حمورابي هو سادس ملوك سلالة بابل الأولى وأشهرهم، ولد في بابل بالعراق وتولى الحكم سنة 1792 ق.م، وتوفي سنة 1750 ق.م، ويُعرف اليوم بمسلة قوانينه الشهيرة التي عُدت سابقًا أول قانون يصدر في التاريخ البشري، قبل أن تُكتشف قوانين الملك السومري أورنمو التي صدرت في القرن 21 ق.م.

حمورابي: معلومات وحقائق - سادس ملوك سلالة بابل الأولى وأشهرهم - قوانين الملك السومري أورنمو - عادات البلاط العراقي القديم

يحمل ملوك سلالة بابل الأولى اسم قبيلتهم العمورية لقبًا لهم، ولم يشذ عن القاعدة سوى أبو حَمورابي وجده إذ أهملا ذكر اللقب، أما حمورابي فيذكر أنه منحدر من قبيلة «أمنانوم»، ولا نعرف عن عائلته الكثير غير أننا نعرف أسماء أبيه «سين موباليت» وأخته «إيلتاني» وابنه البكر «سمسو إيلونا» الذي خلفه في الحكم.

كان حمورابي صغيرًا حين خلف أباه سين موباليت سنة 1792 ق.م، لكن ذلك لا يعني أنه كان عديم الخبرة، إذ تقضي عادات البلاط العراقي القديم أن يتولي ولي العهد بعض المسؤوليات الإدارية في أثناء حياة أبيه ليتدرب على حكم المملكة.

تعتمد إعادة بناء تاريخ حكم حَمورابي أساسًا على أسماء السنين، وهي طريقة للتأريخ تسمي السنة باسم إنجاز مهم حققه الملك في بدايتها أو في السنة السابقة. ترسم لنا أسماء سنين حَمورابي صورة تقليدية لملك عراقي قديم، يبني المعابد والأسوار والمنشآت العامة ويرممها، ويحفر القنوات ويخوض الحروب ويكرس النذور لآلهة المدن والبلدات في مملكته، وتؤكد نقوش الملك الرسمية ما جاء في أسماء السنين، وإن لم تضف معلومات تاريخية مهمة.

كان «ريم سين» ملك لارسا يحكم كامل المنطقة جنوب بابل، وفي نفس سنة جلوس حمورابي على العرش فتح ريم سين دويلة إيسن الفاصلة بين بابل ولارسا، وأصبح لاحقًا المنافس الرئيسي لحمورابي.

ورث حمورابي دولة يؤهلها حجمها وموقعها وجيشها لتكون إحدى القوى الرئيسية في جنوب العراق، لكنه لم يمتلك السطوة الكافية لتغيير موازين القوى، ويوضح ذلك تقرير دبلوماسي إذ يذكر: «لا ملك قوي وحده، فمع حَمورابي -رجل بابل- يسير عشرة ملوك أو خمسة عشر، وكذلك مع ريم سين -رجل لارسا- أما مع إيبال بيل -رجل إشنونا- فيسير عشرون ملكًا».

سعى أحد أجداد حمورابي للسيطرة على مياه الفرات، وهو أمر بالغ الأهمية لمنطقة تعتمد بالكامل على مياه الأنهار في الزراعة، واتبع أبو حمورابي هذه السياسة بقوة لكن بنجاح جزئي، ثم سار حَمورابي على نفس النهج الذي كان ضرره واضحًا على مملكة لارسا، إذ تقع -لسوء حظها- باتجاه المصب، وبذلك بدأ الصراع بين المملكتين.

استولى حمورابي على مدينتي أوروك وإيسن في بداية عهده (سنة 1787 ق.م) فانتزعهما من يد ملك لارسا ريم سين، ثم اصطدم بالأخير مجددًا في السنة التالية، لكن أسماء السنين والمراسلات الدبلوماسية المعاصرة تشيران إلى توقف العمليات العسكرية بين المملكتين بعد ذلك بقليل، إذ بدأ جيش حمورابي يتجه نحو الشرق والشمال الغربي منذ سنة 1784 ق.م.

تلا ذلك عشرون سنة خلت من النشاط العسكري، إذ تغيرت التحالفات بين الممالك الرئيسية: ماري وآشور وإشنونا وبابل ولارسا، واستغل حمورابي هذه السنوات التي تميزت بالاستقرار القلق في تحصين عدد من مدنه على الحدود الشمالية (1776-1768 ق.م).

ثم جاءت 14 سنة مليئة بالحروب، استمرت حتى وفاة حمورابي، ففي سنة 1764 ق.م واجه حَمورابي تحالفًا ضم القوى الرئيسية الواقعة شرق دجلة: آشور وإشنونا وعيلام، وهدد موقع الحلفاء بإغلاق الطريق أمام حمورابي للوصول إلى المناطق الإيرانية المنتجة للمعادن.

ثم قامت الحرب بين حَمورابي وريم سين سنة 1763 ق.م، وربما ليس من الخطأ أن نفترض أن حَمورابي كان هو البادئ بالهجوم، ورغم غياب معظم تفاصيل هذه الحرب، فيبدو أن حمورابي وظف بنجاح حيلة استراتيجية استعملها أبوه من قبل ضد ريم سين أيضًا، وتمثلت الحيلة في إقامة سد على مجرى النهر الرئيسي يحبس خلفه المياه ثم إطلاقها فجأة لتخلق فيضانًا مدمرًا، أو مواصلة حبسها حتى يعطش شعب العدو.

نفترض أن حمورابي استعمل تلك الحيلة في الانتصار على ريم سين اعتمادًا على حقيقة إعادة إنشاء قناة -هي فرع الفرات الغربي- سنة 1760 ق.م لتسهيل إعادة توطين النازحين الذين هجروا مجراها قبل الحرب، وقد كانت آخر مراحل الحرب حصار مدينة لارسا -معقل ريم سين الأخير- ودام الحصار شهورًا انتهت بانتصار حمورابي النهائي.

دقت طبول الحرب مجددًا بين حَمورابي والقوى الشرقية سنة 1762 ق.م، ولا ندري إن كانت هذه الحرب دفاعية من جانبه أم رد فعل من جانبهم لتغير ميزان القوى، ولا نعرف أيضًا لماذا هاجم حَمورابي حليفه القديم «زمري ليم» ملك ماري -الواقعة على الفرات على مسافة أربعمئة كيلومترًا شمال غرب بابل- سنة 1761 ق.م، وقد يكون السبب هو التنازع على حقوق المياه، أو محاولة حمورابي السيطرة على موقع ماري الممتاز على الطرق التجارية البرية في الشرق الأدنى القديم.

اضطر حمورابي إلى توجيه حملاته نحو الشرق مرة ثالثة (1757-1755 ق.م) فقضى على إشنونا نهائيًا بواسطة حيلة منع مياه النهر مجددًا، لكن يبدو أن نصره هذا كان باهظ الثمن إذ أزال المملكة الفاصلة بين بلاد بابل وشعوب الشرق، كالكاشيين الذين سيغزون بابل بعد 160 عامًا.

ركز حمورابي في آخر عامين من حكمه على إنشاء التحصينات الدفاعية، وكان وقتها رجلًا مريضًا يحمل عنه أعباء الحكم ابنه سمسو إيلونا، وتوفي حمورابي نحو 1750 ق.م.

شهد حكم حمورابي تغيرات أثرت في كل نواحي الحياة، كان غرضها تعزيز الظروف الناتجة عن تحول دويلة إلى دولة إقليمية ضخمة، وقد تابع حمورابي بنفسه تنفيذ هذه التغيرات بالتفصيل إلى جانب متابعة الروتين اليومي لإدارة مملكته، وتشهد رسائله بذلك.

كان هذا الأسلوب سمةً شخصية لحمورابي وملوكًا آخرين معاصرين، وكانت قوانينه -التي لم تكن قانونًا مدونًا بالمعنى الحديث- تعبيرًا عن سعيه لأن يكون حاكمًا عادلًا، وهو مسعى أكثر ملوك العراق القديم.

فشل حمورابي في تأسيس نظام بيروقراطي لإدارة دولته بسبب طريقته في التدخل في تفاصيل الحكم، وانشغاله بالحروب في أواخر عهده، وربما كان غياب الإدارة الفعالة أحد أسباب تدهور مملكته سريعًا بعد وفاته.

لم يسمّ حمورابي نفسه إلهًا حين سيطر على جنوب العراق، مخالفًا بذلك تقليدًا امتد قرونًا، ربما بسبب رؤيته الخاصة حول طبيعة الملكية، فأسس مفهومًا جديدًا استمر حتى العصر الهلينستي، 323 – 30 ق.م.

بولغ في أهمية حمورابي في تاريخ العراق القديم سابقًا، إذ رفعه اكتشاف مسلة قوانينه إلى مرتبة عالية، لكن اكتشاف مجموعة قوانين أخرى تسبقه -وإن كانت أصغر- قلل من حماسة مؤرخي عصرنا لحمورابي، حتى أن التشابه المؤكد بين قوانينه والقوانين التوراتية أصبح يُفسَّر أحيانًا بوجود مصدر تراثي مشترك، بدلًا من تفسيره بأن التوراة قد استقت قوانينها من قوانين الملك البابلي، مع أن بعض المؤرخين ما زالوا يرون تأثير قوانين حمورابي في قوانين التوراة واضحًا إلى حد الاشتقاق المباشر أحيانًا.

يُعزى إلى حمورابي توحيد العراق القديم، لكنه لم يكن أول من حقق ذلك إذ وجدت اتجاهات نحو الوحدة قبل عهده بقرون، وقد عُثر على أختام تصور موضوع الوحدة ونبوءات ونُذُر تخبرنا عن وحدة قديمة تعود إلى زمن سرجون الأكادي (2334-2279 ق.م) وشولكي (2094-2047 ق.م) وغيرهما من حكام العراق والشام، إذ امتدت دولتهم بين الخليج العربي والبحر المتوسط، ومن المرجح أن توحيد البلاد لم يكن الهدف الوحيد لفتوحات حمورابي.

كان جنوب العراق القديم مسرحًا لأهم أحداث تاريخ العراق القديم في منذ بداية الألفية الثالثة قبل الميلاد، قبل أن ينقله حمورابي شمالًا حيث استمر أكثر من ألف عام، وكان هذا أهم أعمال حمورابي على الأطلاق وأكثرها استدامة.

اقرأ أيضًا:

شريعة حمورابي والقوانين البابلية القديمة

بابل.. قصة مملكة من النهوض حتى الاندثار

ترجمة: الحسين الطاهر

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر