التباعد الجسدي وسيلة فعالة لإبطاء انتشار فيروسات عدة، لكنه يؤدي أيضًا إلى نشوء بعض المشاعر مثل العزلة والوحدة، خاصة لدى الأفراد الأكبر عمرًا. تباعد الناس عن بعضهم للمساعدة على منع انتشار فيروس SARS-CoV-2 المسبب لمرض كوفيد 19، لكن لهذه العزلة تأثير ملموس في الصحة، إذ تسهم في الإصابة بأمراض عدة مثل الاكتئاب والقلق والخرف.

لهذا السبب، تشجع منظمة الصحة العالمية (WHO) الناس على الاستمرار في ممارسة حياتهم الاجتماعية مع الحفاظ على التباعد، بوساطة الهاتف أو المنصات المتاحة على الإنترنت مثلًا.

يناقش هذا المقال التأثيرات المتبادلة بين العزلة والصحة النفسية، ويحدد الأشخاص المعرضين لخطر أكبر، مع ذكر بعض العلامات والأعراض التي توحي بحاجة الشخص إلى الدعم، إضافة إلى طرائق للتعامل مع العزلة والوحدة.
العزلة والصحة النفسية

إن لشبكات الدعم الاجتماعي تأثير إيجابي مهم في الصحة، إذ أن بلدانًا عدة تتعامل مع العزلة بوصفها أولوية في خططها الصحية. والتواصل الاجتماعي أساسيّ للحفاظ على الصحة النفسية والجسدية؛ إذ يرى بعض الباحثون أن العلاقات حاجة حيوية وضرورية للحفاظ على العافية والبقاء.

قد تشمل بعض المخاطر المتعلقة بالصحة النفسية التي ترتبط بالعزلة والوحدة ما يأتي:

  •  الاكتئاب.
  •  القلق.
  •  الفصام.
  •  الانتحار.
  •  الخرف.
  •  داء ألزهايمر.

حدد الباحثون أيضًا الرابط بين الوحدة وبعض الاضطرابات الجسدية مثل الداء القلبي، وسرطان الثدي.

من هم المعرّضون لخطر الإصابة؟

يزيد احتمال الشعور بالعزلة لدى البالغين الأكبر عمرًا على وجه الخصوص، إذ قدر الباحثون انتشار العزلة لدى أكثر من 8 مليون فرد من هذه الفئة قبل وباء كوفيد 19. وغالبًا ما يتعرض البالغون الأكبر عمرًا لتجارب وتغيرات حياتية مهمة، وهذا أحد الأسباب التي تزيد من خطورة شعورهم بالوحدة. من هذه التغييرات:

  •  التقاعد.
  •  وفاة شريك الحياة.
  •  مغادرة الأولاد للمنزل.
  •  مشكلات صحية مرتبطة بالعمر.

لهذه التغييرات قدرة على كسر الروابط الاجتماعية، وتزيد من صعوبة الاختلاط بالناس. إضافة إلى ذلك، قد يجد ذوو الاحتياجات الخاصة أو المصابون باضطرابات تعيق نشاطهم الجسدي صعوبة أكبر في عيش حياتهم الاجتماعية خارج المنزل.

يزداد معدل انتشار الوحدة في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يشير بعض الخبراء إلى وجود أعداد متزايدة من الأشخاص في الولايات المتحدة يعانون الوحدة على نحو منتظم، وأعلنت بعض البلدان كذلك وجود حالة وبائية من الوحدة لدى سكانها منها ألمانيا وأستراليا والمملكة المتحدة.

قد تسبب بعض السلوكيات المجتمعية السائدة أيضًا العزلة الاجتماعية، من الأمثلة على ذلك نجد انخفاض المعدل الوسطي لعدد الأفراد في المنزل، وقرار مزيد من الشركاء عدم إنجاب الأطفال.

إضافة إلى ما سبق، لقد سجل الباحثون معدلات حضور منخفضة في التجمعات الاجتماعية، وانخفاض المشاركة في الاجتماعات الدينية، وانخفاض في الحجم الوسطي للمجموعات الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية.

توجد بعض العوامل المتعلقة بنمط الحياة تزيد من احتمال الشعور بالوحدة، ومنها:

  •  الطلاق.
  •  عيش الشخص بمفرده.
  •  العزوبية.

علامات وأعراض يجب الانتباه لها

تشير بعض العلامات والأعراض إلى تأثير العزلة في الصحة النفسية، وتشمل:

  •  الشعور بالقلق أو الاكتئاب.
  •  السلوك العدواني.
  •  السلوك السلبي.
  •  انخفاض جودة النوم.
  •  تراجع القدرات المعرفية.
  •  تغير في الذاكرة.
  •  سوء العناية بالنفس أو إهمالها.

يعتقد الباحثون باختلاف تبعات الوحدة أو العزلة اعتمادًا على عمر الفرد، إذ يعاني الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 18 – 49 مثلًا من صعوبة في التركيز، أو قد يأكلون أكثر من المعتاد، أما الأطفال واليافعون فقد يعانون أكثر من غيرهم صعوبات معرفية وسلوكية وانفعالية.

البقاء على تواصل دائم

قد يقلل إيجاد طرائق للتواصل مع الآخرين من تأثير الوحدة في الصحة النفسية في أثناء وجودهم في المنزل، ويأخذ التواصل مع الأحباب والأصدقاء ومن قد يكون بحاجتنا أشكالًا عدة في يومنا هذا، وذلك لوجود منصات مختلفة نستطيع الاختيار من بينها، فنستطيع التواصل بوساطة:

  •  البريد.
  •  الهاتف والرسائل النصية.
  •  البريد الإلكتروني.
  •  وسائل التواصل الاجتماعي.
  •  منصات مكالمات الفيديو.

الاعتناء بالآخرين

إن طرق باب الجيران وإلقاء السلام عليهم مع الحفاظ على مسافة آمنة عند الحاجة أو الاتصال بهم بوساطة الهاتف، قد يذكرهم بوجود شخص قريب يساندهم.

بالوسع أيضًا التخفيف من الشعور بالوحدة بإجراء اتصالات هاتفية أو مكالمات فيديو بانتظام.

من الطرائق الأخرى للتواصل إرسال الهدايا للآخرين، وبالوسع الاعتناء بالأشخاص الضعفاء أو المعرضين للخطر عبر إيصال أدويتهم أو حاجياتهم المنزلية إلى منزلهم، مع الحفاظ على التباعد عند الحاجة.

قد تزيد المشاركة بنشاطات عبر الإنترنت مع أشخاص آخرين الشعور بالتواصل وتخفف من الوحدة.

متى يجب طلب المساعدة؟

يجب أن يطلب من يعانون الوحدة أو العزلة المساعدة من طبيب أو معالج نفسي لدى ملاحظة أي علامات للقلق أو الاكتئاب، وقد يشمل ذلك:

  •  التململ أو الهياج.
  •  القلق الدائم.
  •  الإفراط في النوم أو النوم القليل.
  •  انعدام القدرة على التركيز.
  •  وجود أفكار انتحارية.

من المفيد السؤال عن تناول الطعام والنوم عند الاطمئنان على الآخرين، إضافة إلى سؤالهم عن عنايتهم بأنفسهم، فقد يفيدهم الدعم في حال كانوا يعانون صعوبة في هذه الأشياء.

الوقاية من الانتحار

في حال معرفة أحدٍ ما تحت خطر مباشر لإيذاء نفسه، أو الانتحار، أو أذية شخص آخر يجب:

  •  طرح سؤال مباشر: هل تفكر بالانتحار؟
  •  الإنصات لما يقوله من دون إطلاق الأحكام.
  •  الاتصال بخدمة الطوارئ المحلية.
  •  البقاء مع الشخص لحين وصول المساعدة المتخصصة.
  •  محاولة نزع أية أسلحة أو أدوية أو أدوات مؤذية.

في حال وجود أفكار انتحارية، توجد خطوط هاتفية فورية تقدم الدعم والمساعدة.

الخلاصة

أجبر وباء كوفيد 19 الناس على عزل أنفسهم للوقاية من انتشار فيروس SARS-CoV-2، لكن قد يكون للوحدة أو العزلة نتائج خطرة على الصحة، وقد تسهم في حدوث بعض الاضطرابات مثل الاكتئاب والقلق والخرف.

يساعد الحفاظ على الحياة الاجتماعية مع التباعد الجسدي (بوساطة منصات الإنترنت مثلًا) على التخفيف من مشاعر العزلة والوحدة، ويحمي من المضاعفات الممكنة خاصة للأشخاص المعرضين للخطر.

تجب استشارة الطبيب عند الشعور بأية تغييرات في الصحة النفسية أو الجسدية ناتجة عن حالة العزلة.

اقرأ أيضًا:

كيف تغير العزلة الاجتماعية من بنية أدمغتنا؟ تصوير الدماغ يكشف ذلك!

الحميمية والعزلة عند إريك إريكسون: لم تعد العلاقات بالآخرين مهمة؟

ترجمة: حاتم نظام

تدقيق: ريمي سليمان

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر