لطالما شكلت المحافظة على الأسنان تحديًا للبشر، ويرى المؤرخون أن ممارسة طب الأسنان قد تعود إلى ما قبل 7000 ق.م. كانت العناية بالأسنان وظيفة ذاتية بالنسبة لأجيال لا تحصى، وتبدو الأدوات التي كانت متاحة لأسلافنا لهذا الغرض ذات تطور كبير، فهي تشبه كثيرًا ما نستطيع شراءه من أي صيدلية في يومنا هذا.

لقد مرت عدة قرون قبل أن تصبح العناية المهنية بالأسنان متاحة على نطاق واسع، ففي أواخر القرن التاسع عشر غالبًا ما كان الحلاقون يجمعون بين مهنتهم هذه وجراحة الأسنان وطبابتها، ويرجع اليوم العمود المخطط باللونين الأحمر والأبيض المألوف بجانب محال الحلاقة إلى الوقت الذي علق فيه الحلاقون خرقًا دموية كي تجف بعد العمليات الجراحية.

فرشاة الأسنان

تغيرت النظريات حول أسباب تسوس الأسنان على مر العصور، ففي العصور القديمة تسببت ديدان الأسنان الغامضة بترسبات البكتيريا المتكاثرة، فأدرك الناس أهمية المحافظة على نظافة أسنانهم. وقبل استخدام فرشاة الأسنان، استخدم الكثيرون المسواك والأغصان الرقيقة التي تُقضم حتى تتآكل إحدى نهاياتها، ما يخلق نوعًا يحاكي الفرشاة، وما زال المسواك يُستخدم على نطاق واسع في بعض الثقافات اليوم.

يبدو أن اختراع فرشاة الأسنان التي نعرفها اليوم يعود إلى الصين خلال عهد أسرة تانغ (618-907 م). واحتوت النماذج الأولى من الفُرش على مقابض من الخيزران أو العظام وشعيرات مصنوعة من شعر الخنزير. وما زالت فرش شعر الخنزير متوفرة حتى اليوم إذ يُروّج لها بوصفها بديلًا صديقًا للبيئة بعكس فرش النايلون الخشن ذات المقابض البلاستيكية.

يعدّ الإنجليزي ويليام أديس أول رائد أعمال ينتج فرش أسنان بكميات كبيرة، وقد استلهم فكرة النموذج الأولي في العام 1780 في أثناء وجوده في السجن بتهم الشغب. وفي العام 1857، تلقى وادزورث طبيب أسنان من واشنطن أول براءة اختراع أمريكية لفرشاة أسنان ادّعى أنها كانت الأفضل في تنظيف ما بين الأسنان. توالت عدة ابتكارات أخرى بعد ذلك ومنها إدخال شعيرات النايلون إلى الفُرش عام 1938.

حصل المخترع الأمريكي توملينسون موسلي في العام 1937 على براءة اختراعٍ لتصميمه فرشاة أسنان كهربائية، لكن الفكرة قد فشلت في الانتشار حينها، إلى أن قدّم العالم السويسري فيليب جاي ووغ نموذجه الخاص في عام 1954. يُقال إن اختراع ووغ (فرشاة بروكسودنت الكهربائية) هدفَت إلى مساعدة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، لكنها سرعان ما انتشرت بين عامة الناس، حتى أنّ إعلانًا في إحدى المجلات يرجع إلى الستينيات أطلق عليها لقب (الهدية المثالية لعيد الأم وعيد الأب وحفلات الزفاف والتخرج).

معجون الأسنان

من الغريب أن استخدام معجون الأسنان يسبق استخدام الفرشاة، إذ كتب فرانك ليبرت من كلية طب الأسنان في جامعة إنديانا في دراسة عام 2003: «بين العام 3000 ق.م حتى العام 5000 ق.م، طور المصريون القدامى كريمًا للأسنان يحتوي على مسحوق من رماد حوافر الثيران ونبات المر وقشور البيض وحجر الخُفاف». ثم أضاف الفُرس إليه أصدافًا محترقة من الحلزونات والمحار مع الجبس والأعشاب والعسل حوالي العام 1000 ق.م.

استمر الناس في صنع معاجين الأسنان ومساحيقها حتى بعد ظهور النوعيات التجارية بعد قرون، فمثلًا في كتاب بعنوان (ربة البيت المُدبرة) من عام 1860، يُوصى باستخدام مزيج من مساحيق جذور السوسن، والفحم، ونبات الكَينَة البيروفي، وكربونات الكالسيوم وزيت البرغموت أو اللافندر.

تُنسب فكرة تعبئة معجون الأسنان في أنبوب قابل للعصر في ثمانينيات القرن التاسع عشر إلى طبيب الأسنان واشنطن وينتورث شيفيلد من ولاية كونيتيكت. تشير جمعية طب الأسنان الأمريكية إلى أنه كان يُباع عادةً قبل ذلك في زجاجات أو أواني خزفية أو صناديق ورقية. ساهم هذا الاختراع في إنتاج معجون الأسنان بكميات كبيرة في المصانع وتسويقه على نطاق واسع وبيعه في جميع أنحاء البلاد.

أطلقت شركة كريست أول معجون أسنان يحتوي على الفلورايد عام 1955، وقد أثبتت الأبحاث فعاليته في تقليل تسوس الأسنان. وأظهرت إعلانات كريست المبكرة التي تعود رسوماتها إلى الرسام نورمان روكويل أولادًا وبنات يبتسمون مستعرضين تقارير من زياراتهم الأخيرة إلى طبيب الأسنان مع شعار «أمي أنظري، لا تسوس!». يجب أن تحتوي جميع معاجين الأسنان اليوم على الفلورايد كي تحمل ختم قبول جمعية طب الأسنان الأمريكية- ADA، وتضيفه كثير من البلديات إلى مياه الشرب.

أعواد الأسنان

وفقًا لعلماء الأنثروبولوجيا، قد يكون عود الأسنان المتواضع من أقدم أدوات العناية بالأسنان إذ يعود تاريخه إلى أكثر من مليون عام (عصور ما قبل التاريخ).

تحولت أعواد الأسنان في ذلك الوقت من أداة عادية تُستخدم يوميًا إلى رمز يُشير إلى المكانة ثَم عادت لكونها مجرد أداةٍ عاديةٍ للاستخدام اليومي.

ربما قد صُنعت أقدم أعواد الأسنان من القطع الخشبية الصغيرة، لكن العظام والعاج وغيرها من المواد قد استُخدمت أيضًا في أوقات مختلفة، وحاز ريش الغربان والإوز على شعبية أيضًا.

شاعت أعواد الأسنان المصنوعة من الفضة أو الذهب خلال العصر الفيكتوري بين الأشخاص القادرين على تحمل نفقتها، ويوجد عود أسنان مصنوع من العاج والذهب يعود إلى تشارلز ديكنز نُقش عليه الأحرف الأولى من اسمه، وبيع في مزاد في العام 2009 مقابل 9150 دولار.

انتشر في مجتمعات القرن التاسع تنظيف الأسنان بالأعواد بعد الانتهاء من الوجبات لدرجة أن كتب الإتكيت اضطرت إلى معالجة هذا الموضوع، إذ ذكر أحدها في العام 1882 أنه تنظيف الأسنان على الطاولة وقح جدًا، وإذا اضطر الشخص لذلك فعليه تغطية الفم بمنديل.

صُنعت أعواد الأسنان من الخشب مجددًا في ستينيات القرن التاسع عشر عندما وجد رجل الأعمال الأمريكي تشارلز فورستر طريقة لإنتاجها بكميات كبيرة. سرعان ما أصبح مصنعه في مدينة مين ينتج 500 مليون عود سنويًا، وأصبحت أعواد الأسنان مجانية في المطاعم في كل مكان.

خيط الأسنان

لم يبدأ الاستخدام الشائع لخيوط الأسنان إلا في القرن التاسع عشر، ذلك بفضل جهود طبيب الأسنان الأمريكي ليفاي سبير بارملي، الذي أوصى في أحد كتبه المشهورة عام 1819 بتمرير «خيط حريري شمعي بين الأسنان لإزالة المواد المزعجة التي لا تُزيلها الفرشاة، والتي تعد مصدرًا حقيقيًا للأمراض». أصبح خيط الأسنان التجاري المصنوع من الحرير المشمع أو غير المشمع متاحًا للناس بحلول نهاية القرن التاسع عشر، واستُبدل شبه كليًا بخيط من النايلون في الأربعينيات بسبب ندرة الحرير خلال الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى مقاومة النايلون الأقوى ضد التقطع. بينما يُصنع الخيط اليوم من مجموعة متنوعة من الألياف الاصطناعية.

اختُرعت أجهزة الري الفموي التي تُطلق نفاثات من الماء بين الأسنان في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي. نتج هذا المنظف المُقدم في العام 1962 عن تعاون بين طبيب أسنان ومهندس هيدروليكي من ولاية كولورادو، ويُشاع أن عملية الضخ لم تنجح إلا بعد 146 محاولة.

شكّلت العناية الذاتية المُثلى، إضافة إلى التطورات التي طرأت على طب الأسنان، وإضافة الفلورايد إلى إمدادات المياه العامة عوامل تأثير مدهشة عمومًا.

في العام 1960 كان من المتوقع أن يفقد 49% من الأمريكيين جميع أسنانهم خلال فترة حياتهم، لكن مع حلول العام 2010 انخفض هذا الرقم إلى 13%. مع إن متوسط العمر المتوقع ارتفع نحو 10 سنوات فقط، حسب ما يذكر ماثيو ميسينا الأستاذ المساعد في كلية طب الأسنان في جامعة ولاية أوهايو الذي كتب عن تاريخ طب الأسنان. ويضيف: «كان أجدادي يخلعون أسنانهم (المُركبة) كل ليلة ويضعونها في كأس على منضدة سريرهم، لكن جيلي وأطفالنا يعلمون أنه من المتوقع الحفاظ على ابتساماتنا إلى الأبد».

اقرأ أيضًا:

لمحة تاريخية عن تطور علم البيولوجيا

تاريخ الطب: الطب في عصور ما قبل التاريخ

هل من الأفضل استخدام الخيط قبل تنظيف الأسنان بالفرشاة أم بعده؟

ترجمة: صفا روضان

تدقيق: فاطمة جابر

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر