اكتُشفت سحابة غامضة نجت بطريقة ما من مواجهة وشيكة مع ثقب أسود عملاق. وفقًا لدراسة جديدة على الجسم المسمى G2، الذي يتكون من ثلاثة نجوم شابة مُحاطة بسحابة سميكة من الغاز والغبار تولّدت منها. يقف هذا التفسير كحل منطقي لأسئلة طالما انتظرنا إجابتها، بعدما مر الجسم G2 بحافة الثقب الأسود في مركز مجرتنا درب التبانة، الرامي أ – Sagittarius A عام 2014.

كتب الباحثون في ورقتهم: «نرجح أن تكون الأجسام المرصودة المحاطة بالغاز والغبار، بقايا عنقود نجمي شاب تكون بالقرص المحيط بالنواة ثم انفرط عقده».

اكتُشفت الجسم G2 عام 2011 -وأُدرجت خصائصه بدراسة نُشرت عام 2012، وكان متحهًا حينها نحو حدث يُعرف باسم perinigricon، أي مقاربة مدار الجسم للثقب الأسود.

توقع الفلكيون أن يُسفر اللقاء عن تمزق أجزاء الجسم G2 والتهامها بتأثير الثقب الأسود الرامي أ، ليبدأ الثقب الأسود العملاق فقرة الألعاب النارية.

ولكن خاب أملهم ولم يحدث شيء تجاه «الفجوة الكونية». تمدد الجسم G2 واستطال عندما اقترب من الثقب الأسود، وبعد وصول مداره لأقرب مسافة من الثقب الأسود أو perinigricon، عاد إلى شكل أكثر انضغاطًا.

هناك سمة أخرى محيرة من سمات الجسم G2 وهي أنه حار جدًا، أكثر سخونةً بكثير مما يجب أن تكون عليه سحابة من الغبار. من المحتمل أن الثقب الأسود، أو أي نجوم أخرى زادت حرارته، لكن حرارة الجسم لم تتأثر بتغير موقعه، ما يعني أن ما زاد حرارته أتى من الداخل لا بتأثير قوى خارجية. وجد الفلكيون أن كلا السلوكين يتسقان تمامًا مع طبيعة النجوم.

اقترح فريق من الباحثين العام الماضي أن السحابة G2 قد تخفي نجمًا داخلها؛ والنجم بدوره نتاج تصادم نجمين تولدت عنه سحابة ضخمة من الغاز والغبار.

ولكن كشفت نفس الدراسة أيضًا عن وجود أربعة أجسام أخرى مماثلة في مركز المجرة، ما يرفع العدد الكلي للأجسام G إلى ستة. وهو عدد كبير من النجوم الثنائية المتصادمة.

توصل الآن فريق من الباحثين بقيادة عالم الفيزياء الفلكية فلوريان بايسكر من جامعة كولونيا في ألمانيا إلى تفسير بديل، بعد استعراض مُفصل لنتائج رُصدت على مدار 14 سنةً باستخدام التلسكوب العملاق SINFONI.

وفقًا لتحليلهم للنتائج، يجب أن يحوي الجسم G2 ثلاثة نجوم داخله، في عمر المليون سنة تقريبًا، وهو عمر صغير جدًا بالنسبة للنجوم، مقارنةً بالشمس التي يبلغ عمرها 4.6 مليار سنة.

النجوم داخل G2 حديثة السن لدرجة أنها ما تزال محاطة بمادة من السحابة التي تكونت فيها.

يقول بايسكر: «إن احتواء الجسم G2 في الواقع على ثلاثة نجوم ناشئة متطورة أمر مثير». مشيرًا إلى أن الاكتشاف يجعل النجوم الثلاثة أصغر النجوم المرصودة في أي وقت مضى حول الثقب الأسود الرامي أ.

يحتوي المركز المجري بالفعل على عدد محدد من النجوم الشابة، والمعروفة باسم العنقود S. ووفقًا لنموذج فريق بايسكر، فإن نجوم G2 قد تنتمي إلى هذه المجموعة.

ربما نشأت تلك كما تنشأ بقية النجوم، لتشكل عنقودًا نجميًا انفرط عقده منذ ذلك الحين، وتناثرت النجوم المفردة مُولدةً مدارات جديدة حول الثقب الأسود الرامي أ.

حتى لو لم تكن جزءًا من العنقود النجمي S، فقد كانت النجوم داخل الجسم G2 على الأرجح جزءًا من مجموعة أكبر من النجوم في وقت ما. وقد تكون الأجسام الترابية الأخرى التي تدور في مدار الرامي أ أعضاء في نفس المجموعة، وقد كان من المحتمل أن تعوقها الجاذبية إذا كانت على مسافة أبعد من الثقب الأسود العملاق.

ولأن البيئة المحيطة بالثقب الأسود ليست مواتية لتكوّن النجوم، سيلزمنا مزيد من العمل لاكتشاف مكان نشأة G2 والأجسام الأخرى من النوع G. وقد يتمكن الفلكيون أيضًا من استخدام النتائج الجديدة لفهم المزيد عن الثقوب السوداء.

يقول بايسكر: «تقدم النتائج الجديدة رؤىً فريدةً عن كيفية عمل الثقوب السوداء».

وأضاف «يمكننا استخدام بيئة الثقب الأسود الرامي أ نموذجًا أوليًا لمعرفة المزيد عن تطور المجرات الأخرى والعمليات الحادثة داخلها، في أركان مختلفة تمامًا عن عالمنا».

نُشر البحث في مجلة The Astrophysical Journal.

اقرأ أيضًا:

نجم استطاع النجاة من التهام ثقب أسود عملاق!

إلى أي حد يمكننا الاقتراب من ثقب أسود؟

ترجمة: عصماء عصمت

تدقيق: حسام التهامي

المصدر