تحطمت مركبة فضائية يابانية خاصة في أثناء محاولتها الهبوط على سطح القمر يوم 6 يونيو، في أحدث انتكاسة ضمن السباق التجاري المتسارع نحو استكشاف القمر.

وأعلنت شركة آي سبيس، ومقرها طوكيو، فشل المهمة بعد ساعات من فقدان الاتصال بالمركبة. حاول فريق التحكم الأرضي استعادة التواصل، لكنه لم يتلقَّ أي إشارة، ما دفعهم إلى إنهاء المهمة رسميًا.

انقطع الاتصال قبل أقل من دقيقتين من الموعد المحدد لهبوط المركبة على القمر، مع أن عملية الهبوط من المدار القمري بدت تسير على نحو طبيعي حتى تلك اللحظة.

وقدّم المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، تاكيشي هاكامادا، اعتذاره لجميع من ساهموا في المهمة، التي تمثل الإخفاق الثاني تواليًا لشركة آي سبيس في الهبوط القمري.

في عام 2023، انتهت أول محاولة للشركة بهبوط فاشل على سطح القمر، وهو ما ألهم إطلاق اسم “ريزيليانس” (الصمود) على المركبة التالية. وكانت “ريزيليانس” تحمل روبوتًا مجهزًا بمجرفة لجمع عينات من تربة القمر، إلى جانب عمل فني صغير يتمثل في منزل أحمر صغير من تصميم فنان سويدي، كان من المقرر وضعه على سطح القمر.

وأشار مسؤولو الشركة إلى أن الوقت ما يزال مبكرًا لتحديد إن كانت المشكلة ذاتها سبب فشل المهمتين.

وقال هاكامادا للصحفيين: «هذه هي المرة الثانية التي نفشل فيها في تحقيق هبوط ناجح، ولذلك علينا أن نتعامل مع الأمر بجدية بالغة». وأضاف أن الشركة ستواصل تطوير مهماتها القمرية المستقبلية.

ووفقًا لتحليل أولي، لم يعمل النظام الليزري المخصص لقياس الارتفاع كما هو متوقع، ما أدى إلى نزول المركبة بسرعة زائدة عن الحد. وقالت الشركة في بيان مكتوب: «استنادًا إلى هذه المعطيات، يُفترض حاليًا أن المركبة تعرضت لاصطدام عنيف بسطح القمر».

طالما كان استكشاف القمر حكرًا على الحكومات، حتى بدأت شركات خاصة في دخول هذا المجال منذ عام 2019، ومع ذلك كانت نسبة الفشل تفوق النجاحات حتى الآن.

أُطلقت مركبة “ريزيليانس” في يناير من ولاية فلوريدا في رحلة طويلة إلى القمر، ودخلت مداره الشهر الماضي. وقد تقاسمت المركبة رحلة الإطلاق مع مركبة “بلو غوست” التابعة لشركة فايرفلاي إيروسبيس، التي هبطت بنجاح وأصبحت أول كيان خاص يحقق هبوطًا ناجحًا على القمر في مارس الماضي.

ولحقتها شركة أميركية أخرى وهي إنتويتيف ماشينز بعد أيام، لكن مركبتها الطويلة والرفيعة ارتطمت بفوهة قرب القطب الجنوبي للقمر وأُعلن عن فقدانها بعد ساعات.

كانت “ريزيليانس” تستهدف الهبوط في الجزء العلوي من القمر، وهي منطقة أقل وعورة من المناطق المظلمة في الأسفل. واختار فريق آي سبيس منطقة مسطحة قليلة الصخور في “بحر البرَد”، وهي منطقة ضيقة وطويلة مليئة بالفوهات وتدفقات الحمم البركانية القديمة تقع في النطاق الشمالي من الجانب القريب من القمر.

وكان من المقرر أن ترسل المركبة التي يبلغ طولها 2.3 مترًا، صورًا بعد عدة ساعات، ثم تُنزل الروبوت المرافق لها على سطح القمر في نهاية الأسبوع.

الروبوت المسمى “تيناشيوس”، والمصنوع في أوربا من ألياف الكربون مع أربع عجلات، كان يزن نحو خمسة كيلوغرامات ومزود بكاميرا عالية الدقة لاستكشاف المنطقة، إلى جانب مجرفة لجمع عينات من تربة القمر لصالح وكالة ناسا.
وكان بإمكانه التحرك بسرعة لا تتجاوز سنتيمترات قليلة في الثانية، ضمن نطاق يصل إلى كيلومتر واحد من موقع الهبوط، مع فترة تشغيل تستمر طوال الأسبوعين، وهي مدة ضوء الشمس على سطح القمر.

ولم تخلُ المهمة من بعدٍ فني، إذ حمل الروبوت نموذجًا مصغرًا لمنزل تقليدي سويدي، بلون أحمر وحدود بيضاء وباب أخضر، من تصميم الفنان ميكائيل غينبرغ، وكان من المقرر تثبيته على سطح القمر تحت اسم “بيت القمر”.

وقبيل الهبوط بدقائق، أكد هاكامادا أن الشركة استفادت من الدروس المستخلصة من فشل المهمة الأولى، وقال إن المهندسين بذلوا كل ما في وسعهم لضمان نجاح المهمة هذه المرة.

وقال أن المحاولة الأخيرة ليست سوى “خطوة انتقالية” نحو تطوير مركبة هبوط أكبر من المخطط إطلاقها بحلول عام 2027 بمشاركة وكالة ناسا.

أشار كبير مهندسي شركة آي سبيس في الولايات المتحدة، جيريمي فيكس، إلى أن الشركة لا تملك “تمويلًا ضخمًا” ولا تستطيع تحمّل سلسلة من الإخفاقات المتكررة. ولم تكشف الشركة عن التكلفة الإجمالية للمهمة الحالية، لكنها أكدت أنها أقل من تكلفة المهمة الأولى التي تجاوزت 100 مليون دولار.

وتسعى شركتان أميركيتان أخريان إلى تنفيذ مهمات هبوط على القمر قبل نهاية هذا العام: بلو أوريجن التابعة لجيف بيزوس، وأستروبوتيك تيكنولوجي التي كانت مركبتها الأولى قد فشلت في الوصول إلى القمر عام 2024 وسقطت مجددًا نحو الغلاف الجوي الأرضي.

على مدى عقود، تنافست الحكومات على استكشاف القمر. ولم تنجح حتى اليوم في تنفيذ عمليات هبوط آلي على سطح القمر سوى خمس دول: روسيا، الولايات المتحدة، والصين، والهند، واليابان. ومن بين هذه الدول، تبقى الولايات المتحدة الوحيدة التي أنجزت هبوطًا مأهولًا، حيث سار 12 رائد فضاء من ناسا على سطح القمر بين عامي 1969 و1972.

وتعتزم ناسا إرسال أربعة رواد فضاء في رحلة حول القمر العام المقبل، يليها، بعد عام أو أكثر، أول هبوط بشري على سطح القمر منذ أكثر من نصف قرن، باستخدام مركبة “ستارشيب” التابعة لشركة سبيس إكس لنقل الطاقم من المدار القمري إلى سطح القمر. ومن جهتها، تخطط الصين لتنفيذ هبوط مأهول على القمر بحلول عام 2030.

اقرأ أيضًا:

رواد الفضاء سيرتدون بذلات (برادا) في رحلتهم القادمة إلى القمر!

للمرة الأولى في التاريخ، مركبة فضائية تلامس الشمس!

ترجمة: لور عماد خليل

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: باسل حميدي

المصدر