أدى اختبار ترينيتي «اختبار لتكنولوجيا السلاح النووي، يُعد جزءًا من مشروع مانهاتن» إلى انفجار أول قنبلة ذرية، ما نتج عنه وفيات للرضع وانتشار السرطان ومشكلات صحية امتدت عقودًا.

في 16 يوليو 1945، فجر جيه روبرت أوبنهايمر وعلماء مشروع مانهاتن قنبلةً ذرية للمرة الأولى على الإطلاق في موقع اختبار ترينيتي في نيو مكسيكو. وقع الانفجار على بعد 320 كيلومترًا من مختبر لوس ألاموس حيث صُنع السلاح. لكن موقع الاختبار، الواقع في حوض تولاروزا، لم يكن منطقةً معزولة. زهاء نصف مليون شخص، معظمهم من أصل مكسيكي وأمريكي أصلي، عاشوا في دائرة نصف قطرها 240 كيلومترًا من التفجير – على بعد نحو 20 كيلومترًا فقط. أصبح هؤلاء الأشخاص وغيرهم عرضة لمخاطر الانفجار، وكانوا أول ضحايا المخلفات النووية.

سمع الكثير منهم الانفجار وشعروا به نحو الساعة 5:30 من صباح ذلك اليوم، ورأوا الوميض الساطع الذي أحدثه في السماء. بعضهم كان على تماس مباشر بمواد المخلفات النووية. لاحقًا، أخبرت إحدى الشهود في معسكر صيفي في رويدوسو، نيو مكسيكو، أنها وفتيات أخريات لعبن وسط حطام أبيض متساقط كما لو كان ثلجًا، وأمسكوا به على ألسنتهن وفركوه على وجوههن. وتلوثت البيئة بآثار المخلفات، إذ لوّث الحطام المشع المياه والمحاصيل والماشية والأراضي.

الحكومة الأمريكية، التي حرصت على تجنب الذعر والحفاظ على مستوى عال من السرية في زمن الحرب، صرحت لسكان حوض تولاروسا إن الانفجار الذي رأوه أنه كان مجرد انفجار عرضي للذخيرة والألعاب النارية. تجنب المسؤولون إخلاء المنطقة، أو تحذير السكان من الآثار الصحية المحتملة.

مع ذلك، حتى بعد إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي بعد بضعة أسابيع -ما أسفر عن مصرع 110 ألف إلى 210 ألف شخص وإنهاء الحرب فعليًا- لم يخبر المسؤولون الحكوميون سكان حوض تولاروسا بالآثار المحتملة للانفجار. وعندما سُئلوا مباشرةً عن المخاطر الصحية، أنكروا وجود أي خطر محتمل.

تجاهل وفيات الرضع:

تمثل أحد أخطر الآثار الصحية لهذا الاختبار في زيادة وفيات الرضع. عام 1947، كتبت مقدمة رعاية صحية في روزويل تُدعى كاثرين إس بنكي إلى ستافورد وارين، المسؤول عن السلامة الإشعاعية خلال مشروع مانهاتن، تسأله إن كان لهذه الوفيات صلة باختبار ترينتي.

كتبت بنكي في رسالتها إلى وارن: «في أغسطس 1945، بعد شهر من اختبار القنبلة الأولى في نيو مكسيكو، حدث نحو 35 حالة وفاة بين الرضع هنا». من الواضح أن المعدل في ألاموغوردو، بالقرب من موقع الاختبار، كان أعلى من روزويل.

آنذاك، بدأ العلماء يدركون أن التعرض للإشعاع النووي قد يؤدي إلى أورام سرطانية وآثار صحية سلبية أخرى. في الواقع، بعد خمسة أيام من اختبار ترينيتي، أخبر وارن قائد مشروع مانهاتن الجنرال ليزلي غروفز أن التداعيات النووية من الاختبار تمثل عاملًا خطيرًا للغاية ضمن مساحة 4300 كيلومتر مربع من موقع ترينيتي.

رغم معرفة وارن بأن التداعيات تمثل خطرًا صحيًا كبيرًا، كتب مساعده مرة أخرى إلى بنكي أنه لم يسمع عن زيادة في وفيات الأطفال، ولكنه -على أي حال- أراد أن يؤكد أن سلامة الناس وصحتهم ليست معرضة للخطر عمومًا.

اختبار ترينيتي يخلق أزمة صحية مستمرة:

على مدار العقود التالية، أصيب الأشخاص الذين عاصروا الانفجار بالسرطان وأمراض القلب ومشكلات صحية أخرى. حتى أن الأشخاص الذين وُلدوا بعد الانفجار تعرضوا لتلك المشكلات أيضًا. ليس فقط لأن الآثار الإشعاعية لترينيتي ظلت عالقة في البيئة، لكن أيضًا بسبب التعدين المحلي لليورانيوم. وظهرت مشكلة نقل مخلفات التجارب النووية في نيفادا بدءًا من الخمسينيات.

بدأ الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من ترينيتي ومواقع التجارب النووية الأخرى تعريف أنفسهم بأنهم «متضررين»، وأخذوا يربطون بين المشكلات الصحية لأفراد مجتمعهم والتجارب النووية الحكومية. عام 1990، أقرت الولايات المتحدة قانون التعويض مقابل التعرض للإشعاع، بهدف توفير تعويضات لبعض المتضررين من موقع اختبار نيفادا بالقرب من لاس فيغاس. ومع ذلك، فإن القانون لم يقدم أي تعويض أو اعتذار للمتضررين قرب موقع اختبار ترينتي.

عام 2005، شاركت تينا كوردوفا في تأسيس اتحاد تولاروسا للفت الانتباه إلى التعرض للإشعاع في المنطقة والمطالبة باتخاذ إجراءات حكومية. تروج المنظمة لتعديلات على قانون التعويض عن التعرض للإشعاع من شأنها أن تشمل سكان نيو مكسيكو والأشخاص الآخرين الذين تعرضوا للإشعاع النووي.

صرحت كوردوفا، التي ولدت في تولاروسا عام 1959 وهي ناجية من السرطان، إن قانون عام 1990 «هو اعتراف من جانب حكومتنا بالضرر الذي ألحقوه بالسكان». المشكلة هي أن البرنامج ليس شاملًا كفاية، إذ استبعد أول أشخاص تعرضوا للإشعاع من قنبلة، وهم سكان نيو مكسيكو.

في تقرير عام 2010، خلصت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى أن معدلات التعرض من اختبار ترينتي «قيست عند مستويات أعلى 10,000 ضعف، مقارنةً بما هو مسموح به حاليًا». تسبب التفجير النووي الأول في أزمة صحية مستمرة، وما زال سكان نيو مكسيكو يطالبون باعتذار وتعويض.

اقرأ أيضًا:

رصد شبه بلورة من مخلفات أول اختبار لقنبلة نووية في التاريخ

قنبلة قيصر: أقوى قنبلة نووية صُنعت على الإطلاق

ترجمة: زينب عثمان

تدقيق: رغد أبو الراغب

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر