أنحاء الجسم وتلبي احتياجاته.
  •  التعب: تعب شديد يؤثر على الحياة اليومية والقدرة على القيام بالأنشطة اليومية الاعتيادية.
  •  تسرع القلب: ينبض القلب بسرعة كبيرة (أسرع من المعتاد)، إذ لا يملك الوقت الكافي بين النبضات ليمتلئ بالدم، ولا يستطيع تزويد الجسم بالأكسجين الذي يحتاجه.
  •  انخفاض ضغط الدم: قد يكون انخفاض ضغط الدم عرضًا أو حالة مرضية منفصلة، إذ يحدث ذلك عندما يكون ضغط الدم أقل بكثير من المتوقع.

هل يتعرض كل شخص مصاب بداء تكور الكريات الوراثي بأحد هذه الحالات أو كلها؟

يصنف داء تكور الكريات الوراثي بناءً على الأعراض والعلامات الظاهرة إلى خفيف ومتوسط وشديد:

  •  خفيف: تشمل هذه الفئة نحو 20% إلى 30% من الأشخاص الذين يعانون داء تكور الكريات الوراثي، إذ يعاني الأشخاص في هذه الفئة فقر الدم الانحلالي. لا تظهر عليهم أعراض أخرى حتى يبلغوا الثلاثينيات أو الأربعينيات من العمر.
  •  متوسط: تشمل هذه الفئة الرضع والأطفال، وتمثل 60% إلى 75% من جميع الأشخاص المصابين بهذه الحالة. قد يعاني الأطفال والرضع فقر الدم الانحلالي واليرقان الخفيف إلى المتوسط.
  •  شديد: تمثل هذه الفئة 5% من جميع الأشخاص الذين يعانون داء تكور الكريات الوراثي. ويشمل الأطفال حديثي الولادة الذين تظهر عليهم أعراض فقر الدم الحادة عندما يبلغون من العمر حوالي أسبوع.

أسباب داء تكور الكريات الوراثي:

كما يوحي الاسم، فإن الحالة موروثة من الآباء البيولوجيين، إذ يتلقى جميع الناس نسخًا من جينات الآباء البيولوجيين. تحدث الاضطرابات الموروثة عندما تنتقل الجينات من الآباء إلى الأطفال أو تتعرض للتحول أو التغيير خلال الانتقال.

في داء تكور الكريات الوراثي، قد ينقل الآباء طفرات في خمسة جينات مختلفة. توفر هذه الجينات تعليمات للبروتينات التي تشكل جزءًا من بنية الكريات الحمر. تحدد هذه الطفرة الجينية أيضًا درجة الإصابة بداء تكور الكريات الوراثي ما إذا كانت الإصابة حادة أو خفيفة.

إن 75% من حالات الإصابة بداء تكور الكريات الوراثي هي وراثة سائدة، ما يعني أن الإصابة تتطلب نسخة واحدة فقط من الجين المسؤول للتسبب في شكل من أشكال داء تكور الكريات الوراثي. أما الأطفال الذين يولدون لوالدين لديهم جين متحور فإن فرصتهم لوراثة الجين المتحور هي 50%.

يرث الأشخاص الآخرون المرض لأنهم تلقوا نسخة واحدة من الجينات المحورة من الأب والأم. هذا ما يسمى بالوراثة المتنحية السائدة. في هذه الحالة، يكون الوالدان حاملين للمرض ولكن لا تظهر عليهما علاماته وأعراضه.

عندما يكون لدى الآباء الحاملين للمرض أطفال، فإن كل طفل لديه فرصة مختلفة لتطوير داء تكور الكريات الوراثي. على وجه التحديد، لديهم احتمال بنسبة 25% ليكونوا سليمين و50% في أن يكونوا حاملي المرض فقط، واحتمال بنسبة 25% لتجنب أن يكونوا مصابين بداء تكور الكريات الوراثي.

ماذا يحدث عندما تتحور هذه الجينات؟

تتألف جميع الخلايا من غشاء يفصل محتوياتها الداخلية عن البيئة الخارجية ويحميها. تتكون أغشية خلايا الدم الحمراء من طبقة رقيقة من الغشاء الخارجي. تربط بروتينات الغشاء الخارجي الهيكل الخلوي بالغشاء الداخلي.

تحتاج خلايا الدم الحمراء إلى التناسب مع شكل الوعاء الدموي وحجمه، فتحاول الانحناء والالتواء والالتفاف حتى تتمكن من الضغط على الأوعية الدموية الضيقة والانزلاق عبر الطحال. قد تنثني خلايا الدم الحمراء إلى ثلث حجم سطحها. يسمح غشاء الخلية الدموية لخلايا الدم الحمراء بالحفاظ على شكلها المميز (قرص مقعر) ولكن هذا الشكل مطاوع ومتغير حسب الحاجة.

تؤثر الطفرات الجينية في داء تكور الكريات الوراثي على بروتينات غشاء الكرية الحمراء، ما يؤدي إلى قطع الاتصال بين الهيكل الخلوي والطبقة الخارجية، ونتيجةً لذلك فإن الهيكل الخلوي لا يستطيع دعم الطبقة الخارجية، ويتغير شكل الكرية الحمراء من أقراص مقعرة مرنة إلى خلايا كروية غير مرنة.

تشخيص داء تكور الكريات الوراثي:

تُشخّص الحالة بتقييم الأعراض وطرح أسئلة حول التاريخ الطبي والعائلي وإجراء العديد من الاختبارات.

تشمل هذه الاختبارات:

  •  تعداد الدم الكامل CBC: يقدم هذا الاختبار معلومات كاملة عن التعداد الدموي والصحة العامة للمريض.
  •  مسحة الدم المحيطية: يُجرى هذا الاختبار لفحص حجم خلايا الدم وشكلها.
  •  عدد الخلايا الشبكية: يُقاس تعداد الخلايا الشبكية لمعرفة ما إذا كان نخاع العظم ينتج ما يكفي من خلايا الدم الحمراء السليمة.
  •  اختبار مضاد الغلوبيولين المباشر – كومبس: يفحص هذا الاختبار احتمالية وجود فقر الدم الانحلالي المناعي الذاتي.
  •  اختبار البيليروبين: للتحقق من ارتفاع مستويات البيليروبين.
  •  تحليل الهشاشة الأسموزي: يكتشف هذا الاختبار ما إذا كانت الكريات الحمراء عرضة للهشاشة والتحطم.
  •  الرحلان الكهربائي للغشاء البلازمي: هي تقنية تستخدم مادة هلامية أو سائل في حقل كهربائي لتحديد الحمض النووي DNA أو الحمض النووي الريبي RNA أو البروتينات. يُستخدم هذا الاختبار لتحديد بروتين غشاء الخلية الحمراء الذي تحور أو تغير.

العلاج:

يختلف العلاج حسب الأعراض. قد يُنقل الدم أو عوامل تحفيز الإريثروبويتين (ESA) لحديثي الولادة الذين يعانون فقر دم شديد فور تشخيصهم بداء تكور الكريات الوراثي. إذ يُعد ESA دواء يساعد على إنتاج خلايا الدم الحمراء. تشمل العلاجات المحتملة الأخرى ما يلي:

  •  العلاج بالضوء: لعلاج اليرقان عند الأطفال حديثي الولادة.
  • عمليات نقل الدم: قد يعالج مقدمو الرعاية الصحية فقر الدم عبر عمليات نقل الدم.
  •  استئصال الطحال: تُعالج الأشكال الشديدة من داء تكور الكريات الوراثي عبر استئصال الطحال.
  •  استئصال المرارة: لعلاج حصوات المرارة.
  •  استخلاب الحديد: قد يصاب الأشخاص الذين يخضعون لعمليات نقل الدم بداء ترسب الأصبغة الدموية، إذ يتم التخلص من الحديد الزائد من خلال العلاج بالاستخلاب.

اقرأ أيضًا:

فقر الدم المنجلي: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

فقر الدم الناجم عن عوز الحديد

ترجمة: سارا رياض الخضر

تدقيق: لبنى حمزة

المصدر