زرع الدماغ عملية بعيدة المنال حاليًا، ولكن حتى لو تغلبنا على تحدياتها التقنية، ما زال علينا مواجهة معضلات أخلاقية.

صورة للدكتور فلاديمير ديميخوف، وهو يحمل كلبًا برأسين؛ ناتج عن تجربة أجراها عام 1959. إذ قام الدكتور ديميخوف بزراعة الأطراف العلوية، والرأس من أجسام عدة كلاب في أجسام كلاب أخرى، عاش معظم الكلاب لعدة أيام، لكن واحدًا منها عاش لما يقارب الشهر، قبل أن يبدأ جهازه المناعي برفض الأجسام الغريبة المزروعة فيه. (مصدر الصورة: Bettman/Getty)

صورة للدكتور فلاديمير ديميخوف، وهو يحمل كلبًا برأسين؛ ناتج عن تجربة أجراها عام 1959. إذ قام الدكتور ديميخوف بزراعة الأطراف العلوية، والرأس من أجسام عدة كلاب في أجسام كلاب أخرى، عاش معظم الكلاب لعدة أيام، لكن واحدًا منها عاش لما يقارب الشهر، قبل أن يبدأ جهازه المناعي برفض الأجسام الغريبة المزروعة فيه. (مصدر الصورة: Bettman/Getty)

قطعت عمليات زراعة الأعضاء شوطًا كبيرًا، ولم يعد يقتصر الأمر على زراعة الأكباد، أو القلوب، بل وصل الأمر إلى زراعة الأرحام، والأيادي، وحتى الوجوه. لكن هل من الممكن يومًا أن تتم عملية زرع دماغ؟

هذا محتمل في الحقيقة، لكن ما زال الدرب طويلًا لنشهد عليه. فليس من الواضح تمامًا ما إذا كان زرع الدماغ أمرًا أخلاقيًا حتى لو كان معقول الحدوث. فزرع الدماغ هو فعليًا زرع للجسم، وهنا يُطرح سؤال: هل من الصحيح إنقاذ حياة شخص واحد بزرع جسم كامل لمتبرع، أم يجب توزيع أعضاء المتبرع على عدة أشخاص، وزيادة احتمالية إنقاذ عدد أكبر من الأشخاص في الوقت نفسه؟

بوضع الأخلاقيات جانبًا، الدماغ عضو حساس، والنخاع الشوكي المتصل به لا يتعافى بسهولة بعد أن يتعرض للقطع. عند إجراء تجارب على الحيوانات تتضمن زرع دماغ، ماتت معظم الحيونات خلال ساعات، أو أيام. وأطول مدة حياة بعد الزرع كانت عدة شهور.

ورغم تصدّر قلةً من الباحثين للعناوين بادعائهم أن عمليات زرع الدماغ عند البشر قريبة جدًا من الحدوث، فإن العقبات أمام ذلك ما تزال هائلة. ويقول الدكتور فريدريك ماير بوصفه جراح أعصاب: «لا أعتقد أن أي عالم جادّ يعدّ أيًا من تلك الآراء حقيقيةً أوعلميةً».

تاريخ موجز لعمليات زراعة الرأس

لم يجرب العلماء أن يزرعوا دماغًا معزولًا في أي حيوان، لأن الدماغ الحي ناعم وإسفنجي، وقد يتضرر بسهولة لدى إخراجه من جمجمة، ووضعه في جمجمة أخرى، ومحاولة زرع دماغ معزول تستوجب إعادة توصيل أعصاب الجمجمة الحساسة وهو أمر صعب أيضًا ويشكل تحديًا حقيقيًا.

عمليات زرع الدماغ التي تم إجراؤها هي في الحقيقة عمليات زرع رأس كامل، فظهرت أول محاولة عام 1908 عندما زرع العالمان ألكسيس كارل وتشارلز غوثري رأس كلب فوق رأس كلب آخر، ما شكل حيوانًا برأسين يشبه حيوانات الأساطير الإغريقية، لم يعش أكثر من عدة ساعات.

لم يكن ذلك نجاحًا حقيقيًا، لكن تجارب كارل وغوثري ساهمت فعلًا في العلوم الطبية، وفي وقت لاحق مُنح كارل جائزة نوبل في الطب عن عمله في إعادة ربط الأوعية الدموية؛ وهي تقنية أدت لاحقًا إلى إمكانية زراعة الأعضاء وإعادة توصيل الأطراف.

أجرى العالم السوفيتي فلاديمير ديميخوف عام 1954 زراعة أطراف علوية ورؤوس لكلاب في أجسام كلاب أخرى. معظم الحيونات ذات الرأسين لم تصمد أكثر من عدة أيام، عدا واحد عاش 29 يومًا. وذلك وفق مقالة نشرت عام 2016 في مجلة The History of Neurosurgery، فإن الرؤوس المزروعة كانت تعمل حيويًا بشكل جيد، وتؤدي مهمات كشرب الماء والاستجابة للمنبهات العصبية، لكن ما أدى لموت الكلاب في النهاية هو رفض الجهاز المناعي للعضو المزروع.

في حقبة الستينات والسبعينات قام جراح أعصاب أمريكي يدعى روبرت وايت بأخذ مفهوم زراعة الرأس إلى خطوة متقدمة جدًا. إذ اختبر زراعة الرأس فقط من دون الأطراف العلوية، وأجرى التجارب على قردة الريزيوس، إذ نفذ العملية باستبدال الرؤوس بدلًا من زراعة رأس إضافي في الجسم.

وبحسب دراسة من عام 2015، فإن القردة التي تعرضت لعملية الزرع كانت قادرةً على مضغ الطعام وابتلاعه، والتحكم بعينيها لتتبع الأشياء بالنظر. لكن جميع القردة كانوا مشلولين شللًا رباعيًا بسبب انقطاع نخاعهم الشوكي وتوقفه عن إرسال الإشارات العصبية إلى باقي أعضاء الجسم، وقد ماتوا خلال 36 يومًا بسبب مشاكل في تدفق الدم.

مشكلة زراعة الرأس

أصبح من الممكن اليوم أن نوقف الرفض المناعي للأجسام المزروعة، باستخدام مجموعة من الأدوية المتطورة التي تتيح حتى للأنسجة الغنية بالخلايا المناعية كالجلد أن تدوم لعقود بعد زرعها.

وقد حقق العلماء خطوات واعدةً في سبيل إعادة توصيل الأوعية الدموية، وإبقاء التروية الدموية متدفقةً نظريًا في الدماغ في أثناء عملية زرع الرأس.

في عام 2015 أجرى العالم جاوبينغ رين من جامعة هاربن الطبية في الصين تجارب على الفئران، إذ عمل على قطع أحد الوريدين الوداجيين في العنق، وأحد الشريانين السباتيين، ليقوم بتوصيل رأس فأرة بجسم فأرة أخرى. مبقيًا على الوريد الوداجي، والشريان السباتي غير المقطوعين لتغذية رأس الفأرة الأصلية.

لكن المشكلات الرئيسية تبقى كما هي، تتطلب عملية نقل الرأس تقطيع النخاع الشوكي وإعادة توصيله، ومع أن رين وفريقه الطبي وجدوا طرقًا لتقطيع الحبل الشوكي في مستويات مناسبة لتستطيع فئران التجربة التنفس من دون الحاجة إلى جهاز تنفس، فلا يوجد دليل كافٍ على أن النخاع الشوكي عند البشر يستطيع التعافي من عملية كهذه.

وفقًا لدراسة في The History of Neurosurgery فإن بعض الباحثين يكتشفون موادًا نانومترية، وبولميرات متخصصةً لإصلاح ضرر النخاع الشوكي، لكن هذه المواد لم تُختبر إلا على حيوانات ذات أجهزة عصبية بوظائف مختلفة عن أجهزة البشر.

إن منع الدماغ من خسارة الأكسجين في أثناء العملية الجراحية وبعدها قد يكون أصعب عند البشر من الفئران، ويعود ذلك ببساطة إلى حجم وتفاصيل إمدادات أعضاء الجسم البشري مقارنةً بجسم الفأرة. مجال الخطأ صغير جدًا، إذ تبدأ خلايا الدماغ بالموت في غضون خمس دقائق من فقدان الأكسجين.

في النهاية لا يوجد أي بحث على الإطلاق يشرح كيفية علاج الألم بعد عملية زراعة رأس، إذ إن الألم لا ينتج فقط عن الألم الأساسي لقطع الرأس في أثناء العملية، بل قد يكون أيضًا ألمًا عصبيًا مركزيًا؛ وهو نوع من الألم المزمن، يظهر عادةً بعد أذية الدماغ أو النخاع الشوكي، ويشتهر هذا النوع من الألم بصعوبة علاجه.

نظرًا لكل هذه الأسباب، أعلنت اللجنة الأخلاقية القانونية للجمعية الأوروبية لجمعيات جراحة الأعصاب (EANS) في عام 2016 أن عمليات زراعة الرأس عند البشر أمر غير أخلاقي. وليس لهذه اللجنة أي سلطة قانونية لمنع إجراء عمليات زراعة الرأس لكنها تقدم إرشادات مهنيةً لممارسة جراحة الأعصاب.

وخلصت اللجنة إلى أن «المخاطر المحتملة لمريض خاضع لعملية زراعة رأس هائلة جدًا، بما فيها خطر الموت … ولا توجد قاعدة أدلة واضحة للخطوات المجراة كافةً، بل حتى يوجد ضعف في إثبات المفهوم بأكمله عند البعض».

اقرأ أيضًا:

للمرة الأولى: عملية زراعة قلب طفل رضيع قد تحمل حلًا لمشكلة رفض الأعضاء

عملية زراعة الرحم: كيفيتها وأنواع المتبرعات والمخاطر

ترجمة: ميس مرقبي

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر