يشير مصطلح التعطش للتواصل الجسدي إلى الرغبة باللمس أو التواصل الجسدي مع كائنات حية أخرى، وقد يؤدي الحرمان من التواصل الجسدي إلى نشوء مشاعر سلبية مثل الفراغ والوحدة.

البشر كائنات اجتماعية بشدة، وتظهر بعض الأبحاث إمكانية شعور الكثير من الناس بالراحة والأمان والرضا بسبب التواصل الجسدي. بالمقابل، تظهر حالة الحرمان من هذا النوع من التواصل عند قلته أو غيابه لفترة مطولة.

ربما تزايد عدد الناس الذين يشعرون بالتعطش للتواصل الجسدي بعد وباء كوفيد 19، فقد أصبحت مخالطة الآخرين محدودة وقل التواصل الجسدي بين الناس عمومًا بسبب إرشادات التباعد الجسدي والتقييدات الاجتماعية التي هدفت للحد من انتشار فيروس SARS-CoV-2.

يستخدم الناس مصطلحات وتراكيب أخرى لوصف هذا الشعور مثل الحرمان من اللمس، والحرمان من العاطفة، والجوع للمس، والاكتئاب الناتج عن قلة اللمس.

نناقش هنا التعطش للتواصل الجسدي ومعناه، ومضاعفاته النفسية المحتملة، مع بعض الطرائق للمساعدة في مواجهته.

ماذا يعني التعطش للتواصل الجسدي؟

يعني التعطش للتواصل الجسدي رغبة بهذا النوع من التواصل تظهر بعد نقص التواصل الجسدي مع الآخرين لفترة من الوقت أو انعدامه، ويقارنها البعض في الرغبة بالأكل في أثناء الجوع.

وجدت الأبحاث أن اللمس مهم للبشر في إيصال المشاعر والحفاظ على العلاقات، وتؤكد العديد من الدراسات على أهمية التواصل الجسدي الاجتماعي في نمو الإنسان وتطوره. إضافة إلى ذلك، يستطيع اللمس تنشيط مناطق معينة في الدماغ، وبإمكانه التأثير في عمليات التفكير، وردود الفعل، والاستجابات الفيزيولوجية.

فقد أظهرت الأبحاث مثلًا أن اللمس المصحوب بالعاطفة ينشط القشرة المخية الجبهية الحجاجية، وهذه المنطقة من الدماغ مسؤولة عن السلوكيات العاطفية والاجتماعية إضافة إلى التعلم واتخاذ القرارات.

يستطيع اللمس أيضًا تهدئة الأشخاص الذين يشعرون بالضيق وطمأنتهم، إذ ذكرت دراسة من عام 2017 أن لحضن الأطفال والتربيت عليهم تأثير ملطف ومهدئ عند شعورهم بالانزعاج، واقترحت دراسة أخرى من عام 2015 أن التواصل الجسدي الإنساني قد يساعد في مواجهة الأمراض المعدية.

استنادًا إلى ما سبق، قد يؤدي نقص التواصل الجسدي إلى الحالة التي يصفها العديد من الناس بالتعطش للتواصل الجسدي.

الأسباب

قد يزيد التعطش للتواصل الجسدي مشاعر الضغط النفسي والاكتئاب والقلق، وقد يحرض ذلك بدوره طيفًا من التأثيرات الفيزيولوجية السلبية.

فمثلًا، ينتج الجسم هرمون الكورتيزول لمحاربة حالة الإجهاد، ويزيد هذا الهرمون معدل ضربات القلب، وضغط الدم، ومعدل التنفس، والتوتر العضلي، ويثبط الجهازين الهضمي والمناعي، ما قد يزيد خطورة الإصابة بالأمراض المعدية.

أشارت دراسة من عام 2018 إلى قدرة الجلد على إيصال محفزات لمسية إيجابية وسلبية إلى الأعصاب الحسية التي تنقل حس اللمس إلى الدمع، ويستجيب الجسم للتحفيز الجلدي منخفض الشدة مثل اللمس أو التدليك اللطيف بإطلاق هرمون أوكسيتوسين الذي يدعوه البعض بهرمون الحب. توجد فوائد عديدة للأوكسيتوسين، فهو يسهم في الشعور بالعافية وتخفيف الضغط النفسي في الأيام العادية.

بذلك نرى أن اللمس على نحو اعتيادي يساعد على المحافظة على العافية عمومًا، بينما قد يسهم نقص التواصل الجسدي في حدوث تأثيرات سلبية نفسية وفيزيولوجية.

الأعراض

قد تصعب معرفة وجود حالة التعطش للتواصل الجسدي أحيانًا، والشعور الأكثر شيوعًا في هذه الحالة شعور غامر بالوحدة، إضافة إلى:

  •  الضغط النفسي.
  •  القلق.
  •  الشعور بالاكتئاب.
  •  شعور بعدم الرضا.
  •  صعوبة في النوم.
  • التعب.

قد يمارس البعض سلوكًا معينًا يهدف إلى تحفيز حس اللمس، وذلك يشمل قضاء وقت مطول في الاستحمام، أو استخدام البطانيات، أو عناق حيوان أليف أو وسادة.

المضاعفات النفسية

من المحتمل أن تسبب مشاعر الوحدة والانعزال المصاحبة لحالة التعطش للتواصل الجسدي مضاعفات نفسية سيئة. قد تسبب قلة التواصل الجسدي مثلًا زيادة الشعور بالضغط النفسي والقلق والاكتئاب.

أظهرت دراسة من عام 2017 أن اللمسات المصحوبة بالعاطفة تدعم السلامة النفسية للفرد، وبناء على ذلك بوسعنا القول إن نقص التواصل الجسدي قد يعرض الصحة النفسية والعاطفية للخطر.

ذكرت دراسة من عام 2020 أيضًا أن التلامس يخفف الشعور بالوحدة، لذا فقد يسبب نقص التواصل الجسدي الشعور بالوحدة أو يزيده سوءًا لدى البعض.

ذكرت الأبحاث حدوث تثبيط للوظيفة المعرفية لدى الذين يشعرون بالوحدة، مع زيادة احتمال إصابتهم باضطرابات الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب.

العلاجات

توجد بعض الطرق التي قد تساعد على تجاوز الشعور بالتعطش للتواصل الجسدي أو تخفيفه، وتشمل:

  •  استخدام البطانيات: وذلك بلف البطانيات حول الجسم للشعور بالراحة، ويمكن أيضًا استخدام نوع من البطانيات الثقيلة لهذا الغرض، إذ يقلد هذا النوع من البطانيات إحساس الحصول على عناق، وقد يساعد في الشعور بالسلام والهدوء.
  •  التدليك الذاتي: يمكن مثلًا تدليك الرقبة بهدف محاولة تحفيز العصب المبهم، ما يساعد على تقليل الضغط النفسي.
  •  تقنية استجابة القنوات الحسية الذاتية (ASMR): ويعني ذلك الشعور المريح الذي يختبره البعض عند الاستماع إلى فيديوهات ASMR. تنشط هذه الأصوات المناطق الدماغية التي تعالج الإحساس باللمس وقد تساعد في الشعور بالهدوء والاسترخاء.
  •  استذكار التواصل الجسدي السابق: تظهر الأبحاث أن اللمس يؤدي دورًا في تشكيل الذاكرة، وبذلك يستطيع الفرد تذكر موقف سابق اشتمل على التواصل الجسدي والتركيز على الشعور حينها للتخفيف من حالة الضيق.
  •  استخدام وسائد للجسد: قد يساعد استخدام وسائل الجسد البعض في الشعور براحة أكبر في أثناء النوم، فقد تقلد هذه الوسائل الشعور بالعناق.
  •  العناق: تظهر الأبحاث أن عناق شيء غير حيٍّ حتى مثل الوسائد قد يساعد على التقليل من الشعور بالضغط النفسي. وبالوسع أيضًا عناق حيوان أليف إذ تظهر الأبحاث أن رفقة الحيوانات تستطيع التخفيف من الضيق والوحدة.
  •  التواصل: ينصح بالحفاظ على تواصل منتظم مع العائلة والأصدقاء والأحباب عند الإمكان، يشمل ذلك التواصل عبر الرسائل النصية أو الاتصالات الهاتفية أو مكالمات الفيديو. تقترح الأبحاث وجود رابط بين مكالمات الفيديو وانخفاض الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية.
  •  ممارسة التمارين الرياضية: قد يساعد النشاط الجسدي على تحسين الوظيفة المعرفية والصحة عمومًا، ويستطيع أيضًا الإسهام في تخفيف مشاعر الضغط النفسي والاكتئاب وتحسين النوم.

متى يجب طلب المساعدة؟

يجب طلب المساعدة عند وجود أعراض سلبية تطال الصحة النفسية. قد تسوء الصحة النفسية دون المعالجة، وقد يؤثر ذلك ﻹي نوعية الحياة وجودتها. ومن الضروري أيضًا احترام التباعد الجسدي والحفاظ عليه عند الحاجة لتجنب تعريض صحتنا وصحة الآخرين للخطر.

من الممكن تجربة العلاج النفسي عن بعد عند عدم القدرة على الحصول على مساعدة مباشرة وجهًا لوجه. يشمل العلاج النفسي عن بعد أي شكل من العلاج النفسي الذي يستخدم التكنولوجيا للتواصل بين المعالج والعميل، وهذا يشمل جلسات العلاج عبر الهاتف أو مكالمات الفيديو أو الرسائل الفورية.

الخلاصة

التعطش للتواصل الجسدي شعور بالحاجة إلى التواصل الجسدي، فالبشر كائنات اجتماعية، ويؤدي اللمس دورًا مهمًا في النمو والتطور والتواصل. قد يسبب الحرمان من التواصل الجسدي مع الناس تأثيرات سلبية على الصحة النفسية لدى البعض.

يمكن تجربة طرق مختلفة لتقليد إحساس التواصل الجسدي الإنساني أو تجربة وسائل أخرى لتحسين الصحة النفسية مثل ممارسة التمارين الرياضية والتواصل مع الأحباب على نحو منتظم.

يجب طلب المساعدة في حالة وجود تأثيرات سلبية على الصحة النفسية ناتجة عن التعطش للتواصل الجسدي.

اقرأ أيضًا:

سبع فوائد للعناق عليك معرفتها

كيف تؤثر العزوبة على صحتك النفسية والجسدية؟

ترجمة: حاتم نظام

تدقيق: علي بلوه

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر