شريعة حمورابي والقوانين البابلية القديمة


يُشير مصطلح شريعة حمورابي إلى مجموعةٍ من القواعد التي وضعها الملك البابلي حمورابي (1792-1750 ق.م)، ضبطت هذه القواعد حياة الناس في إمبراطوريته التي كانت تتوسع بشكلٍ سريعٍ وفي وقت وفاته كانت تشمل معظم ما يُعرف اليوم بالعراق ممتدة من الخليج العربي باتجاه الشمال مع امتداد نهري دجلة والفرات، ويحتوي على أكثر من 300 قاعدةٍ أو قانونٍ تُناقش وتُعالج مختلف المواضيع “القتل، الاعتداء، الطلاق، الديون، التبني، الرسوم التجارية، الممارسات الزراعية، وحتى الخلافات المتعلقة بتخمير الجعة”، تم التعرف على تلك القواعد عن طريق النُّصب المصنوع من حجر الديوريت الأسود (Black diorite) طوله حوالي 7 أقدامٍ (2.25 متر) والمتواجد الآن في متحف اللوفر (Louvre) في باريس، وجد مستكشفو الآثار هذا النصب في موقع مدينة سوسة القديمة في إيران في بعثةٍ يشرف عليها جاك دي مورغان (Jacques de Morgan) في بداية القرن العشرين ويعتقد العلماء أنه نُقل إلى سوسة في القرن 12 قبل الميلاد من قبل حاكم عيلام (Elam وهي حضارةٌ قديمةٌ في منطقة الأحواز في إيران حاليًا) في تلك الفترة، والذي محى أحد جوانب الحجر بعد فترةٍ تحضيرًا لنقش قانونه الخاص.

في الأصل، أظهر حمورابي النٌّصب في مدينة سيبار (العراق حاليا) في معبدٍ كبير، حيث كانت سيبار مركزًا لعبادة إله الشمس (شماش)، وتظهر صورة حمورابي في أعلى الحجر إلى جانب صورة هذا الإله الذي يخرج نورٌ من بين يديه في الصورة، ويعتقد العلماء أن هناك العديد من النُّصب الأخرى (المفقودة)، والتي يُفترض أن يكون قد أقامها في مدنٍ بابليةٍ أخرى خلال فترة حكمه.

أصبح هذا القانون تقليدًا في العالم القديم، حيث وجد العلماء العديد من الأمثلة على ألواحٍ تم نسخُها حتى القرن الخامس قبل الميلاد أي ما يزيد عن ألف عامٍ بعد موته، ويُشير حمورابي في المقدمة والتمهيد لقوانينه بأن الآلهة أوحت له أو أعطته حق وضع هذه القوانين، فتنص المقدمة: “أمر أنو وإنليل حمورابي الأمير الورع والتقي الذي يخشى الآلهة أن يحكم الأرض بالعدل ويدمّر الشر والفساد ويوقف القوي عن استغلال الضعيف، ليشرق على البشرية مثل شماش وينوّر الأرض”.

قانون قاسٍ وغير عادل

يتكون كل قانونٍ من حالةٍ محتملةٍ (مخالفة للقانون) يتبعها حُكمٌ موصوف، ويمكن أن تكون الأحكام قاسيةً حقًا ويشير البروفيسور في جامعة كولومبيا مارك فان دي ميروب (Marc van de Mieroop) في كتابه (King Hammurabi of Babylon) أو (حمورابي ملك بابل) إلى أن عقوبة الموت مدرجةٌ أكثر من 30 مرة، حتى في حالات سرقة المعبد أو ممتلكات القصر أو في حالة مساعدة عبدٍ هارب، علاوةً على ذلك فإن العقوبات المدرجة لم تكن موحدةً بل كانت تتغير مع تغيُّر الوضع الاجتماعي للمتّهَم (المذنب) والمتّهِم (صاحب الحق) كان الحُكم في الحقيقة العين بالعين فقط في حالة تساوي الطرفين اجتماعيًا، على سبيل المثال وكما يشير فان دي ميروب إلى أنه إذا تسبب رجلٌ من النخبة لرجلٍ آخر من عامة الشعب بالعمى أو بكسرٍ فإن عليه أن يدفع له عملةً واحدةً من الفضة كعقوبة، ولكن إذا كان الوضع معاكسًا فإن الرجل من عامة الشعب سيعاقب عقوبةً شديدة، يكتب فان دي ميروب مترجمًا أحد القوانين: >>إذا وجه رجلٌ من النخبة صفعةً لرجلٍ آخر من النخبة ولكنه أعلى مستوى منه فإنه سيتعرض للجلد بالسوط 60 مرةً علنًا<<.

والنساء أيضًا لم يعاملنَ بشكلٍ عادلٍ بالتأكيد حيث يقول أحد القوانين: (إذا وُجِّه الاتهام نحو زوجة رجلٍ ما على أنها تخونه لكن لم يشاهدها أحد مع رجلٍ آخر فإنه عليها أن تقفز في النهر من أجل زوجها)، كما تحصل المرأة على الميراث بالاعتماد على الظروف، كما يوجد قوانين لحمايتها في حالة أسر زوجها في الحرب ونفاذ الطعام لديها وذهابها للعيش مع رجلٍ آخر، أيضًا هنالك قانونٌ يحكم الدعم الذي يجب أن تتلقاه سيدة المعبد من إخوتها في حال وفاة والدها.

عبءٌ على موجهي التهم والقضاة

ليس فقط المتّهَم من يواجه المتاعب في ظل هذه القوانين بل حتى موجِّه التهمة في حال لم يستطع إثبات قضيته، على سبيل المثال، ينص قانون عقوبة القتل على أنه إذا زعم رجلٌ عن رجلٍ آخر تورُّطَهُ في القتل دون دليلٍ أو دون أن يتم إثبات التهمة فإن موجِّه التهمة سيتعرض للقتل، وكان القضاة مفوضين في النظر في قضايا العامّة حيث كانت امبراطورية حمورابي تتوسع ولم يكن يستطيع أن يحكم في كل قضايا الشعب، ولذلك كان لكل مجتمعٍ محليٍ مجموعةٌ من الأشخاص يعملون كقضاةٍ في وقت غياب حمورابي.  وكانت عقوبة القاضي الذي يحاول تغيير حُكمٍ مختومٍ شديدةً حيث ينص القانون على أن يدفع القاضي 12 ضعف مبلغ الخسارة التي تسبب بها.

كيف وُضعت هذه القوانين؟

لم يكن حمورابي أول حاكمٍ يكتب القوانين في الشرق الأوسط، يشير البروفيسور الفرنسي دومينيك شاربن (Dominique Charpin) في كتابه (Writing, Law and Kingship in Old Babylonian Mesopotamia) أو (الكتابة والقانون والملكية في بلاد ما بين النهرين البابلية القديمة) (مطبعة جامعة شيكاغو 2010) أن العلماء اكتشفوا ثلاثة قوانينٍ وضعها حُكّامٌ سبقوا حمورابي، الأقدم بينها كتبه أورنامو ملك مدينة أور السومرية القديمة والذي امتدت فترة حكمه بين بين عامي 2111 و 2094 قبل الميلاد أي قبل حمورابي بحوالي ثلاثة قرون، >>من المؤكد هذه النماذج القديمة أوحت لحمورابي بقانونه<< كما يكتب شاربن، بالإضافة لذلك فإن حمورابي كان متأثرًا بتجاربه الشخصية في ما يتعلق بوضع هذه القوانين وصياغتها على أساس ماضيه في التعامل مع المشاكل التي واجهته.

هل هي شريعةٌ كاملة القوانين؟

أشار العلماء أثناء قراءتهم لشريعة حمورابي بأنها شريعةٌ غير كاملةٍ بالنسبة للقوانين التي تحتويها بالمعنى المعاصر لهذا المفهوم، على سبيل المثال وكما يُشير فان دي ميروب فإن الشريعة لا تشمل أي خلافٍ يمكن أن يظهر كما تحتوي على تناقضات، حيث ينص أحد القوانين على عقوبة القتل على من يقبل الحفاظ على أمانةٍ دون ملفٍ رسميٍ لأن المُتلقي في هذه الحالة يُعتبر لصًا، في حين ينص قانونٌ آخر أنه إذا أودع رجلٌ أغراضًا دون شهودٍ أو ملفٍ رسميٍ وتم إنكار ذلك لاحقًا فإن هذه الدعوى لا أساس لها.

هدف النصب الحجري

يشير شاربن أنه لا يمكن النظر إلى هذا النُّصب كمجموعة قوانينٍ متكاملة، وينوّه فان دي ميروب إلى أن جواب هذا الغموض يكمن في الخاتمة، حيث يؤكد حمورابي على نقطتين، الأولى أن أي شخصٍ في مملكته يمكنه أن يرجع إلى النصب ليرى أو يسمع الكلمات المكتوبة فيه ليفهم مشكلته ومن ثم يقتنع في قلبه، أي أن النصب هو توضيحٌ لوجهة نظر الملك في العدالة ووسيلةٌ لتحسين شعور المحكومين عند شعورهم بأنهم ظُلموا (حيث سيتمكنون من قراءة القوانين التي بُني عليها الحكم عليهم)، والنقطة الثانية هي تأكيدٌ على أن هذه القوانين صادرةٌ منه، شيءٌ أشبه بحقوق النشر، وإذا لم يلتزم أحد بهذه النقطة فستحل عليه لعنة آنو.. أبو الآلهة الذي أوحى له بتلك القوانين.


  • ترجمة: أسامة ونوس.
  • تدقيق: م. قيس شعبية.
  • تحرير: زيد أبو الرب.

المصدر